سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع.

 

10ديسمبر2021م

مسامرات الجمعة الجامعة والدعوة السامعة

(1)

المذيعة نسرين النمر نموذج حقيقي لتفوق الصحفي في مجال الإعداد والتقديم البرامجي.. وبروزها بهذا الشكل المثير للدهشة يؤكد على أنها استفادت من الصحافة في التقديم والقدرة على إدارة حوار عميق يحتشد بالرؤية والأسئلة الساخنة.. أصبح النضج أكثر وضوحاً في تجربتها مع التقديم البرامجي .. فهي تطاولت على كل الأشكال العادية في الطرح البرامجي .. ولعلها الآن الأميز ما بين المذيعات السودانيات إن لم تكن الأفضل بمطلق الكلمة.

مواصفات علمية:

الكلام أعلاه لم نقله جزافاً ولكنه يستند على واقع علمي بحت وليس كلاماً عاطفياً.. فهي أولاً تتمتع بالشكل المقبول، وصفاتها الشكلية في منتهى القبول والجمال السوداني.. وتتميز كذلك  بصوت واضح وجهور لا سيما في مخارج الحروف، وتتمتّع بحُسن الإلقاء والإصغاء وتعرف اللحظة التي تقاطع فيها ضيفها بلا خلل. كما أنها متقنة تماماً لقواعد اللغة العربية السليمة والقدرة على المزاوجة ما بين اللغة العربية والدارجية السودانية، كلٌّ في موضعه.. كما أنها صاحبة بديهة سريعة تمكنها من تلافي الأخطاء هو أخطاء الضيوف والتخلص من المواقف المحرجة.

مذيعة نموذجية:

والذي لا شكك فيه أنها مذيعة واسعة الثقافة والاطلاع وتستطيع إدارة دفة الحوار ونطق أسماء الأشخاص والأماكن.. ويتمظهر فيها كمذيعة ناضجة أنها واسعة الحلم، صبورة، متأنية لا سيما في إدارة الحوار وعلى الضيوف.. كل تلك المكونات والصفات جعلت منها مذيعة نموذجية ويمكن القول بأنها مذيعة (ستاندر) يمكن القياس عليها.

(2)

يحسب للأستاذ علي مهدي أنه سعى سعياً لتكوين مجلس المهن الموسيقية والمسرحية.. وهذه حقيقة تاريخية لا مزايدة عليها.. نقولها إنصافاً وإحقاقاً للحق.. والحق أحق أن تبع.. رغم أنه موضع تباين من الآراء.. وهو يُعتبر شخصية جدلية.. خصوصاً حينما صدح برأيه في ثورة ديسمبر المجيدة.

ولكن موقفه المعارض للثورة رغم أنه جرّ عليه السخط والغضب الشعبي ولكن كل ذلك لا يمنع أن نقول بأنه صاحب الفكرة حينما دوّنها كفكرة في جريدة الصحافة في مقال بعنوان (قانون الفنان).. خطّط الرجل فكرياً للمجلس حتى أصبح للمجلس قانون تشريعي مُجاز من البرلمان.

لا أريد أن أبحر بالنقاش في تفاصيل قانون مجلس المهن الموسيقية والمسرحية .. ولكن ما يهمّني ويهمّنا كلنا أن الدولة وقتها أجازت له قانونا ليرتقي بالمهن الموسيقية والمسرحية ليهذبها ويشذبها ويفرض الاحترافية والمهنية, ولكن مع الأسف المجلس لم يمارس دوره الرقابي واكتفى فقط بمنح البطاقة (لكل من تقدم لها) ويجب التوقف ملياً في ما بين الأقواس.

حيث لم تتم ممارسة سياسة (الغربال الناعم).. وأصبحت بطاقة المجلس في الجيب الخلفي لكل من هب ودب وأصبح المجلس في وضعية المتفرج على الساحة الفنية بكل تفرعاتها وتشكيلاتها الإبداعية المختلفة.. وما يحسب على (علي مهدي) أنه كان ربان سياسة الطبطبة والمجاملة حيث لا يترك البلاغات تذهب للمحكمة.. فيما عدا حالات نادرة تكاد لا تصل في عددها أصابع اليد الواحدة.

(3)

الفنان العظيم عثمان حسين.. كانت تنسج حول أغنياته العديد من القصص والأساطير.. ولعل أطرفها أن (الجن) يلحن له أغنياته.. وهذا النوع من النسج الخيالي وغير الواقعي.. لو قُمنا بتغيير زاوية الرؤية نجد فيه الكثير من التقدير والمحبة لعثمان حسين.. رغم أنه يتّسم بالمبالغة.. ولكن لأن الألحان التي ألبسها لأغنياته هي بالفعل تعبر عن عبقرية لحنية خارقة.. لا تنتمي إلا للجن والجنون.. فكل أغنية عند عثمان حسين هي تجربة لحنية وشعورية مُختلفة.. وأغنياته من حيث الصياغة اللحنية لا تتشابه.. فهو ظل يتفوّق على نفسه في كل أغنية.. يضع بصمة ولونية مغايرة.

تجربة عثمان حسين في عمومياتها وجدت التقدير.. وصنّفته كواحد من رموز التجديد في الأغنية السودانية من حيث المُحتوى اللحني والمضمون الشعري والشعوري.. ولعله يعتبر رائد ومؤسس مدرسة الشجن في الأغنية السودانية رفقة صنوه حسين بازرعة.. ورغم ذلك السكب الوجداني الدافق.. قد تجد انسانا لا يحب أغنيات عثمان – وذلك حقه بالطبع – ولكن ذات ذلك الانسان تجده (يحترم) التجربة رغم عدم انحيازه لها.

شخصياً أضع لعثمان حسين تقديرا خاصا ليس كمغنٍ فحسب, بل (كإنسان محترم)،  ويعتبر عندي نموذجاً يُحتذى في احترام النفس والآخرين .. فهو حينما شعر بأن صوته ليست على ما يرام وفقد الكثير من جمالياته .. توقف الرجل عن الغناء ليحتفظ بتاريخه الجمالي عند الشعب السوداني .. ذلك هو عثمان حسين الذي قدم محراب النيل .. شجن .. قصتنا .. ليالي الخريف .. الوكر المهجور .. خاطرك الغالي .. عشرة الأيام.. أوعديني وكيف لا أعشق جمالك وغيرها من الروائع الخالدة في وجدان الشعب السوداني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى