منى أبوزيد  تكتب : إن لم تتغيَّر أنت..!

8فبراير2022م

“الإصلاح والتجديد في السودان مثل قشرة مُوز على سطح صقيل، لا نضطر إلى الحديث عنه إلا بعد السقوط”.. الكاتبة..!

(1)

الإصرار على اقتصار مناقشة بعض الفتاوى والأحكام على أهل الفقه والاختصاص يمثل ـ في تقديري ـ دعوة خطيرة إلى “علمنة الحوار الديني”، أي: قصر التفكر والتدبر في أمور الدين ومقاصد الشريعة على الفقهاء والعلماء، واقتصار دُور عامة المسلمين على تناقل آرائهم وفتاواهم. وفي ذلك تعطيل للتدبر والتفكر الذي نحن به مأمورون. حين الحديث عن مُناقشة عامة الناس للفتاوى الدينية، يجب التفريق بين “الشك الحميد” الذي ينتج عن إعمال العقل ـ والذي قد يكون أحياناً للمفتي دور في إيقاع السائل فيه، بنقصان في الإبانة أو قصور في التدليل ـ و”التشكيك” الذي يصدر عن السائل الذي ينكر متن الفتوى. فالشك هنا ليس بمعنى مُساواة كلا الاحتمالين، وهو ليس بمعنى الظن خلاف اليقين، بل هو الشك الذي يأتي بمعنى الجهل أو عدم العلم بالشيء. وهذا من قبيل حُسن الظن بالله عز وجل، الذي قال في الحديث القدسي “وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا”..!

 

(2)

تطبيق الشريعة مفهوم متغير محفوف بإشكالات التفاسير، وثباتها كحكم ملزم مشروط بإجماع أجيال بأكملها على مذهب فقهي بعينه، والإجماع الفقهي على مذهب موحد شبه مستحيل، وعليه فإنّ ما يشرع وينفذ هو الإرادة السياسية للدولة وليس الشريعة الإسلامية. مظاهر ردة بعض المسلمين وظاهرة إلحاد بعض الشباب وجهان آخران لحدَّة التطرف الديني والتدين الشكلاني، ومظاهر التجهيل المتعصب، ودعاوى التكفير الأعمى. ولعل أول وأولى تدابير محاربة مثل هذه الظاهر هي تحرير الخطاب الديني في السودان من سطوة الاستعلاء الفكري والعنف اللفظي والاستعداء غير المبرر. لا بد من رفع شعار “هناك فرق” في وجه الكثير من المسلّمات الدينية الخاطئة..!

(3)

السياسيون يعولون في نجاحهم على مجموعة قرارات تسبقها حزمة افتراضات على طريقة “ماذا لو”، وينتهي تنفيذها بأن تظل الحكومة “في السليم”، على كل حال، ومع أي “لو”. لكن ماذا عن معادلات النجاح في حياة الشعوب، ماذا عنك وعنِّي؟. نحن دافعو الضرائب، ومطفئو الحرائق، والرعاة الرسميون لمدخلات الإنتاج التي تسبق مخرجات أي شجار وطني؟!. ما الذي تغيَّر في السودان بعد انتصار الثورة؟!. كنتَ ولا تزال ديكتاتوراً صغير في المنزل، لأنك موظف مقهور في العمل، ومواطن مطحون في الشارع. مواطن – ملدوغ من جُحْر حكومة سابقة ومفلُوق من حَجَر حكومة لاحقة – مواطن يرى في مخرجات التفاوض وصناديق الاقتراع “حصَّالات” حاصل..!

(4)

تأمّل في مناخات الممارسة السياسية، وطقوس الخدمة المدنية، تفرس في سلوك الإدارات والمؤسسات، ولسوف تخلص قانعاً إلى أن كل مسؤول تبوأ منصباً بفضل ولائه السياسي أو معارضته السياسية – في هذا البلد – هو مشروع طاغية. القليل من السلطة يعني القليل من الفساد، والسلطة المُطلقة تعني الفساد المُطلق. وهو يعني – بالضرورة! – أن تاريخ التغير السياسي  في هذا البلد سوف يبقى سلسلة انتقالات من سواعد الطُغاة إلى أكف المُستبدين، إن لم تتغيّر “أنت”. تغييرك لا يعني أن تهدم جبلاً أو تحفر بئراً. فقط جرِّب أن تفرد مساحة مقدرة لكلمة “لا” في رقعة ردود أفعالك..!

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى