تبرئة والي نهر النيل السابق من المشاركة في محاولة عبد المطلب الانقلابية .. المحكمة تأمر بالإفراج عن جميع المتهمين وإخلاء سبيلهم فوراً

 

 

القاضي: المتهمون جميعهم مدنيون وغير خاضعين لقانون القوات المسلحة

المحكمة: المتهم الثالث دوّن اعترافاً قضائياً تحت الترغيب والترهيب

الخرطوم: محمد موسى   13ديسمبر2021م

أعلنت المحكمة أمس, شطب الاتهام وتبرئة والي نهر النيل الأسبق الفريق ركن الطيب المصباح و(11) آخرين من معاشيي القوات المسلحة وجهاز المخابرات العامة من المشاركة في محاولة الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب الانقلابية، وذلك لعدم كفاية الأدلة استناداً لنص المادة (141) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م, كما قررت إخلاء سبيل جميع المتهمين, وشددت المحكمة في حيثيات قرارها بأن البيِّنة المادية المقدمة في مواجهة المتهمين لم تبيّن قيام اي منهم بتقويض النظام الدستوري أو إثارة الحرب ضد الدولة أو إثارة الشعور بالتذمر بين القوات النظامية والتحريض على ارتكاب ما يخل بالنظام العام والتمرد على الدولة.

إخلاء سبيل وتسليم أجهزة

وأمرت محكمة مكافحة الإرهاب (1) بالخرطوم شمال برئاسة القاضي أنس عبد القادر فضل المولى، بإخلاء سبيل جميع المتهمين على ذمة الدعوى الجنائية الحاضرين أمامها بقفص الاتهام والغائبين، كما امرت ذات المحكمة بتسليم أجهزة الثريا المعروضات في القضية للمحكمة العسكرية.

تواصل المصباح وود إبراهيم

وقالت المحكمة في حيثيات قرارها بشطب الاتهام ضد المتهمين بمخالفة نصوص المواد (21) الاشتراك الجنائي, (50) تقويض النظام الدستوري, (62) إثارة الشعور بالتذمر وسط القوات النظامية والتحريض على ارتكاب ما يخل بالقانون وذلك من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م، إضافةً لمخالفة نص المادة (162) من قانون القوات المسلحة لسنة 2013م، التي تتعلق بالتمرد على النظام الدستوري، وذلك لعدم وجود بيانات كافية لتقديم الاتهام في مواجهتهم، ونوهت المحكمة الى أن المُبلِّغ وشاهد الاتهام الرابع عقيد أمن بجهاز المخابرات العامة محمد الطيب علي، مثلا أمامها وتم استجوابهما بمحضرها, حيث أفادا بأن المتهم الأول الفريق أول ركن الطيب المصباح قد تواصل مع المتهم التاسع الهارب العميد معاش (ود إبراهيم), كما أنه كان يتردّد على منزل المتهم الثاني مهندس اتصالات، فضلاً عن تكليف المتهم (ود ابراهيم), المتهم عقيد معاش محمد زاكي الدين بمهمة خاصة بسلاح المدرعات, وذكر المُبلِّغ ان الحديث وقتها دار مع المتهم الاول حول تنفيذ انقلاب وتم القبض على المتهم الثاني الذي أقرّ عند اعتقاله بوجود بيان المحاولة الانقلابية بمنزله وتم إحضاره منه، ونوه المُبلِّغ كذلك للمحكمة بأن شاهد الاتهام الرابع ذكر بأن المتهم الثالث رقيب امن بجهاز المخابرات العامة قد كلف فردين سابقين بالامن لتعطيل وابور هيئة الإدارة الفنية بجهاز الأمن وذلك بناءً على تكليفه من قبل المتهم الخامس لواء معاش بجهاز المخابرات العامة محمد الأمين، واشارت المحكمة الى أن المُبلِّغ أفاد أمامها كذلك عن اعتقال المتهم الرابع بواسطة هيئة الاستخبارات العسكرية باعتباره أحد الضَالعين بالمحاولة الانقلابية لرئيس هيئة الاركان المشتركة السابقة بالجيش الفريق اول ركن هاشم عبد المطلب، وأن تكليفه في هذه المحاولة بناءً على تكليف من المتهم (ود إبراهيم) وتوزيعه أجهزة ثريا بواسطة العقيد ركن أحد شهود الاتهام، إضافةً إلى ذكر المُبلِّغ للمحكمة بأن هناك اتصالاً هاتفياً بين شاهد الاتهام يعمل بهيئة الاستخبارات تم من قِبل اللواء معاش بالجيش مبارك محمد أحمد، فضلاً عن تردد المتهمين جميعاً على منزل المتهم الثاني المهندس بأحياء الخرطوم.

الجدير بالذكر أنه وعقب تلك الوقائع, تم القبض على المتهمين والتحقيق معهم بواسطة جهاز المخابرات العامة, وبعد ثلاثة أشهر أُحيلوا للنيابة العامة التي حققت معهم وشطبت التهم في مواجهتهم وأطلقت سراحهم لعدم وجود بيِّنة ضدهم, إلا أنه تم إلغاء قرار شطب الاتهام في مواجهة المتهمين وأُعيد القبض عليهم نتيجة استئنافات تم تقديمها ووجّه لهم الاتهام ليتم القبض على المتهمين من الأول وحتى الرابع – بينما فشلت النيابة في القبض على المتهمين من الخامس وحتى الثاني عشر – ونوّهت المحكمة الى أنها سمعت الدعوى الجنائية غيابياً في ظل هروب المتهمين الآخرين استناداً لجوازية وتحت نص المادة (154) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م.

انتفاء تفسير الأمن

وحول ذكر المتهم الأول الفريق ركن بالجيش الطيب المصباح، خلال مكالمة هاتفية مسجلة له بجهاز المخابرات العامة وردت فيها عبارة محاور زراعية فُسِّرت بواسطة جهاز المخابرات على أنها محاولة انقلابية، نبّهت المحكمة إلى أن هذه المكالمة لم تقدم كمستند اتهام في القضية ولم يُودع تسجيلها بعد استنساخها مَا يجعلها مجرد قول دون بيِّنة, لا سيما وأن المتحري الأول قد ذكر للمحكمة بأنه وحتى مرحلة إحالة المتهمين للمحكمة لم يمده جهاز المخابرات العامة على تسجيل المكالمة لإرسالها لفحصها عبر الأدلة الجنائية وظل ينتظر طويلاً وكان المتهمون محبوسين آنذاك, وشددت المحكمة على أنه وبالتالي قد انتفى تفسير صحتها وقصد المحاور الزراعية بمحاولة انقلابية، وهنا تساءلت المحكمة قائلةً (هل يُحاسب الناس على نواياهم قبل أن يتم التعبير عنها بفعل مادي يبرر القصد الجنائي منها؟)، وبالتالي فإن البينة ضد المصباح غير كافية لاتهامه في القضية.

بيان عبد المطلب

ونوّهت المحكمة الى أن أساس الدعوى الجنائية في مواجهة المتهمين الماثلين أمامها يقوم على مستند اتهام (1) بيان رئيس هيئة الأركان المشركة السابقة الفريق أول ركن بالقوات المسلحة هاشم عبد المطلب باستيلائه على السلطة، وشددت المحكمة على أنّ عبد المطلب سبق وأن مثل أمامها شاهداً وأفاد بأن البيان مستند الاتهام يخصه بالرغم من التصرفات التي تمت فيه بإضافة صوت موسيقى مصاحبة, نافياً مشاركة أي شخص معه في إعداد البيان، مؤكداً للمحكمة بأنه لم يقم باختيار مجلسه الجديد، نافياً اختيار اي من المتهمين في القضية كأعضاء بمجلسه الجديد، وشددت المحكمة على أن البيان الذي ادعى شاهد الاتهام الـ(10) مقدم بجهاز الأمن الصادق محمد أحمد، أنه وُجد بمنزل المتهم الثاني على فلاشة بها بيان المحاولة الانقلابية به موسيقى ليس هو النسخة الأصلية, وإن تم عمل إدخال موسيقى مع البيان, مما يؤكد عثور فيديو البيان بمنزل المتهم الثاني يعد تداولاً له على منصات التواصل الاجتماعي وإذاعته عبر تلفزيون السودان عقب القبض على (عبد المطلب)، إضافةً الى أن المتحري قد ذكر للمحكمة بأن مستند (البيان) ومن خلال أقوال المُبلِّغ تم استنساخ التسجيل من اللابتوب الذي عُثر عليه داخل منزل المتهم الثاني, إلا أنه لم يبين الطريقة التي تم بها استنساخ الفيديو هل عبر الدخول لموقع معين عبر  لابتوب المتهم الثاني او من تسجيلات خاصة به، وشددت المحكمة على أنه وبالتحري فقد ثبت ان (البيان) قد تداول للجميع في الوسائط وذلك ما يؤكد قول الشاهد (عبد المطلب) انه صاحب الفيديو وهو من قام بإعداده, وبالتالي ينفي صلة المتهمين في هذه الدعوى الجنائية به بضلوعهم في المحاولة الانقلابية.

المتهمون مدنيون

ونبّهت المحكمة الى أن المتهمين جميعاً في البلاغ (مدنيون) سواء كانوا ضباطاً أو بالمعاش وغيرهم يعتبرون مدنيين وفق قانون القوات المسلحة ولا يشملهم، وذلك ما قامت به النيابة العسكرية, إذ أن شاهد الاتهام (عبد المطلب) وبقية الشهود في هذا البلاغ من الضباط هم أساساً متهمون في بلاغ الانقلاب الآخر بالمحكمة العسكرية, وقد فصل المدنيون فيه عن العسكريين وأُحضر المدنيون فيه إلى هذه الدعوى شهوداً وهم في الأساس متهمون, وان اقوالهم في هذه الدعوى بينة شريك وهي من القرائن حسب نص المادة (50/2) من قانون الإثبات السوداني 94م, حيث تعتبر من القرائن لبينة الشريك والمعتقل، وشددت المحكمة على ان اقوال شهود الاتهام العسكريين الذين مثلوا أمام المحكمة لم يبيِّنوا علاقة هؤلاء المتهمين بمحاولة (هاشم عبد المطلب) الانقلابية سوى معرفة قديمة بموجب العمل تحت قيادته بالقوات المسلحة، ونبّهت المحكمة الى أن هذه العلاقة لا تزول بزوال الرتبة العسكرية أو المهنة بسبب الإحالة للمعاش أو يثبت ذلك في المقابل علاقتهم بانقلاب (عبد المطلب) بحد قولها.

متهم لا يحتاج لمشورة

ونوهت المحكمة الى أن إفادة شاهد الاتهام (الخامس) عابدين حداد، بأن المتهم الثاني المهندس قد استفسره حول كيفية قطع الاتصالات عند الانقلاب جاء بداعي (الاستفسار فقط) دون ترتيب من المتهم الثاني, لا سيما وان مهندس الاتصالات نزل للمعاش, وبالتالي يعلم كيفية قطع الاتصالات ولا يحتاج إلى (مشورة) شاهد الاتهام في ذلك، بالرغم من ان المُبلِّغ ذكر أن ذات الشاهد قد أبلغ عن المتهم الثاني, إلا أن ذات الشاهد  ذكر أمام المحكمة أنه اُستدعي من قبل الجهاز وتم سؤاله عن علاقته بالثاني ولم يذكر انه ذهب للجهاز للإبلاغ عن الثاني مما لم يبيِّن غرض الاستدعاء وإذا كان قبل أو بعد القبض على المتهم الثاني, إلا أنه كان بعد الحراك الثوري والتروس بالشوارع.

اختلاف إفادات شاهد

ونبهت المحكمة في قرارها الى ان شاهد الاتهام الثالث وعند شهادته بالمحكمة تبيّن اختلاف اقواله امامها عما ذكره بيومية التحري, حيث ظل يجيب على المحكمة بإجابة واحدة وهي ان المتهم الثالث قال له (عندنا تغيير وحينها أوقفه طوالي), حيث دوّنت المحكمة ملاحظاتها حول هذا الشاهد وطرحت شهادته بعيداً لإثارته العداوة مع المتهم الثالث عند إنكاره ما ذكره بالتحريات عن المحكمة، إضافةً الى أنه تبيّن للمحكمة بأن ما جاء من اعتراف قضائي للمتهم الثالث كان تحت التهديد والترغيب من جهاز المخابرات العامة مقابل إطلاق سراحه أسوة بشاهد الاتهام الثالث الذي كان محبوساً معه وأُفرج عنه، وشددت المحكمة على ان الترهيب والتهديد للمتهم يجعل اعترافه القضائي ناقصا ومخالفا لمجرى الأحداث الطبيعية وضد إرادته الكاملة رغم أنه أدلى به طواعيةً, وبالتالي فإنه وحسب نص المادة (20) من قانون الإثبات يكون إقراراً غير صحيح، فقد نفى المنسوب له البيان (عبد المطلب) علاقة المتهم الثالث به أو معرفته به في الأصل, وبالتالي إقراره القضائي كذبه واقع الحال.

قبض متهم طالب بإعادته للخدمة

وأكدت المحكمة بأن المتهم الرابع تم القبض عليه إبان حضوره للقيادة العامة للقوات المسلحة ومطالبته بحق إعادته للخدمة بناءً على قرار صدر بشأن مفصولي القوات المسلحة، حيث  وجه له اتهام بوجود علاقة له بأجهزة الثريا معروضات القضية, إلا أنه نفى علاقته بالأجهزة أو تسليمها لشاهد الاتهام مقدم بالجيش ويحاكم حالياً بالمحكمة العسكرية حول ذات البلاغ، حيث ذكر المتهم الرابع للمحكمة بأن تلك الأقوال دوّنها الفريق بالجيش جمال عبد المجيد، وشددت المحكمة على ان صدق قول ذلك هو حضور شاهد الاتهام (المقدم) للمحكمة ورفض الإدلاء بأي أقوال له فيها, بالتالي لم تبين المعروضات (أجهزة الثريا) نسبها للمتهم الرابع.

الجدير بالذكر أن دفاع المتهمين مثله المحامون (صديق كدودة، أحمد إبراهيم أمبدة، د. بابكر الصائم بابكر، صديق الدسيس، محمد عبد الله، كمال الدسيس، كمال عمر عبد السلام، الوسيلة الهجو، أحمد عثمان وآخرون), فيما مثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة أحمد عمر.

من جانبه, قال المحامي كمال عمر عبد السلام في تصريحات صحفية مقتضبة عقب قرار المحكمة بشطب الاتهام في مواجهة المتهمين والإفراج عنهم بأن قرار المحكمة جاء  استخداماً لصحيح القانون، ويُحسب في التاريخ الناصع للقضاء السوداني، وانتصار للمحاكمة العادلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى