صلاح  الدين عووضة يكتب : بيري!!

22ديسمبر2021م

وهذه قصة..

قصة قصيرة… ميني قصة..

ونحن صغار أتى بنا الوالد – عليه الرحمة – إلى الخرطوم لنمكث بها حينا..

فقد كان في مأمورية رسمية..

وكان المنزل حكومياً؛ ويحرسه خفير لديه كلبٌ اسمه بيري… به (روشة)..

كان (أروش) على نحو ملحوظ..

مثل (روشة) لاعبي منتخبنا الوطني الذي فضحنا في بطولة العرب بقطر..

روشة المدافعين منهم… والمهاجمين… وحارس المرمى..

وحين يتم إرسالي إلى متجر اليماني القريب كان يتبعني؛ ذهاباً وإياباً..

ثم لاحظت شيئاً عجيباً ذات مرة..

وهو أنني عندما أبعد عن محيط الدكان – ولو قليلاً – يكف عن متابعتي..

كان يتوجس خيفةً… ويهز ذيله… ويقفل راجعاً..

 

فحتى الكلاب تعرف متى تتوقف عن المتابعة – أو التبعية – العمياء..

ولو كانت روشاء..

مثل بيري!!.

وبعد…………………

هذه خاطرة كتبتها على صفحتي بالفيس بوك قبل أسابيع مضت..

ونستدعيها اليوم – أيضاً – من غياهب الذاكرة..

 

فالكلب بيري صار قصةً نضرب بها الأمثال؛ حتى بيري الكلب..

والقرءان به عديد الأمثال..

فرب العزة يضرب للناس مثلاً تلو آخر لعلهم يعقلون… ويتفكرون… ويتدبرون..

والناس هم الناس؛ في كل مكان وزمان..

لم يغادر منهم – إلا قليلا – متردم الإثم… فالعزة بالإثم… فالمحاجة بالإثم..

وداخل كل منهم إرث (ما أريكم إلا ما أرى)..

 

وما أبرئ نفسي؛ ولكني لا أسمح لنفسي هذه بأن تنقاد كما القطيع..

لا أسمح لها بأن تكتب ما يطلبه المستمعون..

أو – في حالتنا هذه – القارئون؛ فمن هو منقاد كما القطيع يريد أن يقودك..

يريدك أن تكتب له ما يعجبه..

أو ما يعجب الجهة التي أعجبه كلامها فيريد منك أن تعجب به أنت كذلك..

وأن تصير فرداً في – ومن – القطيع؛ بلا رأس..

 

أن تلغي رأسك – وعقلك – وتصيح معهم هاتفاً (شكراً حمدوك)..

فهم يحبونه… وعليك أن تحبه مثلهم؛ بلا تفكير..

فإن كرهوه فيجب عليك أن تمقته… أن تغير اتجاهك… أن تهتف (يسقط حمدوك)..

فإن لم تفعل فأنت فلول… أنت كوز… أنت عاشق للعسكر..

علماً بأن مفردة (يجب) هذه – كما ذكرت كثيراً – من مكروهات الفلسفة..

الفلسفة نفسها تكرهها ككرههم حمدوك الآن..

 

فقلمك (يجب) أن يُسخر لما يطلبه المستمعون… القارئون… المنقادون..

وهذه أغرب حقبة في تاريخ بلادنا..

غرابة الذين اقتحموا القصر قبل أيام ثم حار بهم الدليل… فاحتاروا..

حار رعاتهم… سائقوهم… موجهوهم..

فكان نصيبهم الحيرة؛ ثم ماذا بعد؟… فهذا درسٌ لم يكن في مقرر تظاهرتهم..

أو لم يكن مضمناً في دليل مسيرتهم قبل أيام..

 

فكان ختامها – المسيرة هذه – ارتجالاً تمثل في أضحوكة تسليم السلطة..

تسليمها لمن؟… وبأمارة ماذا؟..

هل للبعثي؟… هل للشيوعي؟… هل للجمهوري؟… هل للمؤتمر السوداني؟..

بمعنى تسليمها لما سُمي (4 طويلة) مرة أخرى؟..

بعد كل الذي فعلوه في بلادنا – وشعبها – من فشلٍ غير مسبوق؟..

بعد كل فضائح التهافت على شهوات السلطة؟..

 

بعد أن سقطت عنهم حتى ورقة التوت فوقفوا عراةً أمام مرآة التاريخ؟..

أم تسلميها لتجمع المهنيين؟..

فهذا التجمع – بالذات – أمره أشد غرابة من أمر الفاشلين هؤلاء..

وأكثر إضحاكاً من ختام مسيرة القصر تلك..

فهم يطالبون الجيش بتسليمهم السلطة ثم العودة إلى ثكناته فوراً..

طيب دعونا نحاول تخيل المشهد..

 

فممثلون للجيش يقفون على شرفات القصر المطلة على المتظاهرين..

ثم يصيحون: أين تجمع المهنيين؟..

فيهُرع إليهم نفرٌ من رموز التجمع هؤلاء… ويقولون: هنا نحن أولاء..

ونشطح أكثر مع الخيالات… لنضحك أكثر..

ونفترض أن الجيش لم يسألهم عما يُثبت أنهم ممثلون للتجمع فعلاً..

فقط صدقهم من منطلق المؤمن صديق..

 

ثم قال لهم: خلاص مبارك عليكم؛ تعالوا استلموها ونحن (ودعناكم الله)..

هل يمكنك تخيل مشهدٍ كهذا حتى على مسرح العبث؟..

وبعيداً عن الخيالات… والضحكات… والعبثيات… نبذل نصيحة للثوار..

ننصحهم كيلا يظلون قطيعا..

أنتم لستم بحاجة إلى أن تتبعوا الفاشلين… والساقطين… وسارقي الثورات..

ولا أمثال مريم (طيارة)..

 

أنشئوا حزبكم الخاص وسموه حزب الثورة… أو الحزب الثوري..

وانتخبوا من بينكم قيادة مرحلية له..

ولا بأس من الاستعانة بذوي تجارب من المستقلين… ولو كانوا كبار السن..

واستعدوا لانتخابات أضحت على الأبواب..

ولحد هنا كفاية تتبعاً لمن يقودونكم كما القطيع؛ دون هدى ولا كتابٍ منير..

فحتى الكلاب تدرك متى تكف عن التبعية العمياء..

مثل بيري!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى