د. أحمد سمي جدو محمد النوريكتب : عبد الله التعايشي.. الخليفة المظلوم

31يناير2022م

من هو الخليفة عبد الله:-

هو عبد الله بن السيد محمد بن علي الكرار بن موسى بن محمد القطب الواوي، وينتمي إلى قبيلة التعايشة فرع الجبارات أم صرة، ولد بقرية أم دافوق، من ضواحي منطقة رهيد البردي بولاية جنوب دارفور في العام 1846م. وقد تعلم قراءة القرآن الكريم وعلوم الحديث والفقه في مسيد أجداده، تحت اشراف جده الأكبر محمد القطب الواوي ، الذي قدم من تونس، التي اشتهرت بالتصوف في ذلك الزمان. خاصة وقد تنبأ والده بظهور المهدي في الشرق، والذي سوف ينهي الوجود التركي في السودان ، ويقيم دولة الإسلام ، ويحكم بالشريعة الإسلامية ، التي سوف ينتشر العمل بها في أجزاء واسعة من السودان.

واستناداً على نبوءة والده تلك،  تحرك باتجاه الشرق باحثاً عن مهدي آخر الزمان الذي سوف يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً بفعل أولئك الأتراك. وفي بداية أمره لازم عبد الله التعايشي الشيخ محمد شريف نور الدائم، وأخذ عنه الطريقة الصوفية حتى ظن أنه المهدي المنتظر . ومن ثم التقى بمحمد أحمد بن عبد الله  في مناسبة بناء قبة لشيخه القرشي ود الزين بالمسلمية. وعند ظهور الدعوة المهدية في العام 1881م ، لازم الخليفة عبد الله المهدي، وقام بدعم موقفه ، فأقر المهدي بأن الخليفة عبد الله هو أول خلفائه الأربع ، لأنه كان أقواهم شخصية ، وأفهمهم لطبيعة الدعوة المهدية على خلفية نبوءة والده بها.

المهدية كحركة دينية وسياسية:-

إن الحركة المهدية كغيرها من حركات الانبعاث الديني، لا تعدو أن تكون مجرد حركة إصلاحية غايتها تنقية العقيدة الإسلامية مما علق بها من شوائب وبدع وخرافات ، غير أنها لم تقتصر على مكان بعينه ، ولم تلتزم بحدود جغرافية محددة ، ولعل ذلك يرجع الى طبيعة الدعوة نفسها. فالمهدية عند الصوفية درجة من درجات الصلاح والولاية، بل وإن المهدية في اعتقادهم تمثل إحدى علامات الساعة . وعلى هذا الأساس فقد طرحت الدعوة المهدية نفسها كدعوة عامة جاءت بهدف إحياء ما اندرس من التعاليم الإسلامية.

وبهذا المفهوم، فإن المهدية تصبح دعوة دينية صرفة لا علاقة لها بالسياسة، وهذا هو المبدأ الذي سَلَكه المهدي في بداية دعوته. إلا أنه ولعوامل عديدة بدأ يرسم طريقاً مزدوجاً لحركته الإصلاحية لتصبح حركة دينية سياسية في آن واحد. ومن تلك العوامل انتصاراته السريعة والمتلاحقة على جيوش الحكومة التركية في الجزيرة أبا في العام 1881م، ومعركة الشلالي 1882م وفي قدير. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الروح المعنوية لأنصار المهدي، والتأثير سلباً في معنويات جيوش الحكومة التركية . بالإضافة إلى انضمام شخصيات ذات وزن قبلي وسياسي إلى معسكرات المهدي ، كالياس أم برير، وما دبو علي شيخ الرزيقات، ومحمد خالد زقل بالأبيض في العام 1883م. فكان ذلك كسباً لا يُدانيه كسبٌ. لأنهم كانوا أدرى الناس بمقدرات الحكم التركي وأماكن ضعفه ومواطن قوته.

كيف أصبح عبد الله التعايشي خليفةً للمهدي:-

المعلوم أن المهدي قبل وفاته كان قد سمى أصحابه أنصاراً، لأنه كان يترسم خطى الرسول صلى الله عليه وسلم في إدارة الدولة الإسلامية، فقام بتعيين أربعة خلفاء شبّههم بالخلفاء الراشدين وهم:-

1/ الخليفة الأول هو عبد الله بن السيد محمد الملقب بتور شين، وهو بمنزلة أبو بكر الصديق من المهدي.

2/ الخليفة الثاني هو علي ود حلو زعيم قبائل دغيم.

3/ الخليفة الثالث هو السنوسي في ليبيا، لكنه رفض هذا المنصب ولم يعين المهدي مكانه أحداً، بل تركه شاغراً.

4/ الخليفة الرابع وكان بمنزلة علي كرم الله وجهه، وقد اختص المهدي بهذا المنصب محمد شريف أحد أقاربه من الشباب.

ولما كانت للخليفة عبد الله حظوة عند المهدي ، لأنه ترك أثراً ظاهراً وكبيراً في الحركة المهدية خلال حياة المهدي وبعد وفاته . تخوف بعض الأشراف من أقرباء المهدي من تلك الحظوة التي وجدها الخليفة عبد الله عند المهدي ، فتوجه نفر منهم إلى المهدي واشتكوا له، وطلبوا منه إعفاءه من الخلافة، فجاء رد المهدي محبطاً نزل عليهم كالصاعقة، لأن المهدي أراد رد الاعتبار للخليفة عبد الله وإنصافه أمام أولئك النفر . فأمرهم بطاعته والتأدب معه من خلال منشور أذيع ونشر على الكافة في أم درمان ، بل وأُرسلت نسخ منه إلى جميع أنحاء الدولة المهدية، بتاريخ 26/ 1/ 1885م. جاء فيه “اعلموا أيها الأحباب، أن الخليفة عبد الله خليفة الصديق المقلد بقلائد الصدق والتصديق، فهو خليفة الخلفاء، وأمير جيوش المهدية المُشار إليه في الحضرة النبوية. فذاك عبد الله بن محمد حمد الله عاقبته في الدارين، فحيث علمتم أن الخليفة عبد الله هو مني وأنا منه. وقد أشار سيد الوجود بذلك، فتأدبوا معه كتأدبكم معي ، وسلموا إليه ظاهراً وباطناً ، كتسليمكم لي ، وصدقوه في قوله ولا تتهموه في فعله ، فجميع ما يفعله بأمر من النبي أو بإذن منا ، فحيث فهمتم ذلك ، فالتكلم في حقه يورث الوبال والخذلان وسلب الإيمان ، واعلموا أن جميع أفعاله وأحكامه محمولة على الصواب لأنه أوتي الحكمة وفصل الخطاب”. وبموجب هذا المنشور أصبح الخليفة عبد الله الرجل الأول في الدولة المهدية بعد وفاة المهدي في 22 يونيو 1885م، وخليفته من بعده، وإن مبايعته وطاعته واجبة، على كل فرد خاضع للدولة المهدية في طول البلاد وعرضها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى