الخبز.. ُسحب الدعم بليل

 

الخرطوم: رشا التوم     14يناير2022م 

ما زالت مشكلة توفير سلعتي الدقيق والقمح تُؤرِّق مضاجع الحكومة منذ زمن ليس بالقصير، وأصبحت عصية على الحل، وبالرغم من محاولات الإصلاح لهذا الملف وطي فاتورة استيراد القمح التي تصل سنوياً الى ملياري دولار، الا ان البلاد لم تتمكن من تحقيق الاستقرار في ملف الدقيق، ومؤخراً اتجهت الحكومة الى سحب حصص الدقيق المدعوم من المخابز دون أي اشعار مسبق. ولم تتبرع اي جهة حكومية بإعلان القرار للمواطن الذي تفاجأ بأنه أمام خيار واحد فقط وهو الرضوخ للأمر والقبول به على مضضٍ، رغم ارتفاع سعر الرغيفة من ٥ جنيهات الى ٣٥ جنيها وربما تزيد بحسب الولاية والبُعد عن العاصمة!!

وأفصح مصدر بوزارة المالية، عن التزام الوزارة التام بدعم السلع الاستراتيجية واستمرارية استيراد القمح من الخارج والشراء من المطاحن الوطنية، وجزم بأن وزارة المالية لا تستطيع التباطؤ في المسألة ومعيشة المواطن أولوية، منوهاً ان الأوضاع السياسية كانت لها انعكاساتها الواضحة على الوضع الاقتصادي، وشدد على أن وزارة المالية مازالت تجتهد لتسيير الأوضاع وتوفير السلع الضرورية، مبينا أن البلاد تواجه أوضاعاً شائكة وافرازات سياسية صعبة ، ورغم ذلك المالية ملتزمة بدعم الدقيق. وأقرّ بأنّ الدقيق المدعوم الذي تم استيراده غير مُطابق للمواصفات وحال تم الاستمرار فيه كان سيخلف نتائج كارثية وصحية على المواطن، وأوضح أن حصص الدقيق التي تسلمتها المالية من أمريكا هي آخر الحصص المدعومة، ولفت الى صعوبات تواجه المواطن في شراء الخبز التجاري وغلاء سعره نسبةً للأوضاع المالية الحرجة والضغوط الاقتصادية، وتابع: نعلم ان كثيرين لن يستطيعوا شراء الخبز التجاري ويؤلمنا ذلك ولكن لا خيار أمامنا، ودعا الى اتخاذ خطوات جادة وحلول فورية فيما يتعلق بمعيشة المواطن، وأعرب عن أسفه لانعدام السياسات المنصفة لدعم الحركة الاقتصادية، وأضاف مازال السياسيون يتشاكسون، متناسين الوضع الاقتصادي المتردي تحت أرجلهم والشعب السوداني ليس في الخرطوم فقط، وطالب بمراجعة وإلغاء الاتفاقيات التجارية التي أضرت بالاقتصاد الوطني وإعادة النظر في السياسات الكلية الخاطئة لتصحيح المسار.

ومن ناحيته، أكد عضو تجمع أصحاب المخابز بولاية الخرطوم عصام عكاشة، ان قرار رفع الدعم عن الدقيق أقرته الحكومة منذ أبريل الماضي ووقّع عليه رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك وتم إرجاء الإعلان عنه آنذاك لحدوث زيادات في المشتقات البترولية من الجازولين والبنزين، وقيام تظاهرات مناوئة للزيادة في الشارع العام.

وقال عصام في حديثه لـ”الصيحة” ان المخابز توقفت عن تلقي الحصص من الدقيق المدعوم منذ منتصف ديسمبر الماضي، مؤكدا انه كان على علم بالقرار، وأضاف أن الدولة لا تستطيع سداد أموال الدقيق، وسياسة رفع الدعم أُقرت في العهد البائد نتيجة الانهيار الاقتصادي والظروف الحرجة التي مرت بها البلاد، مبينا أن الدعم يفوق إيرادات الدولة ويصل ٦٠ مليون دولار في اليوم، ودعا المواطنين اللجوء إلى البدائل، وزاد قائلاً لبناء دولة حقيقية لا بد من رفع الدعم، منوهاً ان عددا من الدول انتهجت سياسة رفع الدعم منها مصر، ووصف الدعم بأنه خصم على المواطن، وأضاف: الى متى تستمر الدولة في دعم السلع.. وهو وضع معقد وغير سليم، مطالباً للاتجاه نحو الإنتاج وتوظيف الموارد من الذهب لتحقيق الاستقرار للمواطن، وقال ان سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين نصت على خروج الحكومة من النشاط التجاري بصورة نهائية  للسيطرة على الأوضاع الاقتصادية، وأقرّ بأنّ قرار رفع الدعم عن الدقيق له آثاره على المواطن.

وفي السياق نفسه، أكد صاحب مخبز المهندس ببحري، فاروق يوسف الخضر، عدم إعلان أصحاب المخابز بسحب حصص الدقيق المدعوم من اي جهة رسمية، وأوضح بأن الحصص توقفت بصورة مفاجئة دون إشعار، وعزا السبب للأوضاع العامة التي تواجهها البلاد، مما دعا أصحاب المخابز التوجُّه لاستخدام الدقيق التجاري بواقع ١٧.٣٠٠ جنيه للجوال الواحد وتتفاوت اسعاره بحسب الشركات، بالإضافة إلى ارتفاع سعر تانكر الغاز الى ١٥ ألف جنيه، وبلغ سعر جركانة الزيت ما بين ١٦ – ١٨ ألف جنيه، وكرتونة الخميرة  ١٦ ألف جنيه، منوهاً الى زيادة كبيرة في اجور العمالة بنسبة ٢٠٠%، وشكا من استمرار شُح غاز المخابز وقطوعات الكهرباء لساعات طويلة بجانب التظاهرات وإغلاق الشوارع، مما يجبرهم على التوقف عن العمل لأكثر من مرة خلال الأسبوع وعلى اثر ذلك يتكبدون خسائر مالية كبيرة.

ومن جانبه، قال صاحب مخبز شمال بحري لـ(الصيحة): ظللنا نطالب الجهات التنفيذية بتوفيق الأوضاع ودعم مدخلات الإنتاج على رأسها الغاز والجازولين، ولكن ما حدث فعلياً ارتفعت اسعار مدخلات إنتاج الخبز بصورة خيالية، خاصة التي لها علاقة مباشرة بالسوق الموازي، ونوه الى الزيادات الكبيرة في الخميرة والزيت والملح والعمالة  كان لها أثر مباشر في زيادة سعر الرغيفة من ٥ جنيهات الى ٣٥ جنيهاً، بجانب الالتزامات الأخرى المترتبة على أصحاب المخابز، منها الإيجارات والتي ترفع من قبل أصحاب المحلات بصورة شهرية ومعدات العمل التي يشتريها أصحاب المخابز من السوق الحر، وقال وصلنا مرحلة اذا حدث عطلٌ لا نستطيع إصلاحه نتيجة ارتفاع أسعار الاسبيرات، وأكد أن اللجوء إلى استخدام الخبز التجاري انهى ظاهرة الصفوف وتكدس المواطنين بالمخابز، مبينا توفر الخبز بكميات كبيرة تكفي الحوجة، ودعا الحكومة لدعم مدخلات انتاج الخبز لتحقيق الاستقرار في السلعة.

وفي المقابل، ارتفعت شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار الخبز الى مستوى قياسي غير مسبوق، وأعرب عدد منهم عن استياء بالغ من الحكومة وسياساتها المتعلقة بالدقيق والخبز، وأكّدوا مُعاناتهم للحصول على حصتهم من الرغيف التجاري لغلاء ثمنه وبما يفوق إمكانياتهم المالية.

وقال المواطن محمد جعفر إنه تراجع عن شراء الخبز التجاري لعدم مقدرته المالية على الشراء لأسرته التي تتكون من ٧ أفراد واتجه الى البدائل مثل الكسرة والقراصة لسد الحوجة، ووصف شراء الخبز بأنه رفاهية، وقال: أصبحنا نُعاني من أزمة ضمير  فالحكومة والمسؤولون منشغلون بقضايا أخرى بعيداً عن معاش الناس!!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى