عازف الساكسفون حسين سعيد الناقور .. بواباتي إلى عالم الموسيقى.. كلمة وصوت وريش

ولــــد حـسـين سعيد الـنـاقـور 27 عــامــاً، في مـحـلـيـة كـتـم بــولايــة شـمـال دارفــــور، حيث درس مراحلة الأولية في التعليم (الأسـاس والـثـانـوي) بمــدارس مدينة كـتـم، ثـم انتقل إلى الخرطوم لدراسة الموسيقى في جامعة الـــســـودان لـلـعـلـوم والـتـكـنـولـوجـيـا – كلية الموسيقى والــدرامــا والـتـي تـخـرج فيها الــعــام  2015 كــعــازف مـتـخـصـص عـلـى آلـة الساكسفون والبيانو، أثناء دراسته الجامعية تمكن العازف الناقور مـن دراســـة موسيقى الجــاز والـبـلـوز بمعهد يس أكاديمك الأمريكي في الـسـودان، كما درس خلال الفترة المـوسـيـقـى الـتـصـويـريـة للمسلسلات والمسرحيات وحصل على المـركـز الأول من جماعة المـسـرح المـتـجـول في الخـرطـوم، وشارك في العديد من مهرجانات الإبداع الطلابي ومهرجانات الموسيقى مثل مهرجان الجــاز الـرابـع بـالمـركـز الـثـقـافي الفرنسي في الخرطوم.

عــمــل الـــعـــازف حــســين الــنــاقــور عـقـب الـــتـــخـــرج, مـــســـاعـــداً لـــلـــتـــدريـــس في كـلـيـة المــوســيــقــى والــــدرامــــا بـجـامـعـة الـــســـودان لـلـعـلـوم والـتـكـنـولـوجـيـا، كـمـا عـمـل أسـتـاذا بمـركـز شـبـاب السجانة وبـــإدارة الموسيقى العسكرية في الخرطوم بـــالإضـــافـــة إلــــى تألــيــف الـــعـــديـــد مـن المـــقـــطـــوعـــات المــوســيــقــيــة الـــتـــي وجــــدت استحساناً كبيراً، أسس الناقور مجموعة مــون وكــر الثقافية بمحلية كتم وهو عـضـو في فـرقـة أمـاسـي الـفـاشـر ومؤلف مجموعة من المسرحيات، هو أيضاً عضو في مجموعة سودانيات للموسيقى التراثية في الخرطوم التي تعزف الموسيقى التراثية بمصاحبة رقص الصالات.

جلس الزميل الصحفي صلاح محمد الى الـــعـــازف حــســين الــنــاقــور، وخرج منه بالإفادات التالية:

= حــدثــنــا عـن بـدايـاتـك مــع الــعــزف ومــا هــو الـشـئ الــذي دفعك للدخول إلى عالم الموسيقى؟

= أعـتـقـد جــازمــاً انــنــي ولــدت والموسيقى تجـري في عروقي, منذ طفولتي بـــدأت كــرســام ووجــــدت دعــمــاً كــبــيــراً من والـدتـي لـدراسـة الموسيقى وقـد نصحتني بتطوير مـهـارة الـرسـم بـدراسـة الموسيقى وقبل ذلك كنت عضواً في مجموعة اصدقاء الطفولة والمسرح بمحلية كتم وهذا شجعني على كتابة القصص والمسرحيات من خلال كــتــابــة مـــذكـــراتـــي الــيــومــيــة عــنــد عــودتــي لـلـمـنـزل، ومــا دفــعــنــي أيــضــاً لــولــوج عـالـم الموسيقى هـو حبي للموسيقى السودانية حيث كانت أُمنيتي ان اصبح عازفاً ممتهناً للموسيقى لأنـهـا هـي الـشـئ الوحيد الـذي يخاطب وجــدان الانـسـان. ولكنني وجـدت معاناة كبيرة في دراسة الموسيقى لانني لم اجـد احـــداَ مـن منطقتي يــدرس الموسيقى ما جعلني افكر في تـرك الـدراسـة في العام الأول, لانــنــي لـــم اجـــد شــخــصاً يـخـاطـبـنـي باللغة الـتـي أتعامل بها أو مــن بيئتي, وفي العام الثاني تشجعت كثيراً لإكمال دراستي ومن ثم العودة الى دارفور لملء الفراغ الذي وجدته بعد ان دخلت عالم الموسيقى.

= حـدثـنـا قـلـيلاً عن مؤلفاتك الموسيقية؟

– بعد ان اصبحت عـازفـاً متخصصاً في الموسيقى, بدأت التأليف الموسيقي من خلال الزيارات التي أقوم بها إلى مناطق السودان المختلفة وفي احدى زياراتي شاهدت اوراق الاشـجـار وهـي تتساقط تشكل لـونـاً زاهـيـاً عــلــى الارض, فــألــفــت مـقـطـوعـة «تـسـاقـط اوراق الشجر في فصل الربيع», وكذلك ألفت مقطوعة قندالة على ايقاع الكرن في احدى زيــاراتــي لمنطقة جـبـال الـنـوبـة. وكـذلـك لي تجارب في التأليف المسرحي ومازلت باحثاً, وأسـعـى لإنـتـاج مـقـطـوعـات موسيقية بآلة الساكسفون ولـدي الآن فرقة استعراضية مصاحبة في مـجـال الـتـراث مـا مكنني من انـــتـــاج عـــدد مـــن المــقــطــوعــات المـوسـيـقـيـة, ومنطقة دارفور غنية بالإيقاعات لكنها اندثرت بسبب عدم التوثيق.

 

= في اعتقادك، كيف يمكن التوثيق بنجاح للموسيقى الدارفورية؟

إيقاعات الموسيقى الدارفورية متفردة ومتنوعة وما هو موجود في دارفور يختلف عن الموسيقى الحديثة, لأنها تستخدم آلات شـعـبـيـة بـحـتـة, فـهـي تـعـطـي المـنـظـومـة الإيـقـاعـيـة الحقيقية للموسيقى الشعبية والتراث المحلي باستخدام القرع والبخسة والـفـنـدك. ويمـكـن التوثيق لـهـذا الـنـوع من المـوسـيـقـى بـالـبـحـث عــن الــنــاس المـهـتـمـين بالتراث, وهناك الآن فنانون شعبيون لكنهم غير معروفين، فلا بد ان نصل اليهم لمعرفة مخزونهم المعرفي عن تراث دارفور.

= كم آلة تجيد العزف عليها وأيُّها تحب؟

اعـــزف عـلـى آلــة الساكسفون والبيانو والناي ولكنني أحب الساكسفون أكثر.

= حـدثـنـا عــن الـفـن والموسيقى فى دارفور؟

في دارفــور الآن هنالك تطور مــلــحــوظ في المــوســيــقــى الــســودانــيــة وقــد تأسست اكثر من عشر مجموعات ثقافية لــلــتــراث لان المـجـتـمـع مـسـتـبـشـر بــالأمــان والسلام والتنمية وهذه المجموعات تشكل حـــراكا ثــقــافيا يـعـكـس الــتــطــور في الــتــراث واصبحت هنالك منتديات مفتوحة للجميع.

= مـا هـي الـتـحـديـات التي تواجه الفنانين والموسيقيين في دارفور؟

التحدي الذي يواجه الفنانين والمــوســيــقــيــين هـــو الـــدعـــم المـــــادي لـتـعـزيـز ورعاية الفنون ويمكن أن يكون هذا الدعم مـن خلال تـوفـيـر الـتـرحـيـل ليتمكن هـؤلاء الفنانون من القيام بأنشطتهم في مختلف المناطق بدارفور.

= مـا هـو دور الـفـن والموسيقى في بناء السلام؟

الموسيقى ليس لها لغة محددة فهي لغة الجميع ولها دور كبير في بناء السلام من خلال مخاطبة الوجدان فهي تـرسـم لـوحـة زاهـيـة وتـوصـل الرسالة المطلوبة بدون كلمات. ويمكن للموسيقى ان تفعل ما عجز عنه الحوار، وكذلك من خلال الدراما يمكن تجسيد آثار الحرب ما يساهم في عودة المحاربين الى أرض الوطن.

 

= هـل قُـمـت بتأليف مسرحيات أو مقطوعات موسيقية لنشر ثقافة السلام؟

نعم، قمت بتأليف مسرحية “السلام” في منطقة عين سرو بمحلية كتم بـولايـة شمال دارفـــور. وهـي مسرحية تحـكـي عـن آثـــار الحـــرب في المـنـطـقـة وكـان الحــــوار في المـسـرحـيـة بـالـلـهـجـات المحـلـيـة والـتـي كـان لها أثـرٌ على التعايش السلمي في المنطقة. مثل هذه المساعي تساهم في تحقيق السلام والتنمية, لأننا لم نكن نعرف القبلية ولا الجهوية .

= هـل يمـكـن لأغـانـي الــتــراث الــدارفــوريــة أن تـسـاهـم في جمع الناس من أجل التعايش السلمي؟

عــنــدمــا اذهــــب مـــع فـرقـتـي الموسيقية الى السوق وأُقيم حفلًا موسيقياً دائــمــاً مــا يـدهـشـنـا الـتـجـاوب الـــذي نجـده مـن الـنـاس بمختلف طبقاتهم, فـهـم يغنون ويـتـصـافـحـون ويـعـبـرون عـن حبهم لبعضهم البعض. ويمكن ان تسمع اصــوات السلام مـــن خلال هــــذه الــتــجــمــعــات. المـوسـيـقـى تـخـاطـب وجـــدان الــنــاس والمـوسـيـقـى الـتـي أقدمها تعكس التراث والبيئة المحلية, لذلك يتفاعل الناس بروح السلام خلال العروض التي نقدمها.

 =ما هي تجربتك مع الأغاني التراثية؟

لقد أسست فرقة استعراضية خـــاصـــة بـــــأداء الأغـــانـــي الــتــراثــيــة بـاسـم «مـريـومـة», ورغـــم أنـنـي غـيـر متخصص في الموسيقى الدارفورية التراثية, ولكنني أدمج الموسيقى السودانية في أعمالي الموسيقية، ولـــذلـــك يـــكـــون الــتــركــيــز عــلــى المـوسـيـقـى التراثية أكثر مـن الموسيقى الحديثة ومن خلال المجموعة نقوم بالمزج بين الموسيقى الحـديـثـة ومـوسـيـقـى الـــتـــراث، وقـــد كـانـت أغاني التراث اضافية حقيقية لمسيرتي في مجال الموسيقى.

= كــيــف تـخـتـلـف المــوســيــقــى الـــســـودانـــيـــة في ســمــاتــهــا عـن الموسيقى الشرقية والأفريقية؟

كـــل بــلــد لـــه أســـلـــوب مـعـين لاستخدام السلالم الموسيقية، فمثلما نحن في الـــســـودان نـسـتـخـدم الـسـلـم الخـمـاسـي ولـكـنـنـا لا نــقــول ان هــذا الـسـلـم المـوسـيـقـي هـو خـاص بـالـسـودان ولكننا نـعـزف بـه كل الاغـانـي السودانية. كما يمكننا أن ندخل نكهة شرقية وهي أصلاً موجودة في دارفور من خلال الهجرات العربية من تونس وبعض الــــدول الـعـربـيـة الأخــــرى بـغـرض الـتـجـارة والـــرعـــي وبــعــد ذلـــك حـــدث تــــزاوج بينهم والـقـبـائـل الـسـودانـيـة, مَـا أدى الــى تمـازج في الـلـغـة والمـوسـيـقـى. هــذا بـالاضـافـة الـى تأثير وجــود الجـالـيـات الشامية والمصرية في السودان ما ادّى الى مزج بين الموسيقى الشرقية والسودانية. ولــــــي ارتــــــبــــــاط وجــــــدانــــــي وروحــــــي بالموسيقى الشرقية لانها تعكس إمكانياتي وامكانيات الآلـة التي اعـزف عليها في كل الاعمال لان السلم واحد.

= لـديـك تجـربة في بــرامــج الـبـحـث عــن المــواهــب في دارفــــور، حدثنا قليلاً حول هذه المشاركة؟

نعم، بعد عودتي الى دارفور كانت امنيتي ان أُسس مدرسة لتعليم الموسيقى في مدينة كتم ونشر ثقافة الموسيقى بين الناس. مـن المــعــروف في دارفــــور أنّ أي شـخـص في المـنـطـقـة يــُحــاول دراســــة المـوسـيـقـى يـُواجـه عقبات كثيرة من جانب الأُسر والمجتمع وبــرغــم هـــذه الــتــحــديــات, فـقـد نجحت في تأسيس هـذه المـدرسـة في كتم ووجـدت الفكرة القبول بمشاركة  27 طالباً وطالبة في مختلف التخصصات مثل الـعـزف على آلة العود اوالساكسفون او البيانو وغيرها وقــد تـخـرجـت كـل المـجـمـوعـة، كـمـا اسست فرقة مون وكر في كتم بالتعاون مع الزملاء نصر عبد الله والأمين عبد الله وأمين عبد الرحمن وهـي لـم تكن مجموعة موسيقية لـلـتـرفـيـه فـقـط, بـل كـانـت مـجـمـوعـة خيرية طوعية. وأول عمل قامت به هذه المجموعة هــو نـظـافـة المـسـتـشـفـى وقــد كـنـا نستخدم المـوسـيـقـى لأغـــراض الأنـشـطـة الاجتماعية الــتــي تجـمـع الــنــاس مــع بـعـضـهـم الـبـعـض. وخاصة الشباب لغياب الأنشطة الثقافية في المنطقة. وقد استخدمنا الموسيقى لتشجيع الشباب للإقلاع عن تعاطي المخدرات من خلال حملة في الأسواق وأندية الشباب.

= هــل لاحـظـتـم أي تغيير في سلوك الشباب بعد هذه البرامج وحملة مكافحة المخدرات؟

كان هناك التفاف وقبول من المجتمع لهذه المبادرات بمشاركتهم الفعّالة في هــذه الأنـشـطـة. وعـنـدمـا بــدأنــا العمل, كــانت هــذه الـفـعـالـيـات مجانية, لـذلـك كانت هنالك مُشاركة عالية مـن الـشـبـاب. وهي كانت أنشطة تهدف لتعزيز معرفة الشباب بالقضايا الأمنية وإثنائهم عن الانخراط في الـسـلـوك الـضـار. وقـصـدنـا أن تـكـون هذه البرامج في المساء بالأماكن التي يتواجد فيها الشباب بكثافة ليشعر الناس بالأمان وانــه لـن تـكـون هـنـاك أي تـداعـيـات نتيجة لمُشاركتهم في هـذه الحـملات. والـهـدف هو الاعــتــراف بـالمـشـاكـل الـتـي تُواجـه الشباب والعمل على إيجاد حلول جماعية لها لأن الشباب هم مستقبل أي دولة .

= هــل كــانــت فـكـرة اقامة فصل دراسـي للموسيقى في كتم هو مشروع يمكن ان يمتد ليشمل جميع انحاء دارفور لتغيير رؤى الشباب حول الموسيقى ومخاطبة القضايا الاجتماعية؟

نعم، كان الهدف الاساسي من إقامة مدرسة للموسيقى هو بداية مشروع يشمل جميع أنـحـاء دارفـــور. ويمـكـن تلبية الـعـديـد مــن الاحــتــيــاجــات مــن خــلال هـذه المُــشــاريــع مـنـهـا الاهـتـمـام بـالـتـراث ونشر ثقافة الموسيقى وسط الناس من مجموعات مختلفة. ومثال لذلك عندما ذهبت لدراسة الموسيقى في الخرطوم لم أجد طالباً واحداً من كتم. وقد قابلت طالباً واحداً من الفاشر، وهــذه دلالــة واضـحـة على ضعف الاهتمام بالموسيقى في دارفـور، والهدف الآخر أيضاً هو التوثيق للتراث الدارفوري المتنوع.

= هـل لديك رسالة خاصة لأهل دارفور؟

رسالتي لأهـل دارفــور هي أن يتسامحوا فيما بينهم، لأنه ما من شئ مُثمر يأتي مـن خـلال الـصـراع.. إن التسامُح هو المفتاح لنشر السلام والاسـتـقـرار في جميع أنحاء دارفور.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى