صلاح الدين عووضة.. حبابــك 2

 

ونتابع….

فقد ذكرت أنني تسلّحت بالمنطق… وقرّرت – من ثم – إجابة دعوة (حبابك)..

ودافعي لذلك ليست الدعوة هذه وحسب..

وإنما مواجهة بعض ما انسرب إلى دواخلي من غيبيات تسري بين الناس..

مواجهته بأسلحة المنطق..

 

فرغم أن البيت يبدو كخرابة فليس بالضرورة أن تكون صاحبة الدعوة شبحاً..

أو عفريتاً… أو قريناً… أو أياً كان..

وطرقت باباً كأن خشبه من بقايا سفينة نوح… علماً بأنه الوحيد الذي كذلك..

فجميع أبواب منازل الحي من حديد..

بما في ذلك امتداد الحي هذا نفسه… الذي قلت إن خطاي ساقتني إليه سهواً..

ففتحته التي هي شبيهة ملكة الدار..

 

وأثناء فتحها له كان يحدث صريراً مرعباً… وكأنه لم يُفتح قرناً من الزمان..

وكانت ترتدي فستاناً تجاوز موضته الزمان..

بل هو إلى ما كان يُسمى (الجبون) – في ستينيات القرن الماضي – أقرب..

وأنجم أسنانها تلتمع مع بهيم ليلها… أو لونها..

وطلبت مني بأدب جم أن أتبعها وهي تردد (حبابك… أبقى داخل على الدار)..

وكلمة دار هنا على سبيل المجاز..

 

فلم تكن هنالك سوى خرابة؛ كخرابة التكروري – أو التكروني – ببلدتنا..

وكانت تبدو هي كوردة في مقلب قمامة..

جميلة… أنيقة… نظيفة… يضوع منها ما يشبه خلطة مسك مع عطور محلية..

ونحو عنقريب عليه مفرش عتيق أشارت إلي بالجلوس..

وجلست؛ وطفقت أنظر إليها – وتنظر إلي – حيناً قبل أن تجلس بجواري..

وأنجم أسنانها لا تكف عن اللمعان وهي تتبسم..

 

وعتمة وجهها ينسدل على جانبيه ليل (مساير) يزيد من التماع الأنجم..

ثم باغتتني بسؤال أدى إلى عكس الذي أرادته..

فقد أرادت – فيما يبدو – طمأنتي… بعد أن استشعرت من تلقائي قلقاً خفياً..

وتمنيت لو كان أسلحة منطقي محسوسة كيما أشهرها..

لقد كنت – بالفعل – قلِقاً؛ بيد أنه قلقٌ لا يبلغ مرحلة خوفٍ يحتاج إلى طمأنة..

أخائف أنت؟… كان هذا هو فحوى سؤالها..

 

وتحرياً للدقة أقول لو أنها اكتفت بسؤالها هذا لبقيت بمحطة القلق؛ ربما..

غير أنها أتت بفعل مصاحبٍ لسؤالها هذا..

فعل استدعى من مجاهل نسيان ذاكرتي ما أعادها إلى أزمنة صبا بعيدة..

إلى حيث أرى الفعل هذا ذاته من تلقاء (مساكنةٍ) لنا..

وفي تماثلٍ غريب كانت ترتدي فستاناً على الطراز هذا نفسه؛ (جبون)..

وانتصبت واقفة تستأذنني لدقائق..

 

وكان وجهها – آنذاك – مقابل وجهي تماماً… والأنجم تبرق في عتمة الدجى..

وتوجهت – يضوع مسكها – صوب غرفة أخرى..

لعلها المطبخ؛ ولعلها تود أن تُضيِّفني مما يعني بقائي عندي زمناً أطول..

ولكني كنت قلقاً… ولا أود البقاء..

سيما وقد تناهى إلى مسامعي صوت النداء لصلاة المغرب في تلكم الأثناء..

وفي الأثناء نفسه تنبهت إلى أن الدار ليس بها إنارة..

 

ثم لا شيء يستدعي بقائي أكثر من هذا بعد أن لم ألحظ شيئاً يجافي المنطق..

وإن كان هنالك الكثير الذي يجافي الواقع..

ومنها مظهر صاحبة الدار ذاتها… بموضة فستانها التي من أيام ملكة الدار..

ولملمت أطرافي… وبعضي… ومنطقي؛ وغادرت..

وعند الباب يقع بصري على دكانٍ صغير في الجانب الآخر من الشارع..

وصاحبه يتوضأ… ويقع بصره علي أيضاً..

ثم يرعد – وبصره يتردد ما بين وجهي والدار – بسم الله الرحمن الرحيم..

 

فقلت لمنطقي – وقال لي – وماذا في ذلك؟..

فكل من ينوي الضوء – أو الصلاة – يبسمل؛ وإن لم يكن بصوتٍ مرعد..

وماذا في ترحيب شبيهةٍ لملكة الدار بك؟..

وهي تناديك من فوق حائطٍ مشروم وتقول ليك متبسمة (خش على الدار)..

حبابــك!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى