آمال عباس تكتب : وقفات مهمة معنى الأخــــــــــــــــــلاق

الموضوع الوحيد الذي ظلت نوافذ الضوء مُسلّطة عليه منذ أن وُجد الإنسان على ظهر الأرض.. هو معنى الأخلاق والحرية الفردية, وطريقة مُمارستها.. ومتى تبدأ وأين تنتهي.. وظلت الأسئلة العديدة تثار على مر الحقب, وبشتى الصور ومن مُختلف الزوايا والمنطلقات, ومنذ الأزل ظلّ الأنبياء والرسل والفلاسفة والعلماء والأدباء يناقشون ويُحاولون إيجاد الإجابات على الأسئلة.. وقد وصلوا إلى أشكال كثيرة من الحلول وإلى تسميات عديدة, وصلوا لمعنى القضية والحق لمعنى الاستلطاف.. الإعجاب.. الحب والكراهية, البغض والحسد وناقشوا الإنسان نفسه.. هل هو حيوان؟ هل هو جماعة؟ هل هو فردٌ؟

وفوق هذا ظلّت علاقة المرأة بالرجل تأخذ حيِّزاً كبيراً ومؤثراً في معنى الأخلاق والأحكام التي تُطلق على المُجتمع المُعيّن. فالإنسان ليس بحيوان وإلا كان كائنا.. يفر من الأذى حين يحسّه ويتلمّس اللذة ويبحث عن الأكل والشرب, أو بمعنى آخر أكثر وضوحاً يحيا ويعيش بغرائزه وإلى غرائزه..

والإنسان أيضاً ليس فرداً يعيش لذاته بمفهوم الحيوان أو الجماد وهو بالمثل ليس جماعة في جسم واحد, فهو لا يعدو أن يكون جزءاً من جماعة أفراد, قد توثّقت الوشائج بين وجوده ووجود تلك الجماعة في الزمان والمكان المُحدّدين. وكل هذا يعني أن الإنسان هو الوسيلة التي تعلن بها الأشياء عن نفسها.. كل الأشياء فهو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يعبر, أن يتحدث, وحتى عندما وجد أنّ الحديث وحده لا يكفي بحث عن وسيلة أخرى بدأ بالرسم, ثم وصل الى الحرف والكلمة المكتوبة فحضور الإنسان إلى العالم هو الذي يعدد العلاقات.. وينشيء المجتمعات ويُنظِّم كيفية التعايش مع هذه الجماعات.

على هذا أنّ التفكير المنظم صفة أساسية من صفات الإنسان وهذا التفكير لا يمارسه حيال غرائزه وحسب وإنما يستخدمه فيما يخص غيره من الناس, فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتّخذ من ذاته وذوات غيره فكره.. فيفكر فيما يعمل, ثم يفكل في أعماله ذاتها.. أخير هي أم شر؟ جمال أم قبح؟ عدل أم ظلم؟ وبمعنى أدق فالإنسانية وحدها قابلة للأخلاق والحقائق, فإننا لم نسمع بأن تورع ذئب عن افتراس طفل.. أو ساورته رحمة أو أحس بأن ذلك ظلم أو أنه ندم, إلا في الأسطورة الخرافية التي توجد في مكان آخر من حيز هذه الصفحة.

فما دام أن الشخصية الإنسانية وحدها تقبل الأخلاق وتفهمها وان السلوك الإنساني وحده الذي يقوم بميزان من التصرفات والحدود والقيود.. تتعارف عليه الجماعة أو ينظمه دين أو عقيدة أو غلبة ما دام ذلك هو الواقع المميز للإنسان على هذه الأرض, فما على الإنسان إلا أن يختار أفعاله.. وفقاً لما حوله من قيم ومُثل متفق أو متعارف عليها تبعد الإنسان عن عالم الحيوان.. وتقربه من سيادة نفسه وغرائزها.

والصراع بين مفاهيم الأخلاق والأجيال المتعاقبة حول كثير من المسائل ليس بالقضية الجديدة.. ففي الحقب والعصور التي سبقتنا جرى نقاش حولها بمثل ما يجري الآن, وبضراوة أشد.. وهذه قيمة الحياة وسر عظمة الإنسان فكلما استطاع الفرد أن ينتصر للفكر وللقيم السامية يحس بالفرق بينه وبين الجمادات, فهو ليس كالنار عليه أن يحرق وحسب.. وليس كالحيوان أعماله عبارة عن رد فعل لغريزة ولا كالآلة تدور كما تدار.

دارت بذهني هذه الأفكار وكثير غيرها حول مسألة الأخلاق ومقاييسها.. وأنا استمع وأشارك في نقاش حول معنى الحرية الفردية وحدودها حول حس الواجب والميل إلى ما نسميه ذوق الجمال وكانت قد برزت أشياء كثيرة أثناء النقاش منها:

  • الأخلاق شيء وحرية العلاقة بين الشاب والشابة شيء آخر.. وهي لا تخرج عن كونها تجاوبا مع الحس بالجمال فينا.!!
  • لماذا يعيش الإنسان دائماً في صراع مع رغباته الحقيقية ومع تفرضه عليه نظم المُجتمع وعرفه؟

وهذه أسئلة كبيرة رأيت أن الحديث عنها ضروري ولم يكن من باب الثرثرة فيما يخص عالم الشاب والشابة السودانية فما رأيهما؟ ولتكن هذه بداية حوار مُلزم ومُلتزم.

  • من التراث

تقول إحدى الأساطير الخرافية الواردة على لسان الحيوان من تراثنا الشعبي أنّ صياداً خرج للصيد وتاه في الصحراء ونفد زاده من أكل وماء.. ولما اشتد عليه الجوع والعطش وقع على الأرض فاقداً وعيه, وصادف أن مرّ به ذئب.. ووجده صيداً طيباً سهلاً, وشرع في افتراسه, غير أن الرجل تحايل على الذئب واستطاع أن يقنعه بأنه اذا أراد وجبة دسمة فعليه أن يذهب به الى مكان بهماء ويبله حتى يسهل أكله, وبدأ الذئب في جر الرجل الى مكان الماء وكان قد نسى الرمح.. فعاد الرجل وأقنع الذئب بأن يرجع ليحمل الرمح حتى يساعده على تقليبه في الماء حتى يبتل كله.. ولما وصل الذئب والصياد والرمح للماء شرب الرجل وانتعش وارتوى جسمه.. فهب فجأة وأخذ رمحه وسدد به طعنة قاضية على الذئب.. وقبل أن يموت الذئب مر به اخوانه وسألوه عن الأمر فقال لهم وهو ينازع الموت.. ابن آدم ما تبلو.. أكلو ناشف..!!

مربع شعر:

الحاردلو شاعر البطانة ظل يتعشق الجمال ويتغزّل فيه حتى وهو في سن متقدمة.. يقال إنه غاب فترة عن بلدته الصغيرة ولما رجع رأى فتاة جميلة في الطريق شدّت انتباهه فقال:

حتى عبد الله شاف الحال معانا ضعيفة

ما قال ضوء خلت في عقابها خليفة

الضايقين لماها قالوا إن حلفونا حليفة

حلوة ولينة يدفي جليده من الزيفة

مقطع شعر:

من ديوان نزار قباني أشعار خارجة عن القانون ومن قصيدته (إلى صاحبة السمو.. حبيبتي سابقاً) إليكم هذا المقطع:

وتزوجت أخيراً..

بئر نفط..

وتصالحت مع الحظ أخيراً..

كانت السحبة – يا سيدتي – رابحة

ومن الصندوق أخرجت أميرا..

عربي الوجه.. إلا أنه..

ترك السيف يتيماً.. وأتى

يفتح الدنيا شفاهاً.. وخصورا

فاستريحي الآن.. من عبء الهوى

طالما كنت تريدين أميراً..

تتسلين به وقتاً قصيراً..

يتسلى بك – يا سيدتي – وقتاً قصيراً

ويمد الأرض، من تحتك، ورداً وحريراً

فاشربي نفطاً.. وسبحان الذي

جعل البترول مسكاً وعبيراً..

من أمثالنا:

بيت الشورة ما خِرِب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى