قال إن الأغنية لا تخضع لمعايير الرقابة والتقييم (1) .. الشاعر محمد توفيق الحاج: هنالك (هرجلة) وفوضى في مستوى الذوق العام!!

 

في الآونة الأخيرة ظل الحديث يكثر عن الكفاءات خصوصاً أولئك الذين هم بالخارج .. ولعل الكفاءة ليست مرتبطة بالعمل السياسي فحسب .. ولعلي هنا أتوقّف اليوم وفي هذه الصفحة عند الشاعر الشاب (محمد توفيق الحاج) الذي يمثل واحدا من الإشراقات الإبداعية التي أخذتها الغربة كحال الكثيرين الذين يعانون منها.. (الحوش الوسيع) استنطقت الشاعر الشاب محمد توفيق من مقر إقامته بمدينة جدة حيث تحدثنا سوياً عن بعض القضايا نستعرضها في هذا الجزء الأول من الحوار.

حوار: سراج الدين مصطفى    11مارس2022م 

في البدء دعنا نقرأ في تفاصيل بطاقتك الشخصية؟

محمد توفيق الحاج علي، من مواليد حي الميرغنية بمدينة كسلا، تلقيت تعليمي بمدرسة الميرغنية الابتدائية (أ) والمتوسط بمدرسة كسلا الأهلية والثانوي بمدرسة كسلا الثانوية العليا.. ثم التحقت بجامعة الجزيرة كلية الزراعة ثم كلية التجارة بجامعة النيلين وتخرجت فيها عام ١٩٩٨م.

إذا نظرنا للموضوع من زوايا فلسفية ونظرية، هل يمكن أن نقول إن الشاعر يولد بصرخة ذات جرس وإيقاع موزون ومنتظم؟

بكل تأكيد.. (وكل خُلق لما هو مسخر له) و دعنا نقول إن كتابة الشعر هي بمثابة البصمة الخاصة بالشخص تولد معه وتكبر.. ينميها بالاطلاع والممارسة.

*بيئة البيت والمكان، كيف كان تأثيرها في تكوينك الإبداعي.. وهذه سانحة للتعرف عليك من خلال ملامح وتفاصيل مجتمع مدينتكم؟

الإنسان وليد بيئته ولدت وتأثرت بوالدي توفيق الحاج علي في الإلمام بفن الكتابة فهو كان يكتب في صحيفتي الأيام والصحافة .. واستفدت كثيراً من دروس التجويد وقراءة القرآن الكريم وأنا ابن السابعة من خالي عمر الطيب بزاويته في كسلا حي الميرغنية ، ثم كان هناك حراك ثقافي منذ المرحلة الابتدائية والجمعيات الأدبية .. كنت أقدم الجمعية الأدبية في المدرسة منذ حداثة سني وكنت اقرأ الشعر وأول قصيدة كتبتها كانت في ثورة أبريل، وكذلك ثاني قصيدة كانت في وداع أستاذي هاشم محمد الحسن معلم اللغة العربية بالمدرسة الأهلية الذي كان له دور في إلمامي باللغة ونظم الشعر هو والأستاذ عبد القادر حسب الله، والأستاذ الدكتور عادل حامد الزين.

وماذا عن الحراك الثقافي في مدينة كسلا؟

ومجتمع كسلا كان له حراك ثقافي كبير فكانت الليالي الثقافية ، و كانت للبعض بصمة واضحة في ذلك مثل المرحوم العم الاستاذ حسان أبو عاقلة أبو سن ، والمرحوم العم  الاستاذ احمد أبو عاقلة أبو سن ، و المرحوم الأستاذ عوض الكريم الخليفة ، فقد كانت لهم إسهامات في الحركة الشعرية وعقد الليالي الشعرية التي كان لها تأثير كبير في تكوين شخصيتي الشعرية.  وكذلك ورش العمل والليالي الثقافية مع رفقاء الدرب صديقي أمير جبير ومحمد الحسن النميري وأحمد المصطفى ، كما ان التحاقي وعملي بالإذاعة كمذيع وتمت إجازة صوتي و نلت تدريباً في التقديم وقراءة نشرات الأخبار من المرحوم كمال محمد الطيب بالاذاعة السودانية ، والمرحوم عباس ساتي مدير إذاعة القرآن الكريم والاستاذ بدر الزمان عثمان بإذاعة كسلا. كل ذلك أتاح لي متابعة هذا الحراك والانطلاق من خلال بعض البرامج مثل برنامج الشمس تشرق من هنا، وبرامج المنوعات والفعاليات الثقافية.

كما ان كسلا بطبيعتها الغناء، وحدائقها وبساتينها .. تخيل أنك تصحي على أصوات العصافير وأمامك الخضرة الممتدة، وكسلا أشبهها كثيراً بالمدن أيام العصر العباسي .. (كل حي تقريبا تحفه مجموعة من البساتين والسواقي) فالتقت ثلاثية الخضرة والماء والوجه الحسن، لتتشكل شخصيتي الشعرية.

في السعي لخلق بصمة خاصة لا بد من المرور بالعديد من المدارس الشعرية والتأثر بها، بمن تأثرت ومن هم الذين شكّلوا وجدانك الشعري؟

في بداياتي، تأثرت بكتابات الشاعر الأستاذ الزين عثمان الفضل وهو شاعر كسلاوي كبير، والشاعر أحمد حاج علي صاحب أغنية (أرض الحبايب) التي كتبها في  محبوبته كسلا، وكذلك الأستاذ إسحاق الحلنقي، وتأثرت كثيراً بالشاعر الكبير فاروق جويدة وحسين بازرعة وشعر الأستاذ عبد الوهاب هلاوي له وقع ومكانة خاصة في دواخلي. وهم من شكلوا وجداني الشعري. ولا يخفى عليك أن لكل شاعر له مفرداته الخاصة بالرغم من تأثره بمن حوله.

هل اختارك الشعر أم اخترته، وهل يحق للانسان أن يختار الشعر كصفة مميزة لشخصيته؟

الشعر هو قَـدَر .. وهو قسمة ونصيب ، وأنا افترض أن الشاعر يولد شاعراً ، والشعر هو من اختارني ومن ثم نشأت تلك الحالة من المواءمة بيني وبينه .. فأصبح بمثابة النَفَس بالنسبة لي.

 الشعر الغنائي في السودان، يصفه البعض بأنه أصبح بلا قيمة حقيقية وأقرب للابتذال ولم يعد كما كان في السابق؟

لا ليس إلى هذه الدرجة، وهناك شعر غنائي رائع وراق ولكن الحياة الاجتماعية والاقتصادية  لها تأثير .. هناك شعراء يلجأون لمجاراة بعض المجتمعات داخل الوطن .. ربما من أجل الاسترزاق، في الماضي كان الكاتب يحمل قيما وموروثات لا يمكن تجاوزها .. وكانت القصيدة لا تخرج إلا بعد مرورها على زملائه من الشعراء وبمراحل من (الفلترة) ، ومرورها كذلك بلجنة اجازة النصوص ، ولكن  الآن بعض الشعراء تجاوزوا الخطوط الحمراء لقيم المجتمع السوداني، كل ذلك من أجل الكسب المادي، وقديماً كان الشاعر يكتب نتيجة تجربة حقيقية أو مُجاراة لشاعر آخر ، لكن الآن أصبحت الكتابات بلا رقيب او وازع ، كما اختلت معايير تقييم الشعراء، فيكفي للشاعر أن يقوم بنشر قصيدته في احدى وسائل التواصل الاجتماعي ، ومن ثم يقتنع بشاعريته نتيجة الثناء الذي يجده من مداخلات الأصدقاء – غير المختصين في الشعر- أو من غير النقاد أو حتى الزملاء، بمعنى أنه اختلفت بيئة ومعايير التقييم، ولكن هناك شعر غنائي هادف وله ذواقه ورواده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى