عز الدين المصري يكتب : انتقالية السودان والطريق نحو الديمقراطية
11ديسمبر2021م
ثالثاً: وبانتهاء المرحلتين السابقتين, نحن الآن في نهاية مرحلة ثالثة وهي مرحلة الاستقطابات السياسية والصراعات الاجتماعية وفي تاريخ الدول التي تحوّلت إلى الديمقراطية فإن هذه المرحلة ضرورية للتحول الديمقراطي رغم كلفتها العالية, صحيح إن هنالك دولاً تحوّلت سلمياً, إلا أن العديد من التجارب الدولية خاصة في الموجتين الأولى والثانية للتحول الديمقراطي, كانت الصراعات السياسية والاجتماعية عبر فترة طويلة هي المخاض الذي يولد منه ذلك الوعي الجديد بحدود القوة وتكلفة الصراع.
رابعاً: بعد انتهاء المرحلة السابقة من المتوقع أن يبدأ الفاعلون في التحول الديمقراطي بتصحيح الأوضاع وإعادة هيكلة علاقات القوة داخل مؤسساتهم وتياراتهم أولاً, حيث ولدت المراحل السابقة قوى جديدة داخل كل تنظيم وتيار يتمتع برؤية أفضل وثقل كبير في فهم تعقيدات السياسة السودانية المتجذرة وإدراكه لتكلفة الصراعات.
خامساً: المرحلة الخامسة وهي من أعقد المراحل وفيها تدرك المؤسسة العسكرية كلفة الانخراط في السياسية ويدرك المدنيون أهمية المؤسسة العسكرية في حفظ الأمن واستحالة استبعادها تماماً من أي عملية لصنع القرار, وبالتالي قد ينشأ إطار تفاوضي جديد بين المدنيين والعسكريين يتنازل فيها العسكر عن الهيمنة في صنع القرار لإتاحة الفرصة أمام السيطرة المدنية المتمتعة بالمؤسسية والرشادة والتنظيم والقادرة على إنتاج البدائل السياسية في مقابل الاتفاق على تمتع العسكريين بقدر من الاستقلالية الاقتصادية والمؤسسية وبعض الميزات المجتمعية.
سادساً: تأتي أخيراً هذه المرحلة التي يكون فيها الجميع جاهزين لوضع قواعد جديدة للعبة بعد أن مرُّوا بكل المراحل السابقة وتعتبر هذه المرحلة أكثر المراحل استعداداً للاصلاح وإعادة الهيكلة والمؤسسة لتأتي بعدها لحظة حقيقية يتمكّن فيها من كتابة عقد اجتماعي وإقامة مؤتمر دستوري وصياغة دستور جديد يعبر عن حوار مجتمعي حقيقي ويعكس القيم والمعايير الديمقراطية الجديدة التي يفترض انها سيتشكّل خلال السنوات المقبلة.
بعد نجاح الثورة تمنينا تحولاً سريعاً وسلمياً نحو الديمقراطية والحرية والعدالة والبناء والتقدم, ولكن الوزن النسبي للقوى السياسية التي أحدثت التغيير ووجود الثورة المضادة قادنا إلى الاعتقاد بأن طريق التحول في السودان لن يكون قصيراً وسهلاً وسيمر بمحطات متعددة من الصعود والهبوط بين القوى السياسية المدنية والمكون العسكري شركاء التغيير ولكن حتماً لن يعود إلى الوراء.
وبعد الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك وعودة الأخير إلى رئاسة الحكومة بعد ضغوط دولية ومحلية للمكون العسكري وتكليف حمدوك بتشكيل حكومة كفاءات مُستقلة، على القوى المعبرة عن هذه الثورة والطامحة للتغيير الحقيقي أن تسرع في الوصول إلى محطة جديدة من محطات الثورة بعد أن فشلت وقوفها في المحطة السابقة والتي تنافس فيها على مصالحها الضيِّقة واستدعت خلافاتها لتصفية حسابات تاريخية, ولكن عليها أن تعيد طريقة تفكيرها.
الآن ونحن على بُعد أسابيع قليلة من الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 19 ديسمبر, على السلطة الانتقالية ان تدرك ان التحول قادمٌ لا محالة وهي بذلك امامها طريقان لا ثالث لهما، طريقة الممانعة والاستجابة لخدمة انصار النظام البائد وهو طريق رجعي سيكلف الجميع الكثير في لحظة تغيير أو الاستجابة لقوى التغيير والإصلاح والقوى الشبابية الثورية والتي تتطلب إعلان خارطة طريق جديدة قبل يناير 2022م بعيداً عن الإقصاء والتهميش لأحدٍ, تضمن تطبيق اجراءات وخطوات العدالة الانتقالية مهما كانت التكلفة وصولاً إلى مصالحة وطنية شاملة في الأجل القريب, وبغير ذلك لا أمل في سودان مُستقر.
باحثٌ في الشؤون الاستراتيجية