Site icon صحيفة الصيحة

آمال عباس تكتب : وقفات مهمة الثـــــــــــــــرثــــــــــــــــــــــرة

امال عباس

 

3ديسمبر 2021م 

قرأت رواية نجيب محفوظ (ثرثرة فوق النيل) للمرة الثالثة.. وكل مرة تكثر وقفاتي عند الرواية.. وقفت عندها وهي تعري الفئة التي نسميها مجازاً (مثقفون) فئة المتعلمين الذين يعيشون على هامش الأحداث.. وقفت عندها وهي تضيئ اللون الأحمر محذرة من الدور السلبي الذي تلعبه فئة الهامشيين في الحياة السياسية وفي قراءتي للمرة الثالثة أقف اليوم عند كلمة ثرثرة.

تغضب الطالبة عندما تجد في آخر شهاداتها “مستواها حسن ولكنها تثرثر في الفصل”.. وبالتالي يغضب ولي أمرها في البيت.. وعندما يزهج الزوج من زوجته أو الأخ من أخته أو الأب من ابنته يقول لها امشي دي ثرثرة نسوان ساكت، وعندما يريد أحد أن يقلل من شأن جماعة أو شلة يقول “ياخ دي شلة بتاعت ثرثرة ساكت”، وعليه وحسب التعريفات السابقة فالثرثرة تكون كثرة الكلام غير المفيد.. هذا هو المعنى العام وفي هذا يقول أحد الفلاسفة الوجوديين “الثرثرة هي إمكانية إدراك كل شيء دون أي تملك مبدأ الشيء، كما أن الثرثرة في متناول الجميع وهي لا تحرر فقط من وظيفة الإدراك الحقيقي، انما تشكل تفهماً غير مبال ينفي أي إمكانية لعدم التأكد، فالثرثرة وبفضل عدم المبالاة بضرورة العودة لأساس ما يقال.. انما هي انغلاق حتى الجذور”.

فالثرثرة أو “القطيعة” في مفهومها وهذا ليس دفاعاً عن “القطيعة” بالفعل ما هي إلا تصويت صاف.. فالإنسان يثرثر ليؤكد انه إنسان يتجاوب مع الأشياء التي حوله يقول رأيه فيها وحسب بلا تبعات بلا أعباء.. فهو عادي عليه أن يشير.. أما الآخرون فتقع عليه التبعات.. كثيراً ما نسمع بعد نقاش طويل في موضوع حيوي يقول فيه جميع الحضور كلمتهم.. نسمع من يقول “نبدأ الاجتماع.. الآن كفى ثرثرة لننتقل الى ما هو جدي”..

هذا مفهوم الثرثرة في الحياة العامة.. ولكن أرى أن الثرثرة في الفن شيء مختلف تماماً.. فالثرثرة في الفن قضية ربط وغوص وتركيب.. فالشخصيات التي تثرثر في مسرحيات شكبير ومولير وتشيكوف من خلال ثرثرتها تكسب ثوبها الواقعي وتصبغ المواقف والحالات بلونها الطبيعي الحقيقي..

وشخصيات نجيب محفوظ تثرثر وبكثرة في زقاق المدق وفي ميرامار.. في خمارة القط الأسود.. في أولاد حارتنا.. في الشحاذ.. في الطريق.. في ثرثرة فوق النيل.. التي ذاتها ثرثرة كانت لاشتات من النماذج التي تعيق عملية التغيير والتقدم في المجتمع الثوري الجديد..

والثرثرة في الرواية ممتلئة بمحتوى يعرفه أولئك الذين كانوا يقومون بها.. عمي عبده يثرثر.. ليلى زيدان تثرثر.. رجب يثرثر ومن خلال ثرثرتهم خرجت أنا بأن للثرثرة في العمل الروائي والمسرحي بالذات وظيفة.. ألا ترون ذلك..؟!

ألاحظ في كثير من المجالس وفي أذهان الكثيرين من الناس.. فهماً مغلوطاً لما تنادي به المرأة من مساواة وتحرر.. البعض يعتمد نشر هذا الفهم عن قصد وهؤلاء الذين يرفضون التقدم أساساً متمثلاً في رفضهم لتقدم المرأة.. والبعض الآخر هو الذي وقع تحت تأثير مفاهيم الاستعمار والرجعيين والمهم الكل تساعدهم في بث مفاهيم هذه الفئة من الشابات لا تفهم قضية نفسها وتخلط ما بين التحرر والانطلاقة بمفهومنا السوداني..

المطلوب هو توضيح المفهوم السليم لمعنى المساواة والتحرر اللذين تعنيهما.. ويكون ذلك بالفعل لا بالقول.. وبالقطع لا تعني المساواة في الحقوق الهامشية للمجتمعات البرجوازية التي يتمتّع بها الرجل “يدخل ويمرق زي ما داير” أبداً وإنما هي في البداية المساواة في حق العلم والعمل والمواطنة الإنسانية، وبمعنى آخر نتساوى كلنا في أننا أفراد في مجتمع يقوم على احترام الإنسان بلا تمييز من حيث النوع، وهذا ما تقره جميع وثائق الثورة في ميثاق العمل الوطني وفي الدستور..

والتحرر الذي نريده بالقطع ليس هو التحرر من كوننا “أنثيات”، وإنما هو تحرر من الجهل والفقر والمرض.. والخرافة والشعوذة والدجل، بل ويجب أن يكون ولاؤنا مطلقاً لكل ما هو سمح وقويم من سلوكيات وقويم للمجتمع السوداني.. أفهمونا يا هؤلاء..؟!

“مشاورة العيش”

يحكى عن الشيخ فرح ود تكتوك أحد حكماء السودان، أن في احدى سنوات المجاعة قصدته جماعة من التجار وطلبت منه أن يبيعها قدراً من العيش “الذرة”، فقال لهم “اني ذاهب لمشاورة العيش، فتبعه التجار في استغراب واضح، ووقف أمام المطمورة وانحنى على العيش كمن يخاطبه بقوله “الخمري الداخرك لعمري أتعشى بيك وأصبح مشتهيك” وبعد مدة التفت اليهم قائلاً: شاورت العيش فرفض.

مربع شعر:

قال ود الفراش متغزلاً في محبوبته هذا المربع:

خمسة شهور تمام والهل سائق

روحي مشحتفة وانا ماني فايق

لهيج المشرق العند الشوايق

ردودة روحي انا وكت أبقى ضايق

مقطع شعر:

من ديوان الشاعر محمد المهدي مجذوب “نار المجاذيب” ومن قصيدته الجريدة الدامية اليكم هذا المقطع:

جريدة الأمة ما خطبها                   تستنفر الأنصار للفتنة

تبغض الناس على أنهم            قد رفعوا النيران في الظلمة

أم تحسب الأنصار أسيافهم            تفتك بالإخوان في الملة

وتقطع الأرحام في موطن        يسعى الى التآلف لا الفرقة

أم تؤثر الحكم على رفعه      على هدى الإرهاب والسطوى

قد نشر المهدي منشوره              وحرّر السودان بالثورة

وحارب الترك على ظلمهم  حتى هوى غردون في الشرفة

من أمثالنا:

مرارة أب حمادة عند الأكل تتعادى وعند القبيح تنادي.

 

Exit mobile version