د. عبد الله فتحي يكتب : الغناء الرسالة.. بنك الموروث الثقافي (2)

 

8مارس 2022م

رشفة أولى:

 

الدكتور.. عبد الله فتحي

تحايا واحترام.

اطلعت على مقالك في عمودك المقروء.. نصف كوب.. بعنوان: الغناء الرسالة.

لجد قد كانت الرشفات مشبعات.. بل احسب انها بلسم يداوي العليل.

كانت الاغنية في الماضي القريب.. تحمل نصوصاً يرتقي معها الذوق العام.. لأن الشاعر الذي كتب نصها.. هو خريج الخلوة آنذاك.. فبالتالي يكون له علمٌ باللغة العربية.. بديعها وحسنها.. توريتها ومجازاتها واستعاراتها.. لأن كل ذلك في القرآن الكريم. وأعني بذلك.. فترة الغناء المسماة (اغنيات الحقيبة).. ثم استحدث الغناء بعد ذلك في طريقة الأداء وإدخال بعض المفردات التي تواكب المجتمع آنذاك.. ولم تخرج تلك المفردة المستحدثة عن مألوف المجتمع وتربيته السمحاء.

سمعنا الأوصفوك.. وصدر المحافل.. وغيرها.. ثم لاحقاً.. الطير المهاجر.. الحزن النبيل.. المستحيل.. وبناديها وغيرها.

أما الآن.. فليس هناك شئ يسمع.. نصاً أو صوتاً.

واناشد معك وزارة الثقافة بأن تضع ضوابط للنصوص.. لأن المفردة من شأنها ان ترفع القيم أو تحطها.

(وهذا تعليقٌ وصلني، حروفه مذهبة تتألق، من الصوفي المتبتل والمثقف الموسوعة والقانوني الضليع مولانا/ محمد السر.. لا فض الله فاهك).

 

رشفة ثانية:

 

وما زال غناء الحقيبة الجماعي (عزيزي/ محمد السر) الذي هو تطور للحداء هو أجمل وأفصح وأعذب وأبلغ الغناء السوداني، يبدأ به كل فنان حقيقي مسيرته ثم ينتقل الى تفرده وخصوصيته.

وهناك طرفة تروى عن غناء الحقيبة ذي القيمة العالية (التي تبز كل الغناء العربي مجتمعاً لو جرت المقارنة)، طرفة تؤكد الأبعاد العميقة والدلالات المترامية والكلمات الرمزية ومعان كضوء القمر لغناء الحقيبة:

 

.. إذاعة (هنا أمدرمان) عندما كانت تتربع وحدها على كرسي الوجدان السوداني.. والراديو العتيق ينقل صوت (أولاد الموردة) يتغنون لساحر الحقيبة (عبد الرحمن الريح):

أنا بيك سعادتي مؤكدة..

وبلاك حياتي منكدة..

 

وكانت امرأة سودانية مسنة تتكيء على عصاتها ومسبحتها في يدها، معروف عنها عشقها وهيامها في محبة المبعوث رحمة للعالمين (عليه الصلاة والسلام) لسانها لا يفتر من الصلاة عليه والتسليم.. فصارت تميل مع كلمات الأغنية وتقول بعد كل مقطع (صلى الله عليه وسلم)

ثم يرددون:

وأنا بي محاسنك بفتخر..

وإنت المحاسن سيده..

يومي اللشوفك ببقى عيد..

والدنيا تبقى معيدة..

وهنا ذرفت دمع شوق غزير ونهنهت.. فأوقفوا الراديو رفقًا بها.. فما كانت تظن أبداً أن تلك الأغنية في الغزل!!..).

(يغني المغني وكل يفسر على هواه).

 

رشفة أخيرة:

 

الفن والإبداع رسالة وقيم وهدايا وحكم وأخلاق ورؤية تستكشف جماليات الروح فتهذبها وترتقي بها وتخاطب العقل برقة النسيم فيتفكّر في ملكوت الخالق.. لا يستطيعه ضعيف الهمة، مبتذل الشعور، مختل الذوق.. المجتمع الذي يقدر ويحترم رسالة الفن.. مجتمع يستحق حياة كريمة.. و.. معاكم سلامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى