العميد صلاح الدين كرار يكتب : خاطرة وتعليق

11ديسمبر2021م 

لفت انتباهي نعي في صحيفة الميدان للمقدم معاش محمد عبد المجيد جريس الدفعة 13 كلية حربية, وهي الدفعة التي تخرجت في يناير 1961 (أرفق هذا النعي الصادر في صحيفة الميدان بتاريخ 2 ديسمبر 2021).

الحزب الشيوعي أول الأحزاب التي سيّست القوات المسلحة حتى من قبل الاستقلال.

ففي عام ١٩٥٣ ادخلوا عدداً من كوادر الحزب إلى الكلية الحربية منهم بابكر النور سوار الدهب الدفعة 7 كلية حربية (قائد انقلاب الشيوعيين في يوليو 1971), وهو نفس دفعة المشير سوار الدهب وعبد الماجد حامد خليل وعمر محمد الطيب ومحمد نور سعد قائد حركة يوليو 1976. مصدر هذه المعلومة ابنة بابكر النور من لقاء معها على اليوتيوب عن دور والدها في انقلاب 1971.

أيضاً من كوادرهم الذين ادخلوهم الكلية الحربية وشاركوا في انقلاب مايو 1969 وما سمي (الحركة التصحيحية في يوليو 1971), العقيد عبد المنعم محمد أحمد الهاموش والعقيد عثمان حاج حسين أبو شيبة (ابن أخت الدكتور محيي الدين صابر حسب ما ذكر), وأعتقد أن الاثنين من الدفعة 8 أو 9 كلية حربية. ثم فاروق حمد الله الدفعة 10 كلية حربية وهو دفعة خالد حسن عباس.

ثم أدخل الحزب الشيوعي هاشم العطا إلى الكلية الحربية وهو الدفعة 11 (دخلت الدفعة 11 الكلية عام 1957) ومن أشهر ضباط هذه الدفعة الفريق أول فوزي أحمد الفاضل القائد العام الأسبق الذي استلم القيادة من الفريق اول تاج الدين عبد الله فضل الدفعة 9 (استلم الفريق تاج الدين قيادة الجيش من المشير سوار الدهب بعد نهاية الفترة الانتقالية أبريل 1986).

الفريق فوزي كان من القادة المتميزين, فقد اختلف مع السيد الصادق المهدي عندما طلب منه تعيين ابنه عبد الرحمن الصادق ضابطاً بالقوات المسلحة والذي كان قد درس على نفقته الخاصة بالكلية الحربية بالأردن (رد فوزي على الصادق الذي كان رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع: إن هذه سابقة لم تحدث في تاريخ الجيش منذ أن كان قوة دفاع السودان، ولن أفعلها), بعدها أُعفي الفريق فوزي من منصب القائد العام وجاء محله الفريق بحري فتحي أحمد علي الدفعة 12 (بتوصية من العميد بحري عبد الرحمن فرح رئيس جهاز الأمن الوطني في حكومة الصادق 1987 (ولهذا قصه كنت شاهداً عليها).

من أول قرارين اتخذهما الفريق بحري فتحي احمد علي القائد العام الجديد, تعيين عبد الرحمن الصادق المهدي ضابطاً بالقوات المسلحة. وكان القرار الثاني إعادة عشرة من ضباط حزب البعث الذين أحالهم المشير سوار الذهب للمعاش في منتصف الفترة الانتقالية 1985 بعد اكتشاف أن خليتهم تخطط لانقلاب.

استمرت خطط الحزب الشيوعي في إدخال كوادره في المدارس الثانوية إلى الكلية الحربية، منهم المرحوم المقدم محمد عبد المجيد جريس الدفعة 13 والذي نعاه الحزب الشيوعي بصحيفة الحزب الميدان بتاريخ 2 ديسمبر 2021 كما ذكرت.

تواصل جهد الحزب الشيوعي في كل الدفع, نذكر منهم من شارك في انقلاب البعثيين رمصان 1991.

لكن اكبر دفعة ادخلها الحزب الشيوعي إلى الجيش كانت الدفعة 20 كلية حربية, وكان أغلبهم من مدرسة خور طقت الثانوية ومدرسة المؤتمر الثانوية بأم درمان وبعضهم من مدرسة وادي سيدنا, وأذكر منهم (لقاءات معهم وكتب نشروها تجدونها في المكتبات وعلى اليوتيوب تحت عنوان انقلاب الحزب الشيوعي يوليو 1971).

منهم:

صلاح بشير عبد الرحمن الدفعة 20 كادر شيوعي نقل بعد مايو 69 من المشاة إلى المدرعات وشارك في انقلاب هاشم العطا.

الرائد احمد الحسين الحسن عثمان الدفعة 20 كادر شيوعي.

الرائد احمد جبارة والرائد الحاردلو الدفعة 20 اللذين نفذا مذبحة بيت الضيافة في يوم 22  يوليو 1971.

عدد آخر كبير من عضوية الحزب الشيوعي بالجيش منهم:

عبد العظيم عوض سرور الدفعة 19.

الرائد عمر أحمد وقيع الله الدفعة 20.

الرائد عبد الله إبراهيم الصافي الدفعة 21.

الرائد عبد المتعال ابراهيم شمعون الدفعة 20.

الملازم زهير قاسم الدفعة 23.

وعدد آخر كبير من كوادر الحزب الشيوعي الذين شاركوا في انقلاب 19يوليو 1971. وعدد آخر لم يتمكّن من المشاركة إما لوجودهم في الجنوب أو في دورات خارجية. وقد ظهروا في انقلاب رمضان 1991 مشاركة مع كوادر حزب البعث.

لعل أهم تلك الكوادر المتبقية من انقلاب هاشم العطا وانقلاب رمضان 1991, هي التي كونت قوات التحالف التي كانت قيادتها في أسمرا وحاربت الإنقاذ انطلاقاً من هناك، ولعل اشهر معركه لهم هي ضرب طلاب وطالبات خلاوي همشكوريب (شمال كسلا) التي راح ضحيتها شيوخ خلاوٍ وطلاب قرآن.

حتى عضوية الحزب الشيوعي بالجيش لم تسلم من التصفيات. أذكر منهم كادر الحزب الشيوعي العقيد عبد العزيز النور الدفعة 21 والذي اختلف مع كل من العميد ع. خ الدفعة 19 والعقيد ع. م. ط الدفعة 21 والمسؤولين عن تصفيته مع آخرين.

العقيد عبد العزيز النور من ابناء شندي أو ضواحيها وأسرته تعلم بقصة تصفيته.

لم تقتصر خطة تمكين الحزب الشيوعي في الحيش على الضباط, بل كانت لديهم كوادر من ضباط الصف في كل من المدرعات ومصنع الذخيرة الذي أُنشئ في عهد المرحوم عبود. واشهر هذه الكوادر هم المجموعة التي هرّبت عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي الذي كان مُعتقلاً في مصنع الذخيرة قبل أيام من انقلاب 19 يوليو 1971.

أشهرهم:

1- عثمان الكودة 2. عبد المجيد شكاك (مسؤول خلية تهريب كرار (الاسم الحركي لعبد الخالق محجوب) 3. عثمان محمد عبد القادر 4. الطاهر أبو القاسم وآخرون.

الأسماء والمعلومات أعلاه استقيتها من المراجع التالية والتي يمكن الرجوع إليها في مكتبات السودان أو اليوتيوب وهي:

1- لقاءات مسجلة في اليوتيوب للأستاذة كمالة بابكر النور مع بعض أسماء الضباط أعلاه أو ما ورد على لسانهم من أسماء في تلك اللقاءات.

2- شهادة السيدة خنساء عمر صالح سوار الدهب زوجة بابكر النور سوار الدهب (تسجيل في اليوتيوب).

3- لقاءات متعددة للأستاذ الإعلامي عدلان احمد عبد العزيز مع كوادر من الحزب الشيوعي بالجيش من الذين شاركوا في انقلاب هاشم العطا يوليو 1971 منشور على اليوتيوب. وأعتقد أنه أصدر مؤلفاً بذلك.

4- لقاءات  تلفزيونية مسجلة على اليوتيوب أجراها الأستاذ الطاهر حسن التوم مع بعض الناجين من مذبحة بيت الضيافة في 22 يوليو 1971. أشهر هذه اللقاءات مع كل من:

1- اللواء طيار حاج سعيد كسباوي وكما ذكر اللقاء أنه بدأ شيوعياً وانتهى بعثياً.

2-  لقاء مع اللواء عبد الحي محجوب احمد الدفعة 17 أحد الناجين من مذبحة بيت الضيافة.

3- لقاء مع العميد عثمان عبد الرسول أحد الشهود على من نفذ مذبحة بيت الضيافة من ضباط الحزب الشيوعي بعد أن فشل الانقلاب.

يبقى هنا سؤال مشروع يجب أن يجيب عليه قادة الحزب الشيوعي السوداني الذين يطالبون الآن بإعادة هيكلة الجيش:

مَن سن هذه السنة وهل نضمن أن الحزب لم يُدخل الجيش كوادر له في السنوات الثلاث الماضية؟ أو كيف نضمن أن الحزب ما زال لديه كوادر أدخلهم الجيش حتى في عهد الإنقاذ؟ سؤال ينتظر الإجابة.

أود بعد هذا التعليق على دور الحزب الشيوعي المنكور في تسييس الجيش السوداني أن أوجه هذه الاسئلة لكل القوى السياسية السودانية دُون استثناءٍ.

1- مَن أول من دعا العسكر إلى استلام السلطة وممارسة السياسة, ألم يكن حزب الامة اكبر احزاب السودان, وهو حزب السيدة مريم المنصورة وأخوها السيد الصديق الصادق المهدي في 17 نوفمبر 1958.

وهل يعلم هذا الجيل والجيل الذي قبله أن أحد أهم أسباب دعوة عبود لاستلام السلطة كان فوز حزب إسماعيل الأزهري بكل دوائر الخريجين في انتخابات 1955, مَا أغضب حزب الامة ودعاه للائتلاف مع حزب السيد علي الميرغني لإخراج الأزهري من الحكومة للمعارضة.

2- من شارك عبود ودخل المجلس المركزي (برلمان عيّنه عبود) ألم يكن الحزب الشيوعي..؟

3- مَن حل الحزب الشيوعي وعصى قرار القضاء في أوج الديمقراطية الثانية ألم يكن حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي وخمسة نواب من جبهة الميثاق الإسلامي.

4- ألم يؤد ذلك لأن يذهب الحزب الشيوعي مُغاضباً ويدبر انقلاب 25 مايو 1969 ثم انقلاب 19 يوليو 1971.

ألم ينتقم الحزب الشيوعي ممن طردوه من الجمعية التأسيسية بكشوفات الصالح العام وكان من بينهم البروفيسور عبد الله الطيب. وضرب الأنصار في مسجد ود نوباوي الذي الآن تخرج منه كل جمعة موكب يؤيد “ق ح ط”، بما فيها الحزب الشيوعي.

وكيف نسي الأنصار شهداء الجزيرة أبا العُزّل إلا من سيوف المهدية عندما ضُربوا بقنابل الطائرات وقتلوا الإمام الهادي بدم بارد (ارجعوا إلى أرشيف صحيفتي الصحافة والأيام لتقرأوا تصريحات قادة الحزب الشيوعي وفرحتهم بذلك وتحديداً (كمال الجزولي وفاروق أبو عيسى).

5- هل نسى الحزب الاتحادي اعتقال قادته في السجون وموت الزعيم إسماعيل الأزهري في سجون مايو الشيوعية. وعندما أعلنوا موته في السجن قالوا توفي إسماعيل محمد الأزهري الأستاذ بالمدارس الثانوية (اسقطوا تاريخه النضالي من أجل الاستقلال بالكامل)!

6- هل نسيت الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه مديرة جامعة الخرطوم المستقيلة بسبب مطاردة الشرطة لمتظاهرين في البركس وأغلقت الجامعة, ثم استقالت بسبب ما سمته انقلاب البرهان.

7- نُذكِّر الدكتورة فدوى وبلا شك أنها تذكر كيف كانوا كطلاب الجبهة الديمقراطية المؤيدة لمايو الشيوعية، يدعون الجيش لضرب طلاب الاتجاه الإسلامي والدخول لحرم الجامعة (وهتافات حازم حازم يا أبو القاسم، اضرب اضرب يا أبو القاسم).

8- ألا تتحمل أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي جريمة تأليب قادة الجيش بقيادة الفريق بحري فتحي أحمد علي في مارس 1989 ليقدم أكثر من 150 ضابطا برتبة العميد فما فوق مذكرة القوات المسلحة التي كان ظاهرها مطالب إصلاح حال الجيش وباطنها إقصاء الجبهة القومية الإسلامية من المشاركة في الحكومة توطئةً لضربها كما كانت تخطط قوى أجنبية، فسارعت الجبهة إلى انقلاب 30 يونيو 1989 مثلما فعل الحزب الشيوعي انتقاماً لحله في مايو 1969.

9- مثل بقية القوى السياسية, فإن للحركة الإسلامية أخطاؤها وتجاوزاتها في حق خصومها وحق الوطن, وأنا أقبل كل ما يقال فيها بحق وشهادتي لها مجروحة.

بعد كل ما أوردته باختصار قد يكون مخلاً، أطرح هذا السؤال الى كل القوى السياسية السودانية يسارها وإسلامييها العريضين ووسطها، ومستقليها وغيرهم من قوى المجتمع المدني وأقول:

إيلام الخلف بينكم ايلاااااااااااام

وهذه الضجّة الكبرى علااااااااام

أما آن الأوان أن يجلس أهل السودان لدراسة هذا التاريخ لا أقول الأسود, ولكن بلا شك ليس أبيض.

غافلٌ وجاهلٌ من يظن أن ما تقوم به القوى الدولية والإقليمية وسفاراتها في الخرطوم هو لمصلحة أي حزب أو قوى, بل هو مخطط مدروس منذ زمن ستدفع الأجيال القادمة ثمنه وسوف تلعننا ونحن تحت التراب.

نسأل الله الذي تولى السودان في كل المحن التي مرّت به وتولاه بلطفه ورعايته، أن يشمل أهل السودان بذات الرعاية واللطف والعناية. وأن يجنبنا الفتن وأن ينزل السكينة والحكمة على قادة السودان. إنه نعم المولى ونعم المُجيب.

العميد الركن صلاح الدين كرار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى