صلاح الدين عووضة يكتب : ذكرياتي!!

 

أجريت جرداً..

أو بلغة التجار – ورجال الأعمال – عملت جرد حساب..

ليس جرداً مالياً بالطبع..

فطوال عمري ما كنت امتلك مالاً يستحق الجرد… أو ينتظر أن يُجرد..

وإنما أعني جرداً للذكريات..

 

ما هو صادقٌ منها… وما هو أليم؛ بعكس من قال (الذكريات صادقة وجميلة)..

وهذه حالة فريدة من بين ذكريات شعرائنا..

ويبدو أنّ حاله لا يطابق حالي… من بعد جرد أجراه لذكرياته القريبة والبعيدة..

فوجدها جميعاً صادقة وجميلة… لا صادقة وأليمة..

وأنا أجريت جرداً لذكرياتي؛ فوجدت الأليم منها كثيراً… والسعيد قليلا..

وغالب السعيد منها هذا كان أيام الطفولة..

 

ومن شدة قلتها – السعيدة هذه – بت قادراً على أن أحصيها عددا..

أما الأليمة فلا تعد ولا تحصى..

وسبب كلمتي هذه اليوم عثوري على كراسة ذكريات – ومذكرات – قديمة..

فهالني مبلغ ما حوته من ألم..

حتى الذكريات الخاصة بلقاءات كروية معظمها أليم… أليمٌ جداً..

ومنها ذكرى لقاء المريخ وكانون ياوندي..

 

فكانون هذا كان قد فاز على المريخ في لقاء الذهاب بهدفين دون رد..

وفي لقاء الإياب أحرز حموري الهدف الأول..

فقفزنا من مقاعدنا فرحاً… واستبشرنا خيراً… سيما وأن الهدف جاء مبكراً..

وانتهت عليه الحصة الأولى..

وفي بداية الحصة الثانية أحرز كانون هدف التعادل بقدم مهاجمه (منقا)..

فخيم الصمت على المدرجات..

 

ثم بدأ جمهور المريخ – بعد نصف ساعة – في التوجه نحو بوابات الخروج..

وعندها أحرز سامي عز الدين الهدف الثاني..

كل ذلك – وأحداث أخرى – وجدتها مدونة على دفتر ذكرياتي الأليمة..

ومنها ما هو غير مدون… إلا في الذاكرة..

بل ليته انمحى من الذاكرة هذه نفسها… كبعض ذكرياتٍ مجتمعية موجعة..

فكثيرٌ ممن كنت أحسبهم أصُدقاء صُدمت فيهم..

 

صُدمت إلى الدرجة التي تساءلت معها: أتراني حالة شاذة في دنيا العلائق؟..

وحتى في هذه الذكريات كان هناك ما هو أشد إيلاماً..

مثل أن أُلدغ من شخص أسديت له جميلاً بما هو أشد ألماً من لدغة عقرب..

أو أن يؤذيني أحدٌ أحببته لوجه الله..

أو أن أُفاجأ بمن أتعامل معه بوجه يعاملني بوجهين… أو أكثر..

وكل ذكرياتي الأليمة هذه تهون إزاء ما هو أفظع… إزاء ذكريات السياسة..

 

فقد تفتح وعيي السياسي على انقلاب نميري..

ومنذ ذلكم الحين لم أعش لحظات سعادة سياسية؛ إلا قليلا..

ومن هذا القليل ذكرى ثورة أبريل..

ثم سرعان ما تكدرت سعادتي هذه حين رأيت السياسيين يتجاذبونها طمعاً..

رغم إنها كانت من صنع أيدينا نحن الشباب..

بينما هم – كما وصفتهم قبلاً – كانوا يكتفون بالفرجة من على الشرفات..

 

ثم غدت السعادة هذه ألماً..

وذلك حين اختطف البشير جمل الثورة – بما حمل – لنحو ثلاثين عاماً..

تخيل؛ ثلاثة عقود خُصمت من أعمارنا..

وخُصمت – كذلك – من سعادةٍ كنا نرتجيها في ظل وضعٍ ديمقراطي..

ثم سعدت – وأنا كبير – بثورة ديسمبر..

ولم تدم سعادتي – هذه المرة – سوى أشهر؛ أبصرت بعدها الفشل… والألم..

فحتى ذكرياتي السياسية أليمة دوماً..

 

ويبدو أنها تماثل ذكريات شاعر آخر شعرٍ بالألم نفسه حيال محبوبته..

وهو القائل:

لما إنت خلاص جفيتني

ليـــه بتحكي الذكريات؟

علماً بأن الديمقراطية – في المقابل – هي محبوبتي..

ولكنها تفتأ تدمن مجافاتي؛ من لدن ربيع عمري… وإلى خريفه هذا..

 

ورغم تنكرها الدائم هذا لي تسعد بذكرياتنا..

ذكريات ينطوي جوفها على جدل الحب المستديم… والغدر الأليم..

وأقول لها ما قاله شاعرنا هذا لحبيبته:

إنت لو راضي البعاد..

ليـــه بتحـــكي……

الذكريات؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى