معزة حقارتكتب : الاحتجاجات والانتفاضات عدوّها الأول يصبح انتصارها وقت الشدة

 

15ديسمبر2021م

مستقبل السودان رهن بقدرة الشعب السوداني والمجلس الانتقالي في تأمين استقرار الدولة، والرفض القاطع لاستقرار الفوضى، فهي المُعادلة الوحيدة للنجاة الحقيقية من أي تبعات سيئة لمرحلة الانعتاق من الحكم الأصولي، فلا شئٌ يُفشل الدول ويُعيدها إلى الوراء مثل تفشي الفوضى والإدمان على الثورة.

علّمنا التاريخ انه في لحظة انتصار الاحتجاجات او الانتفاضات، فإن عدوّها الأول يصبح انتصارها إذا لم تتعلّم كيف تتعامل معه، لأن الجماهير تبدأ في الاعتقاد أنّها ما دامت قد انتصرت وغيّرت النظام فهي قَادرةٌ على كل شئ بعد ذلك، ورفضها التسليم لأي سلطة مهما كان شكلها ورفضها العودة لحياة الاستقرار، فكثيرٌ من الأفراد يتشكل لديهم شعور عميق بقيمة ذاتيّة قويّة وجودها مقترن بحالة الاحتجاج، فهم لذلك يرفضون العودة للاستقرار وينجرفون خلف الاحتجاجات، للدفاع عن هذه القيمة الجديدة التي ستنتهي بمجرد عودة الاستقرار.

لا داعي لسرد كثير من الشواهد التاريخيّة البعيدة زمانياً أو مكانياً، فيكفي استحضار ما جرى إبان ما كان يُعرف بالربيع العربي في الجمهوريات العربيّة المنتفضة، حيث أصبح استقرار الدولة حلماً حقيقيّاً للشباب العربي هناك، وقد نجحت في العودة إليه بعض الدول مثل مصر، ولم يزل بعضها يُعاني الأمرين في سبيل العودة إليه مثلما يجري في لبيبا واليمن على سبيل المثال.

عُمق السودان الاستراتيجي ليس في إيران ولا تركيا ولا قطر، بل عُمقه الاستراتيجي في الدول العربيّة والمشروع العربي الرائد نحو بناء الدولة الوطنية الحديثة ذات التنمية والبناء والانحياز للمُستقبل الذي تقوده السعودية ومصر والإمارات وغالبية الدول العربية، والابتعاد عن مشاريع المعادلة للدولة العربية سواء كان المشروع الإيراني الطائفي أو المشروع الأصولي التركي المدعوم من قطر وجماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسي.

الحكم الأصولي الإخواني استمر في السودان لعقودٍ، وجماعة الإخوان السودانية مثلها مثل نظيرتها تمتلك تنظيمات سرية ومُدرّبة، قادرة على زعزعة الاستقرار، ونشر الإرهاب وضرب الوحدة الوطنية، وهي ستكون مدعومة بقوة من المحور الأصولي التركي القطري، والأخطر بالنسبة للسودان أنّ هذه التنظيمات الإرهابية كانت تعمل تحت سمع الدولة وبصرها وبدعمٍ منها، وقد جاءت لحظة الاستفادة منها ما لم ينتبه الشعب والجيش السوداني لها مُبكِّراً.

مثلما جرى في تجارب الجمهوريات العربية المنتفضة إبان ما كان يعرف بالربيع العربي، فإن عناصر جماعات الإسلام السياسي الفجة، بل هم قادرون على الحديث بلغة المفاهيم الحديثة، حيث العدالة والمساواة والحقوق وعشرات المفاهيم المشابهة التي يخفون خلفها اهدافهم الحقيقية وايديولوجيتهم العنيفة.

الشعب السواني قد يكون من اقدر الشعوب على كشف هذه الجماعات وتقلبات خطابها وكذب رموزها، وذلك بحكم تجربته الطويلة تحت حكمهم واكتشافه المضني لمدى قسوتهم ونفاق خطابهم والديكتاتورية الصارمة التي يعتمدونها بمجرد الوصول إلي السُّلطة.

الشعب السوداني مُثقفٌ ومُتعلمٌ، وهو يعي الحاجة الملحة لبناء دولة حديثة باقتصاد ناجح وتنمية مستمرة، وان إعاده بناء الدول مهمة شديدة الصعوبة، والتحديات امامها ثقيلة والطريق إليها مضن، ومن دون الوحدة الوطنية القوية وتماسك المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية، فإن نسب الفشل أكبر من نسب النجاح.

تعرف الشعوب العربية تميُّز الشعب السوداني وتماسُكه، فللسودان سفراء يعملون في كثير من الدول العربية، ويشهد لهم الجميع بحُسن الخُلُق وإتقان العمل والأمانة والإخلاص والتكاتف في الغربة الذي يميزهم عن كثير من الشعوب الأخرى، وتجربتهم التاريخيّة، وبخاصّة في دول الخليج العربي خير شاهد على ذلك، وقد جاء اليوم الذي يثبتون فيه للعالم اجمع وعيهم وتميزهم على صنع الشئ ذاته في وطنهم وعلى ارضهم.

لدى السودان تاريخٌ طويلٌ من التعايش بين مكوناته المختلفة دينياً وعرقياً ومذهبياً، على الرغم من الفتن التي اشعلتها قيادة الحكم الاصولي والتي ادت لانقسام السودان وخسارته جزءا كبيرا من أرضه لصالح دولة جديدة مستقلة، وهو قادرٌ على استئناف ذلك التعايش الأعرق والأقدم من جديد وبناء مستقبله.

إن البلاد ظلت ولعقود ملجأً لكل إرهابيي العالم واصولييه من الإخوان إلى القاعدة إلى عشرات الأسماء لحركات الإسلام السياسي، وان مهمة التخلص منهم ومن شرورهم لن تكون سهلة على الإطلاق، وكلما تأخر الانتباه لهم، وجدوا ملاذات تضمن استمرارهم في بث الشرور ونشر التفرقَة ومحاولات التشبه بما جرى إبان ما كان يُعرف بالربيع العربي قبل ما يقارب العقد من الزمان، هي محاولات ضد مستقبل السودان أكثر مما هي معه، فلا فائدة حقيقيّة للشعب السوداني من انه يشبه ما جرى في تونس او مصر في الماضي القريب، بل الافضل هو قراءة التجربة، بل الافضل السودانية كنموذج جديد يمكن له تقديم الأفضل، وليس عليه ان يمر بالمشاكل والمآسي نفسها التي مرت بها تجارب.

واخيراً فكل الأماني لشعبي السوداني والدولة السودانية بتجاوز هذه المرحلة الانتقالية بسلام، وتحقيق استقرار الدولة وتفويت الفرصة على المتربصين بالبلاد، والذين يعدون للتفكك والفتن في البلاد، ويزجون بالشباب لخوض احتجاجات وأعمال تخريب وليست في مصلحة المواطن ولا البلاد.. ولهذا يجب على الكل الرجوع لصوت الحكمة والتنبه بالمخاطر التي يُحاول المتربصون جَرّ السودان إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى