سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع ..

18فبراير2022م 

الموصلي .. في حضرة جلالك يطيب الجلوس!!

(1)

أجد متعة خاصة في الجلوس المطول مع الموسيقار الكبير يوسف الموصلي.. واستمتع جداً بإدارة النقاشات معه.. فهو رجل موسوعي وصاحب فكر تقدمي في الحياة عموماً والموسيقى على وجه الدقة والتحديد.. وألجأ له كثيراً حينما أريد الكتابة عن قضية تتطلّب التخصصية.. فهو عالم بلا شك ويمثل بالنسبة لي مرجعية مهمة.. ومن خلال جلوسي الدائم معه توقّفت عند أمرين وهما محبته العالية وتقديره اللا متناهي للفرعون محمد وردي وللفنان الراحل محمد أحمد عوض.

(2)

وأعتقد بأن محبته لوردي مبررة باعتبار تشابه المدارس الغنائية وقضية التحديث في الغناء والموسيقى وباعتبارهما مجددين.. ولكن الغرابة تكمن في سر محبته لمحمد احمد عوض.. وهي أيضاً محبة مبررة.. ولكن هناك ثمة اختلاف بائن وعريض ما بين استايل يوسف الموصلي الغنائي أو على مستوى التأليف اللحني.. حيث يهتم الموصلي بالمقدمات الموسيقية والبناء اللحني وخطوط الهارموني والمركبات الموسيقية والكاونتر بوينت وغيرها من أشكال الموسيقى المتعارف عليها وكيفية استخدامها.. ومحمد أحمد عوض له نمطه الشعبي الخاص ولونيته المميزة التي برع فيها كمؤسس للغناء الشعبي لفترة ما بعد الحقيبة, ولكن محمد أحمد عوض كسر رتابة اللحني الدائرة لأغنية الحقيبة بإضافات تنويعات على اللحن.. وهو تفكير لحني استفاد منه الموصلي لاحقاً حينما استلهم اللحن الشعبي لأغنية (الجمعة كان معانا) وقام بتطويره في أغنيته الشهيرة (بلدنا نعلي شانا) التي كتب كلماتها الجميل عبد الوهاب هلاوي.

(3)

كانت ميزة محمد احمد عوض دون غيره من فناني النمط الشعبي قدرته على استحدث جملة أساسية بحيث تصبح هي الفكرة المسيطرة على الأغنية وأقرب مثال لذلك أغنية (عشان ألقاك) التي تتسم بالتطوير في النمط السائد في الأغنية الشعبية, كما أنها شعرياً تميّزت بقوة المفردة والقدرة على الخيال الشعري الخلاق عند سيف الدين الدسوقي:

عشان ألقاك ولاقيتك

اريتو لقانا يوم ما كان

تعبت من السفر في الموج

وداير أوصل الشوطان

طلبت قلت تخلصني

مد يدك وجود بحنان

لقيتك انت في فوق البر

أشد غرق من الغرقان

عجيبة حظوظنا في الدنيا

غريبة الدنيا في الاحسان

لكن للأسف يا سنين

كملت ونحنا برضو كمان

(4)

تعاون محمد أحمد عوض مع الشعراء عبد الرحمن الريح وسيف الدين الدسوقي وأحمد باشري وماضي خضر وحسن الزبير وعبد الله السماني وعمر الشيخ وغيرهم. وفي بداية حياته الفنية أهداه عبد الكريم الكابلي أغنية عشمتيني في حبك ليه؟ وهي من كلماته وألحانه وأهداه الكاتب والممثل الفكاهي الفاضل سعيد أغنية أبويا يا يابا ما تقول ليه لا.. وتقريباً كل أغنيات محمد أحمد عوض من ألحانه ما عدا القليل جداً منها, إذ أنّها من ألحان عبد الرحمن الريح والملحن أحمد المبارك.

(5)

بجمالية متناهية يسوقني محمد احمد عوض الى المبدع المتجاوز عبد الرحمن الريح.. فهو أحد شعراء الأغنية السودانية الكبار, بل أن البعض يعتبره الجسر الذي انتقلت به القصيدة الغنائية من عصر الحقيبة الى العصر الحديث. فهو أكثر أبناء جيله تجديداً في أساليب كتابة الأغنية وفوق هذا وذاك فإنه في طليعة الشعراء الملحنين ولعل الوحيد الذي قدم لحناً للفنان الخالد كرومة وتغنى به وذلك عندما لحّن أغنية صديقه وابن جيله محمد بشير عتيق رونق الصبح البديع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى