Site icon صحيفة الصيحة

منى أبوزيد تكتب : دعوني أشك..!

منى أبوزيد

17فبراير2022م

“نحن أحق بالشك من إبراهيم”.. حديث نبوي صحيح، رواه الشيخان..!

الإصرار على اقتصار مناقشة بعض الفتاوى والأحكام على أهل الفقه والاختصاص، هي ـ في تقديري ـ دعوة خطيرة إلى “علمنة الحوار الديني”، أي: قصر التفكر والتدبر في أمور الدين ومقاصد الشريعة على الفقهاء والعلماء، واقتصار دور عامة المسلمين على تناقل آرائهم وفتاواهم.. وفي ذلك تعطيل للتدبر والتفكر الذي نحن به مأمورون..!

حين الحديث عن مناقشة عامة الناس للفتاوى الدينية، يجب التفريق بين “الشك الحميد” الذي ينتج عن إعمال العقل ـ والذي قد يكون أحياناً للمفتي دور في إيقاع السائل فيه، بنقصان في الإبانة أو قصور في التدليل. و”التشكيك” الذي يصدر عن السائل الذي ينكر متن الفتوى..!

وعن هذا الشك الحميد يقول الإمام الغزالي: “من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال”.. فالشك الذي قصده الغزالي ليس الشك بمعنى مساواة كلا الاحتمالين، وليس الشك بمعنى الظن خلاف اليقين، بل هو الشك الذي يأتي بمعنى الجهل أو عدم العلم بالشيء..!

وقد ورد هذا النوع من السؤال الذي يأتي بمعنى (كيف) وليس بمعنى (هل) في القرآن الكريم.. في قصة سيدنا زكريا (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا).. وقصة سيدنا إبراهيم (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي).. وفي حديث صحيح عن أبي هريرة يبين رسولنا الكريم أن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقاً إلى الأنبياء لكان هو أحق به من إبراهيم.. وقد علمنا أنه لم يشك فلنعلم إذاً أن إبراهيم عليه السلام لم يشك..!

إذاً: سيدنا إبراهيم عليه السلام قال: (كيف تحي الموتى) ولم يقل (هل تحي الموتى)؟!.. فجاء السؤال في الآية بمعنى الجهل وليس الظن.. والمسلم الكيس الفطن كذلك.. عندما يناقش الفتاوى الشرعية يقول (كيف) طلباً للإبانة وتحقق الفهم الذي لا بد أن يسبق العمل..!

الفيلسوف الفرنسي (ديكارت) هو القائل: “قبل أن نحكم على المتون، يجب أن نوجه أنظارنا إلى الأسس التي يقوم عليها البناء”.. وهو صاحب “نظرية الشك الذي يستهدف الوصول إلى اليقين” التي لقب لأجلها برائد الشك المنهجي، و(أبي الفلسفة العصرية).. فمن أين أتى بها؟!.. من علماء الإسلام.. باحثون كثر أكدوا تأثر (ديكارت) بالفيلسوف الإسلامي الإمام (الغزالي)، وقالوا إنّ فضل السبق في هذا المنهج يعود للأخير، بعد أن عثروا على ترجمة لكتاب “المنقذ من الضلال” للإمام الغزالي بين محتويات مكتبة ديكارت الخاصة في “باريس”..!

بين سطور الكتاب وجدوا خطاً أحمر تحت عبارة (الغزالي) الشهيرة (الشك أول مراتب اليقين)، وعلى الهامش جملة: (يضاف إلى منهجنا) مكتوبة بخط (ديكارت).. وهكذا أثبتوا أن رائد الشك المنهجي هو الإمام الغزالي، ولو لا شك الغزالي وأسئلته لما كان يقينه الصوفي الراسخ الذي نعرف..!

إذاً هو من قبيل حسن الظن بالله عز وجل، الذي قال في الحديث القدسي: (وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا).. اللهم أرزقنا حسن الظن بك وصدق التوكل عليك..!

 

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

Exit mobile version