تاج الدين بشير نيام يكتب :الغزو الروسي لأوكرانيا: إعادة لأزمة الصواريخ الكوبية في 1962. ام إعادة تشكيل النظام العالمي.

 

28فبراير2022م 

(الناس الكانوا السبب، رموني وبقوا فراجة)

احتفل  العالم الغربي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بنهاية الشيوعية والاتحاد السوفيتي (الامبراطورية القيصرية الروسية) التي نافست الولايات المتحدة الأمريكية في زعامة العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. و كان هدم الحائط الفاصل بين الألمانيتين في عام 1990 علامة فارقة في أوروبا. اذ تحول العالم إلى أحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، التي قامت  بفرض أيديولوجيتها القائمة على الرأسمالية  الإمبريالية، الاقتصاد الحر وفرض الديمقراطية على النهج الغربي على الدول، منطلقةً من مبدأ “من ليس معنا، فهو ضدنا”،  فرض عقوبات سياسية واقتصادية على الدول التي تختلف معها تحت ادعاء حماية حقوق الانسان، والأقليات، وحماية الديمقراطية ونشر قيمها، محاربة الارهاب دون تحديد تعريف دقيق عن ما هو  أو ، من هو الارهابي؟ وغيرها من الادعاءات.

رغم الترتيبات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الواسعة التي قامت بها روسيا خلال الشهرين الماضيين كرد فعل لرغبة أوكرانيا في الانضمام إلى حلف (الناتو)، والإشارات المؤكدة من الحلف، الأمر الذي ثار ثائرة روسيا التي نظرت إلى أمر الانضمام من زوايا مختلفة؛ تتقدمها محاولة أمريكية أوروبية لخنقها. لأنه اذا حصل انضمام أوكرانيا الى “الناتو” فإن الاسلحة التقليدية والنووية الغربية والأمريكية، تكون على مرمى حجر من المدن الروسية، وهذا ما لا تقبله روسيا، أو الولايات المتحدة اذا حصل العكس.

إن العلاقات الدولية قائمة على قانون توازن القوى بين الدول منذ نشأة الدول بعد معاهدة وستلفانيا عام 1864 حسب التقديرات الأوروبية. وبانضمام أوكرانيا الى الحلف، يختل ميزان القوى لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ودول “الناتو”. وكان موقف الزعيم الروسي بوتين واضحاً: إنه لا يقبل انضمام أوكرانيا إلى حلف الشمال الاطلسي “الناتو”، على غرار ما اعترضت عليها الولايات المتحدة في عام 1962, عندما نصبت الاتحاد السوفيتي صواريخها في البحر الكاريبي بالتنسيق مع كوبا. ووقتهاهددت أمريكا وطلبت سحب الصواريخ الروسية او الدخول في حرب عالمية ثالثة. ولكن تم احتواء الأزمة بتسوية ( win-win   ( بين القوتين النوويتين في العالم وربما لاحت في الأفق لأول مرة نذر الحرب العالمية الثالثة 15-28 أكتوبر، ولكن الرئيس جون كنيدي عدّل عن هجومه لتلك الصواريخ بناءً على نصيحة مستشاريه وتم التفاوض سراً، حيث اتفقت أمريكا على سحب صواريخ نووية من تركيا وإيطاليا، مقابل سحب خرتشوف صواريخه النووية من كوبا، وبذلك التوافق اسدل العالم الستار عن المواجهة النووية.

لعل القيادة الأوكرانية، أخطأت التقدير من رد الفعل المتوقع من روسيا، وتفاءلت أكثر بوعود الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو انه ربما لم يتم الغزو، وإن حصل ذلك ستقوم بحمايتها من أي غزو متوقع من روسيا. ولكن بعد الغزو الفعلي على الأرض، لم تقدم الولايات المتحدة الامريكية ولا الدول الاوروبية الدعم المتوقع والمطلوب. وبالتالي فما أدلى به الرئيس الأوكراني فلاديمير ريجنسكي أمس بأنه (اتصل على الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو ووجه إليهم سؤالاً واحداً: هل يمكن ان تقبلوا أوكرانيا عضواً في الناتو؟ قال: لم يجب دولة واحدة بالإيجاب).

اذا كان الامر كذلك فلماذا دفعت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، أوكرانيا إلى حتفها المحتوم. ليس هذا فقط حتى الآن لم تقدم إلى دولة دعماً مباشراً لأوكرانيا غير شقيقاتها الثلاث (بولندا، الشيك وليتوانيا)، والدول الثلاث كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق.

تجنبت الدول الأوروبية حتى التنديد القوي بالغزو، مما جعل الرئيس التركي أردوغان يصرح بأن (إدانات الناتو كانت أقل مما يجب) حسب ما نقل عنه وكالات الأنباء. لهذا الغزو عدة نتائج:

النتيجة الاولى، أعادت الحرب لأوروبا في عقر دارها، والتي يعتقد معظم المحللين السياسيين انها غادرت منذ 1945.

والنتيجة الثانية، إن النظام العالمي الأحادي في طريقها الى الزوال، تجري عملية إعادة تشكيل لنظام عالمي جديد؛ ذو قطبين أو ثلاثة (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفيتي والصين). لقد ظهرت معادلة الصين كقوى عالمية  قادمة وتتقدم الصفوف خاصة كقطب اقتصادي.

النتيجة الثالثة: بعد سقوط “كييف” سوف يتحوّل الوضع إلى حروب اقتصادية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو، خاصة اذا أخرج السوفيت من النظام العالمي المالي “سويفت”. لأنه يصعب تخيل النتائج الاقتصادية بين دول الاتحاد الاوروبي التي  تتبادل مع روسيا بمبلغ يزيد عن 980 مليار دولار سنوياً. لأن العالم لم يستطع الاستغناء عن الغاز والبترول والفحم والقمح الروسي والأكراني. ربما العالم مقبل على ازمة اقتصادية، طاقة وقمح.

والسؤال المهم: هل تقف طموحات  الامبراطور الروسي في أوكرانيا، أو قد تمتد إلى ما بعد أوكرانيا.

لا عاقل يدعو أو يدعم الحرب، ونتمنى أن تنتهي في أقرب وقت ممكن، ولكن الحقيقة ان أوروبا والولايات المتحدة، خلقت كل الظروف الملائمة والمبررات لروسيا، لتغزو أوكرانيا، لأن روسيا لن تقبل أن تتوسّع أوروبا والولايات المتحدة على حدودها، وتهدد أمنها ووجودها.

 

 

   محاضر وباحث في العلاقات الدولية والأمن الإنساني.

26.02.2022

ملحوظه: هذا المقال يعبر فقط عن وجه نظر كاتبه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى