تجميد مسار الشرق رسمياً.. ثم ماذا بعد؟!

الخرطوم: محجوب عثمان

فجّر “مسار الشرق” ضمن اتفاقية السلام الموقعة في جوبا بين الخرطوم والجبهة الثورية وحركات الكفاح المسلح، خلافات كبيرة بين المكونات الاجتماعية في شرق السودان, بعد أن أعلنت تنسيقيات البجا والعموديات المُستقلة، رفضها القاطع للمسار ومُنهاضتها له لدرجة أدّت في النهاية لإغلاق شرق السودان وتعطيل الموانئ وخطوط نقل البترول, ما رتب خسائر فادحة على البلاد كلها..!

وفشلت كل مساعي الموائمة بين رؤى الموقعين على المسار ورؤية المُخالفين له للالتقاء في منتصف الطريق بعد أن تمترس كل فريق خلف قناعاته, ما حتم ان يكون المسار مجمدًا منذ توقيعه، اذ لم تتنزل اي من بنوده على أرض الواقع، ما جعل الأزمة ماثلة ولم تراوح مكانها خاصةً مع اقتراب مُهلة كانت قد قطعها مجلس تنسيقيىة البجا والعموديات المستقلة بإعادة إغلاق الشرق تنتهي بعد غدٍ الأحد.

مطالب

ويرتكز المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة على ان مسار الشرق لم يخاطب كل القضايا، وان من وقعوا عليه لا يمثلون كل مكونات شرق السودان، ولم يتحدث عن التهميش الذي تُعاني منه مناطق الشرق، ويُطالب بإلغاء المسار وإقامة مؤتمر قومي لقضايا الشرق، ينتج عنه إقرار مشاريع تنموية فيه، ويشيرون إلى أن المسار يجب أن يشمل مخرجات مؤتمر كانت قد عقدته مكونات قبلية من البجا، على رأسها الهدندوة في منطقة سنكات بولاية البحر الأحمر.

محاولات الحل

لأربعة أيام كان مستشار رئيس دولة جنوب السودان ورئيس وفد الوساطة في مفاوضات السلام السودانية توت قلواك، في الخرطوم يتحرك بين مكونات المسار بعد أن اعلن قبل وصوله من جوبا انه قادم لإنهاء ازمة الشرق نهائياً, بيد ان توت لم يجد في ختام زيارته، غير ان يعلن تعليق مسار الشرق في اتفاق جوبا لسلام السودان لمدة أسبوعين، فقد قال في ختام زيارته إلى الخرطوم، إن الوساطة تقبل تعليق مسار الشرق لمدة أسبوعين، والاتفاق على تكليف اللجنة العليا برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو لترتيب الوضع بشرق السودان.

وأشار قلواك إلى اتفاق مع الأطراف المعنية على قيام مؤتمر شامل لأهل شرق السودان للعمل على حَل كل القضايا العالقة، وأوضح أنه سيعود إلى الخرطوم بعد أسبوعين لجمع أهل شرق السودان في حوار سواء في الخرطوم أو جوبا للوصول إلى حل لقضية شرق السودان.

تصعيدٌ

ورغم تصريحات توت قلواك، إلا أن لهجة التصعيد تواصلت من مكونات البجا، فقد أعلن القيادي بمجموعة تنسيقيات نظارات البجا، كرّار عسكر، عن أنّ مجموعته لم تعد تثق في وعود الحكومة المركزية، وقال في تصريحات أمس الخميس، إنّ مجموعته ستعمل على تصعيد موقفها بكافة الوسائل، بما في ذلك المطالبة بحق تقرير المصير وفقًا للمواثيق الدولية، وأوضح أنّهم بصدد المضي قدمًا في الخطوة حال عدم الاستجابة لمطلبهم الأساسي المتمثّل في إلغاء مسار الشرق المضمّن في اتّفاقية السلام الموقّعة في أكتوبر 2020، وقال “سنعيد إغلاق الموانئ الرئيسية والطريق القومي الرابط بين مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، وبقية مدن وأقاليم البلاد بعد انتهاء المهلة الممنوحة للحكومة، حتى الأحد”.

وفي ذات الاتجاه, مضى مقرر المجلس الأعلى للبجا، عبد الله أوبشار بحسب إعلام المجلس أمس، الى أن الاعتصام قائم يوم الاحد 19 ديسمبر ما لم تستجب الحكومة لمطالبهم التي تتمثّل في إلغاء المسار والمنبر التفاوضي، وأشار إلى تشكيل اللجان للتصعيد وتفعيل اللجان التي عملت في الفترة الماضية، وأوضح أن ما يُثار بشأن توافق المجلس للمشاركة في مؤتمر الشرق غير صحيح، وأضاف “أيّ محاولة للالتفاف على مطالبنا مرفوضة”، وتابع “غياب رئيس المجلس الأعلى لن يؤثّر على الإغلاق، ونؤكّد على أهمية حضوره بيننا”.

تجميد المسار

وربما استشعرت الحكومة خطورة إعادة إغلاق الشرق تحسباً لما رتبه الإغلاق السابق من خسائر كبيرة أفقدت الخزينة العامة ملايين الدولارات, فقد أعلن الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة ظهر أمس, تعليق مسار شرق السودان الذي وقع في سلام جوبا إلى حين توافق أهل الشرق، وذلك بعد الجلوس والتشاور مع كل أطراف الحكومة والوساطة. وأكد أنه تم تكوين لجنة عليا من أهل السودان لجبر الضرر، وأوضح أن أطراف الشرق سيجلسون في طاولة واحدة للاتفاق على حلِّ جميع مشاكل أهل الشرق، مؤكداً أن شرق السودان يهم جميع السودانيين والدول المجاورة لأهمية موقعه، وقال إن عمل اللجنة سينطلق قريباً لاحتواء أزمة الشرق.

ضرورة الحل

ويرى مُراقبون أنّ قضية شرق السودان ستكون بمثابة خميرة العكننة للفترة الانتقالية حال لم يتم حلها نهائياً, وهو ما يحتم على الحكومة أن تتعامل مع الملف بكل حزمٍ، لكنهم رجّحوا أن يكون التأجيل أو تجميد المثار لاسبوعين ربما حتمه وجود رئيس مجلس تنسيقيات البجا والعموديات المستقلة ناظر عموم الهدندوة محمد الأمين تِرِك خارج السودان مُستشفياً بعد سفره مؤخراً إلى الأردن عقب إجرائه عملية جراحية بالخرطوم, واستدلوا على ذلك بأن الوساطة نجحت في أن تستوعب خلافات مسار الشمال المتعلقة بقسمة الثروة والموارد وتوصّلت لاتفاق وُقِّع بين الحكومة ومسار الشمال خلال يومين من التحاور، بيد أنها لم تستطع الجلوس مع مكونات الشرق بعد أن رفض مجلس تنسيقيات البجا دعوة توت قلواك لمناقشة الخلافات.

ثم ماذا بعد؟!

وإن كانت تنسيقيات البجا قد رحّبت كثيراً بتعليق أو تجميد المثار، إلا أنّ موقعي المسار أنفسهم ربما رأوا أن الجديد فقط هو إعلان التجميد بعد ان ظل المسار مجمداً على أرض الواقع منذ توقيعه.

وقال كبير مفاوضي مسار الشرق عبد الوهاب جميل في تصريح لـ(الصيحة)، إن تعليق مسار الشرق هو ليس بالجديد، لأن المسار مجمد منذ توقيع اتفاق السلام، واكد ان موقعي مسار الشرق يدعمون بشدة إيجاد حلول لأهل الشرق نابعة من أهل الشرق أنفسهم من واقع أن الحكومة عجزت عن إيجاد الحلول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى