ثلاث سنوات على الثورة.. اقتصاد السودان ينتظر التعافي والانطلاق

الخرطوم: جمعة عبد الله

تدخل البلاد عامها الثالث بعد نجاح الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام السابق، وهي الثورة التي شكّلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سبباً أساسياً في قيامها ونجاحها، والآن بعد ثلاث سنوات من التغيير لا تزال الكثير من الملفات لم تراوح مكانها، ولم تتغيّر الأوضاع كثيراً.

وخلال السنوات التي أعقبت نجاح ثورة ديسمبر 2018م واجهت البلاد أزمات اقتصادية، تمثلت أبرز انعكاساتها في تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم وارتفاع الأسعار الذي شمل كل السلع دون استثناء بنسب تتباين بين “150 – 300%”، مع أزمة سيولة سبّبت ركوداً بائناً في النشاط التجاري، مما أدى لإرغام المواطنين على حصر احتياجاتهم في خيارات أقل تشمل السلع الأساسية أولاً.

خطل السياسات

وأدت سياسات حكومية طُبِّقت منذ العام الماضي لإحداث اختلالات مؤثرة على أسعار الصرف منها اتجاه الحكومة لتحرير الجنيه ومساواة السعر الرسمي بالسعر الموازي، بعكس ما كان يحدث قبل ذلك, حيث كانت تجارة الدولار وتسعيره في السوق الموازي يتم بشكل مقارب للسوق الرسمي للحكومة ممثلة في بنك السودان المركزي، وكان الفارق بين السعرين لا يتجاوز بضع جنيهات، ولكن مع استمرار وتفاقم مشكلات الوضع الاقتصادي, بات من الصعوبة الحصول على تلك العملة عبر المنافذ الرسمية للحكومة، التي عانت بدورها من ندرة في العملات الأجنبية التي يتصدرها الدولار مع عجز بائن في الميزان التجاري، جعل مهمة المعالجة أكثر تعقيداً.

وطوال ثلاثين عاماً أقعد الفساد والمحسوبية وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة بالاقتصاد السوداني، وتسببت سياسات خاطئة طبقها مسؤولون عن إدارة الاقتصاد في إلحاق تشوهات هيكلية قد يستغرق التخلُّص منها سنوات مع تنفيذ برنامج إصلاحي صارم يتضمّن الحرب على الفساد والمفسدين وأصحاب الكارتيلات المالية واسترداد الاموال والأصول التي تحصل عليها البعض بطرق ملتوية.

إصلاحات الثورة

ورغم بدء الحكومة خلال فترة العامين الماضيين مشروعاً إصلاحياً, إلا ان نتيجته لم تظهر كلياً بعد، وما زاد من تعقيد المشهد هي التغييرات الجوهرية التي شملت مجلس الوزراء، ولكن تحديد مدى تحسن اقتصاد البلاد من عدمه عقب هذه التغيرات يبدو رهيناً لمعطيات عديدة بعضها لم يحن أوانه بعد، مثل إعلان التشكيل الحكومي الجديد وتحديد السياسات التي سيتم انتهاجها في إدارة البلاد والاقتصاد، وتنتظر الحكومة التي لم يعلن عن ميعاد تشكيلها، تحديات ثقيلة أبرزها ترتيب البيت الداخلي وتهيئة البيئة الاقتصادية وضمان توفير السلع الاستهلاكية للمواطنين، كتدابير أولية عاجلة قبل البدء في خطط الإصلاح الاقتصادي.

تعاني البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة من صعوبات اقتصادية كبلت قدرة الحكومة على معالجتها، ولا تنحصر الازمات في جانب معين، فمن سعر الصرف المتهاوي يوماً بعد آخر، إلى غلاء الأسعار ونقص الوقود، ودقيق الخبز، وتذبذب الإمداد الكهربائي، وإشكالات لا تنتهي.

وَضعٌ مُقلقٌ

وحذّرت خبيرة الاقتصاد، د. إيناس إبراهيم من خطورة تجاهل الوضع الاقتصادي الحالي، وقالت لـ”الصيحة” إن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية تشكل أرضية لإصلاح الوضع المعيشي للمواطن وتجنب انفلات الأوضاع في حال استمرار الأزمة هكذا دون حلول جذرية، وقالت ان البيئة الاقتصادية الحالية لا تساعد على تحقيق أدنى طموحات المواطنين، ودعت لأن تشمل الإصلاحات المقترحة، التركيز على المشروعات الإنتاجية خاصة الزراعة وما يتصل بها من الصناعات التحويلية ورفع حجم الصادرات وتذليل العقبات الحكومية أمام المنتجين والتي قالت إنها تتمثل في تعدد الرسوم والجبايات لحد أخرج الكثيرين من دائرة الإنتاج لصعوبة العمل في ظل أوضاع غير محفزة للإنتاج وكثيراً ما يتكبّدون الخسائر.

وتري د. إيناس أن سياسات التحرير الاقتصادي هي السبب في كل ما يعانيه السوق من انفلات طوال السنوات الماضية، وقدمت مقترحاً للحكومة بإلغاء سياسة التحرير كليًا حال كانت جادة في معالجات المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوداني منذ عقدين، وقالت إن إلغاءها هو “أول خطوة في بداية طريق الحل الاقتصادي الشامل”.

وقالت إن مشكلة الاقتصاد السوداني نشأت بموجب إجراء تم بناءً على سياسة التحرير وهو “الخصخصة”، لافتةً إلى أن ذلك أدى لإفقاد الحكومة مؤسسات منتجة وحيوية كانت مهمتها ضمان حصول المواطنين على السلع بطريقة ميسرة, كما ادت الى إلغاء الجمعيات التعاونية, وانتقدت حل التعاونيات التي كانت توفر السلع للمستهلكين في الأحياء ومواقع العمل بأسعار زهيدة، وتمكين فئات قليلة من التجار من السيطرة والتحكم في الأسعار.

إمكانية التعافي الاقتصادي

بدوره يرى المحلل الاقتصادي، د. عبد الله الرمادي، أن تحقيق نهضة اقتصادية عقب التغيير مهمة ليست بالعسيرة، وقال انها تحتاج فقط لقرارات صحيحة وصادرة عن مختصين، مشيراً إلى أن السودان لديه من الإمكانيات “ما يكفي لقارة كاملة”، شريطة استغلال هذه الإمكانيات بشكل أمثل.

وقال الرمادي لـ”الصيحة” إن كل المشكلات التي عانى منها الاقتصاد السوداني طوال التفرة ناتجة عن قرارات خاطئة، موضحاً أن الترهل الحكومي طوال الفترة الماضية كان يستنزف الخزينة العامة للدولة بشكل لا يمكن تخيله، وقال إن الإنفاق الحكومي الضخم هو السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، موضحاً أن معالجة الحكومة الجديدة لهذه الاختلالات يعتبر مدخلاً مناسباً لمعالجة مشكلات الاقتصاد السوداني.

فرص حمدوك

بدوره, يقول المحلل الاقتصادي د. هيثم فتحي, إن الشارع ما زال ينظر لرئيس الوزراء د. حمدوك كمنقذ للاقتصاد الوطني ولكل مشاكل الحياة اليومية ولتقديم خدمات أفضل للمواطن السوداني, لذلك لابد ان يبدأ كرئيس لمجلس الوزراء بالعمل على نشر أسس ومبادئ الحكم الرشيد مثل: (المشاركة والشفافية، والمساءلة والمساواة، والعدالة، وأولوية المواطن، وسيادة القانون) في مؤسسات الدولة مع سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف القضاء على الفقر وتوسيع الخيارات التي تتاح لجميع الناس في حياتهم ومُحاصرة الفساد والسيطرة عليه ورفض تهميش قطاعات سكانية في الدولة، مع السعي لتوفير مُتطلبات البيئة الاستثمارية ولا سيما بعد أن توفر الغطاء القانوني لعملية جذب الاستثمارات مع تنويع الخريطة الاستثمارية لتغطي كل البلاد حسب الميزة التنافُسية لكل ولاية من ولايات السودان, والعمل على إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحسين صورة السودان في الخارج.

مُشيراً إلى أنّ رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك يتمتع بخبرة خارجية وليست داخلية, تجربته العملية جلها كانت في الخارج وهذه قد تساعد في فتح تعاون دولي وعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصناديق الدولية والبنك الدولي، وقال إن المرحلة الحالية تحتاج لرئيس وزراء مُتمكِّن, قائد للحكومة, يتابع توزيع الأدوار التنفيذية وإعادة التعاملات المصرفية والمالية بين السودان والعالم خاصةً دول الخليج والصين وأمريكا ودول أوروبا التي تُعتبر من أهم أسواق الصادرات والواردات السودانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى