كاربينو يكتب:عبد الرحيم دقلو وعودة حمدوك الدعم السريع.. إسهامات متواصلة

ظلت الساحة السياسية لأسابيع طويلة محبوسة الأنفاس وتخيم عليها سحب ضبابية قاتمة في ظل تشظي المكونين المدني والعسكري وتباين المواقف بين جميع الأطراف حتى كادت أن تصل إلى مرحلة اللا عودة, وهذا الانسداد كان محبوساً داخل الأروقة السياسية, ولكن سرعان ما طفح الكيل به وبدأت كل الأطراف تتمترس حول مواقفها حتى وصل صداها إلى الشارع, فهو الأخير انقسم ما بين قصر معتصم وميناء منغلق وجسور تسد في وجه شارع آخر كلهم أبناء وطن واحد, فكان لا بد أن نشاهد مواقف أخرى وقرارات استثنائية وهو ما حدث في الخامس والعشرين من اكتوبر على الرغم مما صاحبته من خشونة إلا أنها كانت خطوة متوقعة عند كثيرين ولكن لم تكن هي المنجية أيضاً, بل زادت الوضع تعقيداً فشهدت الشوارع تصعيداً غير مسبوقٍ, سُفكت فيه دماء كان من الممكن تلافيها, ولكن هذا ما حدث.

ظلّت القوى الكبرى وبعض الدول الإقليمية تصل وفودها مُتواترة إلى مطار الخرطوم بين مؤيد ومتوعد ومتوسط، لم تحرِّك تلك الوفود الصخرة والجدار المتجمد ما بين العسكر والمدنيين, بل تصلّبت تلك الحواجز لأنّ هذا الانقسام الحاد ما كان وليد اللحظة, بل هو نتاج طبيعي لأخطاء متراكمة صاحبته منذ توقيع الوثيقة الدستورية, ولأنّ طبيعته وفك طلاسمه مُعقّدة نتيجة لتداخل الأجندة ما بين أيديولوجية وصراع محاور إقليمية ومنطقة مضطربة, فكان لا بد من مسار آخر يستطيع أن يحدث شرخا حقيقيا يقرب وجهات النظر ما بين شركاء الأمس وغرماء اليوم, وهذا لا يكون إلا من داخل أهل الوجعة, لذا رأينا كل الوفود تعود وتخرج ولا تحدث أي وكالة إعلامية بما جرى داخل الغرف المُغلقة, لأنها حقيقة لم تكن هناك مخرجات, ولكن في الساعات الأخيرة وقبيل لقاء الجنرال البرهان ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي كان هنالك جهد جبار ومفاوضات استمرت حتى ساعات الليل الأخيرة كان يقودها الرجل الثاني في قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو في مقر إقامة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك لم تكن معلنة حتى من قبل مكتب رئيس مجلس الوزراء, لأن الرهان كان يلازم أي لقاء يجري بين الجانبين بشروط عودة الوضع إلى ما قبل 25 أكتوبر وهذا موقف حمدوك.

فكيف استطاع الجنرال عبد الرحيم دقلو أن يفعل ما عجزت عنه كل تلك الوساطات وما هو الشئ الذي همس به في أذن رئيس مجلس الوزراء حمدوك تجعله يعود من بعيد إلى نقطة تلاقٍ ما كان من السهل أن تتم حتى جاءت الاتصالات مُتسارعة إلى القصر تبشِّر بقرب انفراجة حقيقية, بدأنا نسمع عن اتفاق البرهان وحمدوك حتى ظن البعض أن ما جرى كان مسرحية, ولكن الذين غاصوا في عُمق الأزمة يعرفون ما مدى ان الجرح كان غائراً, ولكن هي المواقف التي دائماً ما تميز الصفوف وتعرفنا بمعادن الرجال وما أعظمهم من رجال.

فمنظومة قوات الدعم السريع كلما أراد خصومها أن يحصروها في دائرة الميدان العسكري التي هي أيضاً برعت فيه وتفوقت في شتى الميادين, لكن أبت نفوس قادتها الذين كانوا بالأمس يسهرون قابضين على الزناد لتأمين البلاد وايقاف تجارة تهريب البشر أكسبها ثقه إقليمية ودولية وإسهامات متنوعة داخلية, أبهرت الكثيرين.

ومواقفهم في ثورة ديسمبر كانت أيضاً شاهدة, وها هم اليوم يعودون من بوابة الوساطة الموثوق فيها وسط كل المكونات السياسية, فهذه الدروس التي ظلّت تُقدِّمها قوات الدعم السريع يجب أن يفهمها الحاقدون والجاهلون على حد سواء إنهم معادلة لا يمكن تجاوزها أو التقليل منها تحت أي ظرف من الظروف, فهم الحصن الحصين لهذا الوطن, وما كان للمؤسسة العسكرية أن تفتح صدرها وتفسح المجال لهذا الصعود المتواصل لهذه المنظومة لو لا أنهم عاشوا مراحل أقنعتهم بأن هؤلاء الرجال حقيقة هم صمام الامان لهذا السودان في حاضره ومُستقبله أيضاً.

وكلما تململ الساسة وسارعوا إلى إلباسهم ثوب الافتراءات, حملت الأيام ما تبرئهم به من تلك الدّسائس.

 

 

محمود مجدي موسى الجدي

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى