بستان الحلنقي

 

(1)

استغرب كثيراً أن أرى اللؤلؤة على جيد غانية، أن أرى اللص يتحدث عن فضيلة الأمانة، أن أرى الزهرة تموت عطشاً والبستاني ينام عند أطراف الحديقة، استغرب أن أرى الجميلة وقد تنازلت عن عرش جمالها لمن لا يستحق أن يكون لها خادماً تحت أقدامها، استغرب كثيراً لهذه المُفارقات التي تمتلئ بها الحياة فلا أجد جواباً غير صمتٍ يمتد إلى من يرى سكين قاتله فيهرع مُشتاقاً إلى تقبيلها.

(2)

*أن تبني داراً للعجزة والمسنين، فإنك لن تنل على ذلك كلمة شُكر واحدة، ولكن أن تبني مدرسة لظلم الطيبين، فإنّك ستجد من الظالمين تاجاً من التقدير ترى ما الذي حدث في هذه الدنيا التي أصبحت تمنح سيادة المحبة لمن هو أصغر من أن يقودها إلى كلمة طيبة ثم تتنازل عن عرشها الموشى بالحِنِيّة إلى من يحمل بين رئتيه حجراً وليس قلباً.

(3)

* أغنية حمام الوادي أغنية ذات وقع خاص وتحتشد بالدموع وحلم الرجوع لأرض تحمل ذرات ترابها الذكريات ومراتع الصبا وحكايات الحُب الأول.. ولأن ما بين سطورها تسكن الكثير من التفاصيل الأنيقة وتنام على مسح أصابعها تنهدات الألم والترحال ومرارة الغربة.. ومن يعيشون بعيداً عن جغرافيا الوطن وحدهم يعلمون مدى تأثيرها وقدرتها للدعوة للبكاء.

(4)

*أطلقت مؤسسة سويدية، حملة بلغت تكلفتها حوالي 137000 ألف دولار بهدف نشر المحبة والسلام بين المواطنين تحت عنوان (قل مرحباً) ، يبدو أن هذه المؤسسة قد اكتشفت أن الابتسامة برغم رقتها هي الأقدر على تحويل حدة الصخر إلى زهرة بيضاء، ترى ماذا لو تعاملنا بهذه الابتسامة الطفلة الوسيمة، أعتقد حينها أنّ دخان البنادق المعبأة بالغدر لن يتردد في أن يكون عطراً لعروس في ليلتها الأولى.

(5)

لا أعلم شيئاً عن اليد الخفية التي أسدلت ستائر من النسيان على المثلث الذهبى للبلابل وذلك بحرماننا من إطلالتهم البهية من خلال شاشة التلفزيون السوداني، ولكن الذي أعلمه أن شمس الأغاني الملكية الألوان قد أعلنت عن غروبها بعد صمت البلابل، ترى ماهي الجريمة التي ارتكبها الشعب السوداني الأصيل حتى يحكم عليه بالحرمان من أغاريد البلابل من الأغنية اللؤلؤة والنغمة المتوجة والحضور البهيج، تُرى من أمر الشمعة أن تدفن والوردة أن تُقبر والأغنية المحرضة على ارتياد السماء الجمالي أن توضع في الحبس الجبري، وأن تتم محاكمتها سراً دون أن يكون هناك قاضٍ أو شهود.

(7)

تعرضت زوجته إلى حريق أدى إلى تشويه ملامحها مما جعلها تغلق على نفسها أبواب غرفتها لا تريد أن ترى أحداً ولو كان زوجها، ذات يوم ادعى أمامها أنه تعرض إلى إصابة جعلت منه كفيفاً فأخذت تتحرّك أمامه في المنزل على طبيعتها دون أن تعلم أنه يرى وأن مجرد ادعائه بالعمى ما هي إلا رواية صنعها لكي لا تمشي أمامه بوجه غير وجهها، بعدها بأشهر ارتحلت زوجته، فلاحظ المشيعون أنه لم يكن يمسك بيده عصا يتحسّس بها طريقه كما كان يفعل في الماضي وأن المسألة كلها رواية كان يخدع بها زوجته لتعيش على طبيعتها أمام عينيه، هكذا الحب أعمى ولكنه يرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى