لليوم الثاني توالياً تمدّد مساحات إغلاق الطرق والكباري بالخرطوم .. من يُصدر الأوامر؟

ثوار: نحن من نقود إعلان الحرية والتغيير وعليه أن يقتفي أثرنا

تحقيق / محيي الدين شجر

هل إغلاق الطرق والكباري بالعاصمة الخرطوم الذي ابتدأ منذ الأحد الماضي، هو تنفيذ لجدول العمل الثوري لقوى إعلان الحرية والتغيير الذي نشرته في يوم الثاني عشر من مايو، ويستمر حتى الثامن عشر من مايو،  أم إن هنالك تفلتات وممارسات لا علاقة لقوى الحرية والتغيير بها، أم هو تخطيط لجهات أخرى تريد الاصطياد في المياه العكرة.

من الواضح أن جدول التصعيد الثوري لقوى الحرية والتغيير الذي يستمر إلى يوم  السبت ١٨ مايو لم يشر إلى أي نية في إغلاق الطرق والكباري كما حدث، إنما تحدث عن مواكب وتوجه إلى ميادين الاعتصام بالقيادة العامة، وتحدث عن التصعيد النقابي، كما تحدث عن اللاعنف السوداني، وأساليب اللامقاومة اللاعنفية، داخل ميدان الاعتصام (الدعوة للعصيان المدني)، ومخاطبات مسائية في الأسواق وساحات الاعتصام..

وهذا يعني أن الهدف الأساسي لبرنامج قوى الحرية والتغيير كما هو ظاهر  يرمي للإضراب العام والعصيان المدني بوسائل سلمية بقصد تحقيق كل المطالب التي ينادون بها. هذا هو الظاهر، ولكن ما خفي والواقع يؤكد أن ما يزعمون بأنهم ثوار حسب إفادات بعضهم لـ (الصيحة) هم من يقوم بإغلاق الطرق والكباري، وهم من يتحدث عن تصعيدهم للثورة من أجل الاستجابة لمطالبهم.

فمن الذي يأمر بأغلاق الكباري والطرق، وما هدف تضييق الخناق على مواطني الخرطوم من كل جانب. وهل يمكن أن تسهم تلك الإجراءات في تحقيق مطالب المعتصمين والثوار والمعارضين وقوى الحرية والتغيير، أم ستؤدي إلى نتائج عكسية..

بعد أن أغلق بعض الشباب شارع النيل بالخرطوم أمس الأول، قام بعض الشباب بإغلاق كبري المك نمر يوم الإثنين الماضي لبعض الوقت، ثم استمر إغلاقه  في وجه العربات صباح أمس الموافق الرابع عشر من مايو،  ليضاف إلى كبري الحديد الخرطوم بحري المغلق منذ السادس من أبريل الماضي.. كما تم إغلاق العشرات من الشوارع في العاصمة الخرطوم..

(الصيحة) رصدت أجواء ساعات ملتهبة أمس بالخرطوم جراء إغلاق الطرق وكبري المك نمر، وخرجت بالإفادات التالية:-

قوى الحرية والتغيير تتبرأ

تبرأت قوى الحرية والتغيير من إغلاق الكباري والطرق، وقالت إن مسؤولياتها تنحصر فقط في ساحة الاعتصام بالقيادة العامة، وهذا التبرؤ ينسجم تماماً مع جدول التصعيد الذي وضعته، ولكن هنا يُطرح سؤال ملح وضروري هو، من الذي يوجّه بإغلاق الطرق والكباري في العاصمة الخرطوم ولماذا؟

في الوقت الذي خلا فيه جدول الحرية والتغيير من أي إشارة لإغلاق الطرق والكباري، توسعت عمليات إغلاق الطرق والكباري في العاصمة الخرطوم  أمس، حيث رصدت “الصيحة” إغلاق لكل طريق المعرض بري، وإغلاق كل الطرق  الفرعية المؤدية إلى عبيد ختم، عبر مجموعة من الصغار وشباب أحياء تلك المناطق، كما تم قفل كبري المك نمر، واستمر إغلاق شارع النيل الذي شهد أحداثاً دامية امس الأول بسبب إغلاقه.. وأغلقت شوارع في الصحافات والكلاكلات وجبرة والديوم والأزهري، وتم إغلاق كل الطرق المؤدية للقيادة العامة..

 مناخ الفتنة

محمد سوليب من الثوار المرابطين في القيادة العامة منذ السادس من أبريل الماضي، قال إن الثوار الحقيقيين لم يغلقوا شارع النيل، وقال إن بعض الجهات لها علاقة بالنظام السابق تريد خلق مناخ للفتنة بين كل الأطراف، وذكر أن الذين استفزوا قوات الدعم السريع أو الذين استفزوا ضابط القوات المسلحة بشارع النيل يمثلون أنفسهم، وانطلقوا من أهداف خاصة بهم يريدون تحقيقها ونجحوا في إثارة البلبلة، بدليل الرصاص الذي انطلق بشارع النيل وفي حرم القيادة وأودى بحياة ستة بينهم ضابط من القوات المسلحة، لأن الثوار نواياهم صادقة، ولا يمليون للعنف، وظلوا في حرم القيادة العامة لأكثر من شهر، ولم يبدر منهم أي سلوك عدواني ضد أحد..

وأضاف سوليب بقوله: أما إغلاق شوارع الخرطوم في الأحياء فإنه يتم بمبادرات شباب الأحياء ومحموعات متفلتة، وليس بتوصية من تجمع قوى الحرية والتغيير، مبيناً أن شباب الأحياء أصبحوا يقودون قوى الحرية والتغيير لا العكس، معترفاً بأنه سلوك خاطئ وقد يجر البلاد إلى عواقب وخيمة إذا استمر في الأيام المقبلة. مشيراً إلى أن المناخ الحالي يشجع على إدارة المكائد والخطط لنسف أي مستقبل تفاوضي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير..

وقال إن أحداث الأمس الأول وقعت مباشرة بعد إعلان المجلس العسكري توصله إلى اتفاق مع إعلان الحرية والتغيير، وهذا يؤكد أن هنالك كثيرين لا يريدون أن يكون هنالك اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، ويشير كذلك إلى وجود أشخاص تخطط وتدبر وتراقب، مستبعداً أن تكون القوات التي أطلقت الرصاص هي غير معروفة لقوات الدعم السريع أو للقوات المسلحة لأنها شقت طريقها وسطهم..

كتائب الظل

من جهته، أكد عضو تجمع إعلان الحرية والتغيير ــ فضل عدم ذكر اسمه ــ أن برنامج قوى الحرية والتغيير، لم يشر إلى أي تحركات لإغلاق الطرق والكباري هذا الأسبوع، وقال إن من يقوم بإغلاق الشوارع الرئيسة والفرعية وفي الأحياء هي كتائب الظل التي تريد خلق نوع من الفوضى لتحقيق أهدافها الرامية لإفشال الثورة، وقال كاذب من يظن أن كتائب الظل لن تتحرك للدفاع عن مشروعها القديم، وأضاف بقوله إن على المجلس العسكري أن يعمل على حماية المعتصمين تجنباً لحدوث مجازر مدوية تنسف كل العملية التفاوضية الجارية الآن..

ضرورات تبيح المحظورات

وقال  التيجاني مصطفى،  رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي، عضو إعلان قوى الحرية والتغيير إنه شخصياً ليس مع التضييق على الناس، لكن هنالك ضرورات وطنية استدعت بقاء آلاف الناس في الاعتصام، وأضاف أن سبب الانفلاتات يعود إلى التباطؤ الذي حدث في الاستجابة إلى مطالب الثورة.

وذكر في حديثه لـ (الصيحة): هنالك جماعات لا يعجبها  ما حدث مثل كوادر النظام السابق والذين تضررت مصالحهم، ويمكن لهم القيام بأي فعل لإيقاف الاتفاق مع المجلس العسكري، وأضاف بقوله: من المسائل التي استفزت الناس التحركات المضادة للثورة باسم الدين.

وحول إغلاق شارع النيل قال: شارع النيل ظل ولفترة طويلة مفتوحاً أمام حركة المرور، ولم يتم إغلاقه، ولكن قد تكون هنالك ضرورات أجبرت الثوار على  إغلاقه، كالحديث عن فض الاعتصام بالقوة، وقال إن الناس دائماً تتحدث عن معاناة الناس في الطريق، ولا تتحدث عن معاناة المعتصمين الذين تركوا أشغالهم لأشهر وظلوا في أماكن الاعتصام لضرورات وطنية..

فوق القانون

سألت “الصيحة” خبيراً نفسياً متخصصاً في السلوك الجمعي السوداني، هو حسين مصطفى حسين، عما يحدث هذه الأيام من إغلاق للطرق وللكباري من قبل ثوار وغاضبين، فقال إن ما يحدث هو نتيجة لشعور الناس أنهم فوق القانون وبإمكانهم تطويع القانون بأيديهم، ولا يجدون العقاب على فعلهم، وأضاف بقوله إن  الإنسان حين يشعر أنه فوق القانون يمكن أن يفعل أي شيء ولا يتورع عن القيام بأي فعل، حتى وإن كان يسبب له خطراً محدقاً، وقال إن التحرش بضابط من القوات المسلحة وتوجيه كلمات قاسية لقوات الدعم السريع جاء من أشخاص استغلوا الموقف وشعروا أنهم فوق القانون، وقد يكون هدفوا من ذلك استفزاز قوات الدعم السريع للوقوع في الخطأ، خاصة وأن قوات الدعم السريع ومنذ بداية الثورة سجلت موقفاً إيجابياً، وكان لها الدور الكبير في الحفاظ على سلمية الثورة ..

معاناة

هذا وتلمست الصيحة معاناة كبيرة للناس في الوصول إلى أعمالهم صباحاً والعودة آخر الليل، نتيجة لإغلاق الطرق والكباري، حيث سار عدد كبير من الموظفين عبر كبري المك نمر إلى الخرطوم راجلين، وصولاً إلى أماكن عملهم.

وقال الموظف فضل الله عمر، إن إغلاق الطرق عملية قاسية جداً، تصيب الإنسان بالغثيان والإحباط، وقال إن إغلاق الشوارع والطرق يخرج الثورة من سلميتها التي ظلت تحافظ عليها، فكيف تكون الثورة سلمية، وأنت تغلق الطرق بالقوة وتحمل الحجارة الكبيرة، وتقوم بإرجاع العربات وإلزامها بالعودة دون مراعاة للمرضى ولكبار السن، ولأصحاب الحاجات.

وأوضحت زينب عثمان سر الختم، أنها حزينة جداً لأن الثورة تسير في طريق خطر للغاية، لأننا أصبحنا لا نفرق بين الصحيح والخطأ، وأضافت: نحن نعاني ونعاني وسئمنا من الإصلاح، وقالت إن إغلاق الطرق مظهر غير حضاري ولا يشبه الثورة السودانية التي أعجبت بسلميتها كل دول العالم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى