تجاوزت السِّت .. تعدُّد المُبادرات.. أيُّهما أقرب للشارع؟! 

 

 تقرير: مريم أبشر        27يناير2022م

يعيش السودان في الفترة الراهنة، اوضاعاً سياسية بالغة التعقيد وغير مسبوقة طيلة تاريخه السياسي، منذ نيله الاستقلال قبل اكثر من ستين عاماً. الأوضاع الاستثنائية الراهنة خلفتها التداعيات السياسية والامنية التي اعقبت اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر من العام الماضي، هذه الإجراءات   اعتبرها الشارع السوداني وقواه السياسية الحية انقلاباً عسكرياً كامل الدسم على الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي، فيما عدّها القائد العام للجيش والمجلس العسكري الانتقالي، اجراءات ضرورية لتقويم المسار الانتقالي وصولاً للانتخابات وتسليم السلطة للمدنيين عبرها.

الاجواء السياسية المضطربة، صاحبتها ظروف اقتصادية قاسية يُواجهها الشعب السوداني نتجت عن تعطُّل كثيرٍ من نشاطات دولاب العمل بالدولة،  وفاقم من حجمها ارتداد المُجتمع الدولي بشكل سريع عن تعهُّداته، بتجميده لكافة المساعدات والتسهيلات واغلاقه لأبواب التعاون مع الحكومة الحالية   كردة فعل مباشرة للنكوص عن المسار الديمقراطي الذي يلبي تطلعات الشعب للحكم المدني.

وتمثل ذلك في تجميد المساعدات المالية واحجام المستثمرين عن ضخ أموالهم للسودان وإيقاف كافة المشروعات التي طُرحت ولم تسعف في تغيير التوجه الدولي والإقليمي الرافض لخطوة الجيش عودة الدكتور عبد الله حمدوك للمشهد مرة اخرى بعد توقيعه للاعلان السياسي مع البرهان، قبل تقديمه للاستقالة، في تغيير الموقف الدولي، لجهة ان المجتمع الدولي ربط مسار استئناف التعاون بالعودة للمسار المدني الديمقراطي وتسليم السلطة كاملة للمدنيين.

 تَسابقٌ مَحمومٌ

فى ظل هذه الظروف ومع ازدياد و تيرة قتامة المشهد السياسي، و مع تسيد القوى الشبابية الثورية للمشهد بتحريكها للشارع ورفعها للسقوف المطلبية التي تتزايد  وتيرتها كلما أريقت دماء وارتقت  ارواح من  شباب الثورة ، تزاحمت على الساحة السياسية جملةً من المبادرات والتحركات الإقليمية والدولية ومشفوعة بأخرى وطنية وحزبية وأكاديمية وغيرها من المساعي المتحركة لوقف انزلاق البلاد في متاهات حرب اهلية أو قبلية ستكون آثارها كارثية ليس  على  الوطن ونسيجه الاجتماعي  المتنوع فحسب، بل على  الأمن الإقليمي الهش ، مع الاخذ في الاعتبار الوضع الجيوسياسي للسودان وتأثير  التدخلات القبلية مع محيط جواره المضطرب.

مُبادراتٌ

في غضون ذلك، ظهرت جملة من المبادرات دولية وإقليمية ووطنية تتسابق   من اجل إيجاد مخرج آمن للأزمة، ولعل أبرز وأهم هذه المبادرات مبادرة رئيس البعثة الأممية لدعم المسار الديمقراطي في البلاد فولكر بيرتس ومبادرة أساتذة جامعة الخرطوم وغيرها من المبادرات الحزبية والشخصية.

 خارطة طريق

وفي الوقت الذي يجري فيه فولكر، تحركاته ومشاوراته مع الأطراف المحلية والدولية والاقليمية لتحقيق خطوة  للأمام،  ومع السلحفائية التي تتّسم بها تلك التحركات، يبدو ان بعض القوى السياسية حسمت أمرها وقرّرت اتخاذ خطوة عملية، حيث أعلنت بعض القوى السياسية أنها بصدد وضع خارطة طريق موحدة لتشكيل هياكل الحكم المدني.

وبحسب مراقبين، فإن ما اقدمت عليه وفق معلومات تحصّلت عليها (الصيحة) يتضمن خطوات عملية هي حصيلة إجماع مشاركين من أربع مبادرات مستقلة مطروحة في الساحة السودانية، هي مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، ومبادرة أوقد، ومبادرة البديل الديمقراطي، وخارطة الطريق الثوري  المبادرة المقدمة للجان المقاومة وقوى الثورة، وحسب القوى السياسية فان  خطوة وضع الخارطة المبنية على أسس المبادرة الوطنية، جاءت ايماناً منها بأهمية وحدة القوى المدنية الرافضة لانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م وبوجوب توفير الأدوات التي تهيئ المناخ لهذه الوحدة، حيث تشكّلت بناءً على ذلك  جهود لتوحيد الرؤى والمبادرات المطروحة في الساحة السودانية للخروج من الأزمة. وإنه واعتباراً لحساسية الوقت والتوقيت، فقد عملت القوى السياسية   على جمع عدد من المبادرات المطروحة من قِبل مهنيين مستقلين وتجمعات مهنية، وإضافة الأطراف الأساسية الأخرى للعملية السياسية المتمثلة في لجان المقاومة والقوى السياسية.

ويرى مراقبون ان المبادرات المطروحة للخارطة تُشكِّل جميعها رؤى متقاربة إلى حدٍّ ما لتشكيل هياكل الحكم المدني بغية خلق الآليات الضرورية القادرة على استلام مقاليد الحكم وتشكيل حكومة انتقالية بأسرع وقت، مُستفيدة في ذات الوقت من أوجه القصور الذي اعترى أداء هياكل الفترة الانتقالية.

واعتبرت القوى السياسية تجميع الرؤى التي شملتها المبادرات بمثابة خارطة أولية لتمثل وعاءً جامعًا يمكن أن تتضافر الجهود من خلاله لخلق توافق شبه كامل لقوى الثورة بعد أن يتم توحيدها تحت مظلة ذات هدف مشترك من خلال إعلان دستوري مفصل ومتفق عليه، ويرون  أنّ  الخارطة الموحدة  ستكون  مطروحة كخارطة أولية للنقاش والتعديل من قِبل لجان المقاومة وقوى الثورة الأخرى بهدف الوصول لصيغ نهائية حول تصوُّر أجهزة الحكم الانتقالي.

الأهداف

القوى السياسية وحسبما أشار مراقبون لـ(الصيحة)، فقد وضعت

أهدافاً محددة تتضمنها الخارطة المرتقبة تتمثل في حكم مدني كامل بدون شراكة مع المؤسسات العسكرية يتضمّن سلطة انتقالية تتكون من برلمان ومجلس وزراء، دون أن يكون هنالك مجلس سيادة لتفادي التغول على السلطات التنفيذية والتشريعية، وان يصاحب ذلك الشروع في تكوين البرلمان.

الأقرب

خبراء أكاديميون وسياسيون يعتبرون أن كثرة المبادرات وتناسلها من شأنه تشتيت المجهودات والتركيز من أجل الحصول على نتائج مرضية.

يرى الدكتور صلاح الدومة أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية،  أن المبادرة الناجحة في رأيه هي التي تكون الأقرب للطرف الأقوى في المُعادلة السياسية، وفي رأيه أيضاً أنّ الطرف الأقوى الذي يتسيّد المشهد السوداني هو الشارع السوداني، وبالتالي فالمُبادرة التي تجد قبولاً لدى الشارع تُعد هي الأفضل والأقرب.

ولفت الدومة في حديثه لـ(الصيحة) الى ان كل المبادرات المطروحة متشابهة في  طرحها وتختلف فقط في  كيفية إزاحة المكون العسكري الحالي وليس العسكريين،    وقال إن بعض المبادرات ترى ان التعاون مع المكون العسكرى لا يعني بقاء العسكريين، ويرى أن بقاءهم يمكن أن يكون مشروطاً مثلاً بذهاب المكون القديم وبروز مكون جديد مهمته حماية الحكومة وأن تكون المفاوضات مع العسكر (إن تمت) في إطار عملية التسليم والتسلم، ويخلص الدومة إلى أنه لا بد من أن يكون هنالك تعاونٌ مع المكون العسكري، لكنه يجب أن يكون مشروطاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى