في قضية مدبري انقلاب 89م .. معركة قانونية وجدلٌ سياسيٌّ

 

المحكمة تمنح محامي الدفاع الإذن بمقاضاة عضو هيئة الاتهام لوصفه لهم بـ”المستهترين”

الاتهام يُطالب باستبعاد المحامين من تمثيل الاتهام عن الحق العام

سبدرات: طالبنا باستبعاد المحامين لإعادة الحيدة للنيابة في إقامة العدل

سبدرات: قرارات 25 أكتوبر زجت بالنشطاء السياسيين في النيابات وفتحت صفحة بلا مُحاصصات

 

الخرطوم: محمد موسى   8ديسمبر2021م 

بدا يوم أمس الثلاثاء مكتسياً ببرد الشتاء القارص بكافة أنحاء ولاية الخرطوم, غير أنه كان غير ذلك داخل معهد تدريب ضباط الشرطة بالأدلة الجنائية شرقي العاصمة الخرطوم، كيف لا وهو كان مسرحاً لمحاكمة الرئيس المعزول المشير عمر البشير و(27) من قيادات نظامه السابق في قضية مدبري انقلاب 1989م, حيث بدأت الشرارة الأولى لسخونة الأجواء بالقاعة حين تقدم المحامي محمد الحسن الأمين عضو هيئة الدفاع عن المتهمين بطلب للمحكمة يلتمس فيه إبعاد عضو هيئة الدفاع المحامي عبد القادر البدوي من الظهور أمامها لتمثيل الاتهام عن الحق العام بجانب النيابة العامة، لتزداد بعدها الأوضاع اشتعالاً ويعقبه عدد من محامي هيئة الاتهام ويدفعون بوابل من الطلبات القانونية واحداً تلو الآخر ملتمسين من المحكمة استبعاد كامل أعضاء هيئة الاتهام من المحامين, مستندين في ذلك لقانوني الإجراءات الجنائية والنيابة العامة، في الوقت الذي ظل فيه محامو الدفاع عن المتهمين يقصفون بكل طلباتهم القانونية التي لا تخلو من العبارات السياسية نحو هيئة اعضاء هيئة الاتهام من المحامين واكتفى الاتهام بطلب إمهاله فرصة حتى يتسنى له الرد القانوني على كافة طلبات الدفاع المودعة أمام المحكمة.

في ذات الاتجاه, وافقت هيئة المحكمة برئاسة قاضي المحكمة العليا حسين الجاك الشيخ، وعضوية قاضي استئناف على طلب هيئات الدفاع عن المتهمين بمنحهم الإذن بمقاضاة وتحريك إجراءات قانونية في مواجهة عضو هيئة الاتهام عن الحق العام المحامي عبد القادر البدوي وذلك لوصفه لهم في جلسة سابقة بـ(المستهترين).

/

إذن مشروط لمقاضاة

وأعلنت هيئة المحكمة أمس, منح ممثلي الدفاع عن المتهمين الإذن بمقاضاة وتحريك إجراءات قانونية في مواجهة عضو هيئة الاتهام عن الحق العام المحامي عبد القادر البدوي، وذلك لوصفهم لهم بعبارة (المستهترين) في جلسة سابقة أثناء سماع المحكمة لإفادات المتحري.

واشترطت المحكمة إحضار أي محامٍ للدفاع بصفته الشخصية طلباً لمنحه إذناً بمقاضاة (البدوي), لا سيما وان المحكمة منوط بها حماية اطراف الدعوى وشهودها، وذلك بعد أن رفض أمام المحكمة تقديمه اعتذاراً لهيئة دفاع المتهمين لما بدر منه من عبارات في إحدى جلسات المحاكمة التي وصفهم فيها بعبارة (المستهترين), بجانب رده لعضو هيئة الدفاع المحامي محمد الحسن الأمين، قائلاً له: (بأنه يثق في الدكاترة ولا يثق في محمد الحسن الأمين) وذلك أثناء تقديم الحسن مستنداً صادراً من القمسيون الطبي عن المتهم السابع عشر أحمد محمد علي الفششوية، والذي جاء فيه بأنه مصاب بعاهة عقلية ولا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام المحكمة.

لا اشتراط بوزن طلبات

وأشارت المحكمة في حيثيات قراراها الى أنها قد أرجأت الفصل في الطلب عدة مرات لمنح محامي الاتهام فرصة لتقديم اعتذار لمحامي الدفاع لما بدر منه من إساءات لهيئة الدفاع بحسب طلبهم، ونبّهت المحكمة في قرارها الى أن كلمة (مستهترين) التي وصف بها عضو الاتهام, هيئات دفاع المتهمين لها معانٍ كثيرة ومترادفات يعني المحكمة منها ما يفهمه الرجل العادي وهي من العبارات غير المألوفة بها قانوناً وغير مسموح بها في إجراءات المحاكمة مثل (تعطيل سير الإجراءات, المماطلة والتسويف وغيرها)، وشددت على انها عبارات غير مقبولة وتشكل إساءة لمن وُجِّهت إليه لأنها تتجاوز وصف الفعل بوصف سلوك شخصي, لا سيما وان صفة الاستهتار ملازمة له، منوهاً الى ان القوانين الإجرائية والعقابية نصت على الاحترام المتبادل بين الأشخاص وكل المعنيين داخل قاعة المحكمة، وشرعت حال الإخلال بذلك عقوبات، ولفتت المحكمة الى أن نصوص قانون المحاماة يلزم طرفي الدعوى الجنائية سواء أكان (اتهاماً أو دفاعاً) بالاحتكام إليه والالتزام بما ورد فيه للخاضعين له بالتقيد بأخلاقيات المهنة فوق الحد الأدنى الذي يطلبه القانون، وشددت المحكمة على أنها لا تلزم أياً من الأطراف بوزن طلباتهم بميزان دقيق قبل تقديمها امامها، وإنما لكل طرف أن يرى له حقا ضعيفاً أن يتشبث به ويدعمه بما يراه من طلبات دون الإخلال بالنظام الأساسي لجلسات المحاكمة، ونوهت المحكمة الى أنّ  هيئات الدفاع قدمت طلباتها أمامها وجعلتها مفتوحة للاعتراض عليها من قبل الاتهام، ونوهت المحكمة الى أن عضو هيئة الاتهام عبد القادر البدوي، وأثناء عرض مستند يوضح الحالة الصحية للمتهم السابع عشر الفششوية وصادر من القمسيون الطبي عليه لإبداء رأي الاتهام حوله بقبوله أو الاعتراض عليه – حينها افاد البدوي حسب ما هو مدون على الصفحة (668) من محضر المحاكمة بأنه يثق في الدكاترة ولا يثق في المحامي محمد الحسن الأمين، وشددت المحكمة على أن ما ذكره البدوي، يُعتبر من الإساءات التي تنال ممن وجِّهت إليه وتُخالف نص المادة (47) من قانون المحاماة.

في ذات الوقت, وضعت المحكمة قبل تلاوة قرارها خيارين لا ثالث لهما أمام عضو هيئة الاتهام المحامي عبد القادر البدوي، وهما إما الاعتذار لهيئات الدفاع عن المتهمين أو تلاوة المحكمة قرارها في الطلب المقدم ضده، حينها اختار البدوي الخيار الثاني بتلاوة المحكمة لقرارها رافضاً الاعتذار أمام المحكمة لهيئة الدفاع، مبرراً ذلك على أنه لم يوجه أي إساءة لأي شخص موجود بقاعة المحاكمة وإنما علق على سلوك بدر من بعض محامي الدفاع عن المتهمين استهتروا من خلاله على إجراءات المحكمة، وشدد على أنه لا يزال متمسكاً بوصفه باستهتار بعض أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين بإجراءات المحاكمة وظل يكررها عدة مرات الذي وقع أمام المحكمة لعشرات المرات، في ذات الوقت أرجع البدوي رده للمحامي محمد الحسن الأمين (ما بثق فيك) لم يقصده في شخصه – وانما اعتراضه جاء على حديث الحسن أمام المحكمة حول الحالة الصحية لموكله المتهم الفششوية، مشدداً على أنه لا يثق إلا في المستندات الرسمية التي تودع أمام المحكمة.

طلب باستبعاد البدوي

من جانبه, وفي مستهل جلسة الأمس, طالب المحامي محمد الحسن الأمين، ممثلاً للدفاع عن المتهم الرابع عشر محمد محمود جامع، من المحكمة باستبعاد عضو هيئة الاتهام المحامي عبد القادر البدوي من الظهور أمامها وتمثيل الاتهام، مبرراً ذلك الى أن البدوي شاكٍ من ضمن أربعة شاكين وردت أسماؤهم في العريضة التي بموجبها دونت إجراءات الدعوى الجنائية الماثلة أمام المحكمة، مشدداً على أن وجوده ضمن قيادة هيئة الاتهام امام المحكمة يجعل منها اداة سياسية واعلامية موجهة ضد المتهمين, لا سيما وأن البدوي ناشط سياسي وله انتماء سياسي, الأمر الذي يستحيل معه التجرد المطلوب لتمثيل الاتهام والظهور أمام المحكمة، وأضاف الأمين بأنه تقدم بطلبه لإبعاد البدوي من هيئة الاتهام حتى لا تكون المحكمة ساحة ومحلاً للمهاترات والألفاظ النابية بحسب طلبه المودع بمحضر المحاكمة.

طلب بإبعاد محامين

وتسلسل محامو الدفاع عن المتهمين في طلباتهم أمام المحكمة واحداً تلو الآخر, حيث دفع عدد من ممثلي الدفاع عن المتهمين بطلب لاستبعاد أعضاء هيئة الاتهام من المحامين وحرمانهم من الظهور أمام المحكمة الى جانب هيئة الاتهام من وكلاء النيابة العامة، وذلك استناداً لنص المادة (136) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م التي نصت على تمثيل الاتهام في الدعاوى الجنائية أمام المحاكمة بواسطة النيابة الجنائية دون سواها، وبرر محامون طلبهم للمحكمة بإبعاد اعضاء هيئة الاتهام من (المحامين) لما بدر منهم من سلوك يتولونه سياسياً وإعلامياً بعيداً عن كل أسباب العدالة، مشددين على أن هيئة الاتهام ظلت دائماً تسعى للمهاترات في القضية وهم عبارة عن ناشطين سياسيين وجاءوا بمحاصصات سياسية من بينهم عضو هيئة الاتهام المحامي عبد القادر البدوي، الذي دخل لجنة التمكين, وقال في تسجيل صوتي مسجل إنه سيفعل وسيفعل، ملتمسين من تجريد المحامين من هيئة الاتهام الى جانب النيابة، منوهين الى أن طلبهم باستبعاد المحامين من الظهور أمام المحكمة لتمثيل الاتهام عن الحق العام يأتي في إطار إعادة الهيبة الأولى للنيابة العامة في استقامة العدالة, لا سيما وأن النيابة لها الحق الأصيل في تولي الادعاء في الدعاوى الجنائية, مبينين بأنه ولطالما النيابة العامة كانت حاضرة فلا يحق للمحامين الظهور وتمثل الاتهام, لا سيما وأن ظهورهم يمثل انتهاكاً واضحاً لقانون النيابة العامة وقانون الإجراءات الجنائية.

صفحة بلا محاصصة

من جهته, نهض المحامي عبد الباسط سبدرات، ممثلاً للدفاع عن الرئيس المعزول البشير وآخرين من مقعده وأمسك بالمايكروفون مكبر الصوت، وأعلن انضمامه للطلب المتعلق بإبعاد المحامين من الظهور امام المحكمة وتمثيل الاتهام عن الحق العام، مبرراً ذلك الي أن البلاد وابتداءً من 25/10/2021م قد طوت صفحة جديدة من صفحات السلطة وذلك عبر مجئ سلطة جديدة لحكم البلاد هدفها عدم وجود محاصصة سياسية ولا جهوية, وإنما يكون تنصيب حاكم على كل جهاز بالدولة لأهل العلم والمعرفة والدراية، منوهاً الى أن تلك الإجراءات تم الزج على إثرها بالنشطاء السياسيين الذين ينتمون لحاضنة سياسية مُعيّنة بالنيابات، موضحاً للمحكمة بأن أعضاء هيئة الاتهام من المحامين الماثلين أمامها من النشطاء السياسيين، وشدد سبدرات على أنه طالب بإبعاد المحامين من تمثيل الاتهام عن الحق العام وذلك لاستعادة النيابة العامة مكانتها بأن تكون محايدة في إقامة العدل بالقسطاس المستقيم دون أن يكون معها نشطاء سياسيون جاءوا اليها بمحاصصات سياسية بحد قوله للمحكمة.

صراخ وعدم تحمُّل

في ذات السياق, طالب المحامي هاشم أبو بكر الجعلي، ممثلاً لدفاع المتهم الثامن محمد الخنجر الطيب، باستبعاد هيئة الاتهام عن الحق العام، وذلك لتعمدهم الغياب عن الجلسات في الآونة الأخيرة لأسباب غير معلومة لديهم، منوهاً الى أن موكليهم المتهمين ظلوا بالحبس طوال (3) سنوات لأغراض التحري والمحاكمة وظلوا راضين عن ذلك وتحمّلوا السجن والحبس بالرغم ممن زجوا بهم الى هذا المصير لم يتحملوا الحبس لأيام معدودات وظلوا يصرخون واستصرخوا العالم عبر الفضائيات, حينها اعترض ممثل الاتهام عن الحق العام المحامي عبد القادر البدوي على طلب الجعلي، وطالبه بعدم التعليق على العمل السياسي، حينها خاطبه الجعلي قائلاً له: (استغرب اعتراضك وإنت جيت أمام المحكمة من منصة سياسية)، حينها أوقف قاضي المحكمة طرفي القضية وطالبهما بعدم الخوض في أي عبارات أو تعليقات جانبية وتقديم طلباتهما القانونية أمامه، حينها واصل المحامي الجعلي طلبه, مؤكداً للمحكمة بأن غياب هيئة الاتهام سلوك غير مهني ويضر بالمتهمين وأسرهم, مطالباً بأن تتولى النيابة الظهور في القضية وتمثيل الاتهام أصالةً عن نفسها وفقاً للقانون وذلك واختصام المتهمين حتى تبعد الإجراءات عن كل مظاهر العمل والانتقام السياسي الذي عهدناه من هيئة الاتهام.

من جهته, انضم المحامي الدفاع كمال عمر عبد السلام، ممثلاً للدفاع عن الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. علي الحاج، لطلب محامي الدفاع المتعلق بإبعاد المحامين من هيئة الاتهام عن الحق العام من الظهور امام المحكمة، مبررا ذلك الى أن اعضاء هيئة الاتهام درجوا مؤخراً على الظهور والغياب امام المحكمة متى ما ظهر جديد في الساحة السياسية، مشدداً على أن حضور الاتهام ووجودهم بقاعة المحكمة اصبح مرتبطا بحركة دوران السياسة سواء كان ذلك سلباً أو إيجاباً بحد قوله، منبهاً الى أن ذلك الأمر يقود للطعن في حيدتهم، منوهاً الى أنه وبالعلم القضائي للمحكمة فإن الوثيقة الدستورية التي تحدث عنها قانون تفسير القوانين قد ألزمت المحكمة بتطبيق نصوص الوثيقة الدستورية على كافة القوانين السائدة بالبلاد باعتبارها الدستور الذي يحكم البلاد، منوهاً الا أن تلك الإجراءات بالوثيقة الدستورية وضح عدم جدواها في الانقلاب الأخير الذي قاده القائد العام للقوات المسلحة بتاريخ 25 اكتوبر 2021م مما جعل البلاد تشهد فراغاً دستورياً، مشدداً على أن مواد الدعوى الجنائية التي يحاكم بموجبها المتهمون أمام المحكمة ملغاة بالدستور ويجب على المحكمة التصرف وفقاً للدستور الذي يحكم البلاد، بالتالي فإنّ القضية لم تعد بلاغ انقلاب لا سيما وأنه قد حدث انقلابان أحدهما انقلاب ابنعوف والآخر انقلاب البرهان.

فك حجز لأرض

في ذات الوقت, قررت المحكمة فك حجز رهن القطعة بالرقم (775) مربع (26) بمنطقة الحلفايا وتسليمها لصاحبها الأساسي بعد أن اتضح للمحكمة وجود لبس في الإجراءات التي صاحبت حجز قطعة الأرض على ذمة القضية باعتبار أنها تخص أحد المتهمين لتطابق اسم صاحب القطعة مع المتهم حتى اسمه الثالث – ونبهت المحكمة الى أنها وبمخاطبتها لإدارة تسجيلات الأراضي اتضح لها بأن المالك الفعلي للقطعة اسمه الرباعي لا يتطابق مع اسم المتهم، وبالتالي قررت المحكمة فك حجز القطعة وتسليمها لصاحبها.

غياب متهمين ومحامين

في وقت قررت المحكمة, تأجيل جلسة الأمس المحددة لمواصلة تقديم مستندات الاتهام المصورة بواسطة المتحري، وأرجعت ذلك لغياب عدد من المتهمين في الدعوى الجنائية وممثلي الدفاع عنهم, اضافة الى مجموعة الطلبات التي تقدم بها عدد من محامي الدفاع أمامها, الأمر الذي يستدعي تحديد جلسة أخرى للفصل فيها، بجانب انتكاسة صحة أحد المتهمين أمس أثناء انعقاد جلسة المحكمة, مَا استدعى لنقله إلى المستشفى لتلقي الرعاية الصحية اللازمة.

الجدير بالذكر أن المتهم فيصل علي أبو صالح، ساءت حالته الصحية أمس بقاعة المحاكمة أثناء سير القضية وتعرّض لحالة إغماء مُفاجئة, مَا استدعى إسعافه ونقله للمستشفى لتلقي العلاج والرعاية الصحية اللازمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى