قرار حمدوك بوقف التعيينات.. عودة لمربع الثورة أم محاولة لاستمالة الشارع؟

 

 

تقرير: مريم أبشر      25 نوفمبر 2021م 

الإعلان السياسى الذي وقع عليه الدكتور عبد الله حمدوك مع قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وعاد بموجبه رئيساً للوزراء بصلاحيات كاملة، منحه مطلق الصلاحيات في إدارة العمل التنفيذي في كل انحاء البلاد دون تدخلات وعراقيل من حاضنة سياسية او مجلس سيادي.. لذا فقد كان أول قراراته التي ربما تسهم في صدق توجهه لإعادة الأمور الى نصابها جراء ما أحدثته قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي هو إصداره توجيهاً بالوقف الفوري للإعفاءات والتعيينات بالخدمة المدنية على المستويين القومي والولائي وذلك الى حين إشعار آخر وفقاً لنص التوجيه، كما وجه بإخضاع حالات التعيينات والإعفاءات التي تمّت خلال الفترة الماضية للدراسة والتقييم والمراجعة.. ولكن بالنظر للقرار بعمق ربما لا يخرج كنهه عن خيارين أولهما ان حمدوك يريد به العودة لمربع الثورة, بينما يمضي الآخر في انه يريد استدرار عطف الشارع.

ضياع كوادر

التوجيه الذي أصدره حمدوك صباح أمس وجد ارتياحاً لدى العاملين في مؤسسات الخدمة المدنية, حيث تسببت قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر في ان يفقد عدد كبير من كوادر الخدمة المدنية في كل مفاصل الدولة لوظائفهم نتيجة مواقفهم من الإجراءات الأخيرة التي اعتبروها انقلاباً على الحكومة الشرعية  وفي ذات الوقت فتحت الإجراءات الباب واسعاً أمام عودة عدد كبير من كوادر المؤتمر الوطني المحلول، الذين أزالتهم لجنة ازالة التمكين واعادت بعضهم المحكمة الإدارية العليا، الأمر الذي فتح الباب واسعاً امام التكهنات بأن ما تم ليس تصحيحاً للمسار وانما انقلاب أعاد الفلول للواجهة. وهنا يتساءل المراقبون عن الكيفية التي ستتم بها مراجعة ما جرى من دخول عناصر في مرافق هامة في الخدمة المدنية كالبنوك وأجهزة الإعلام الرسمية وغيرها من مؤسسات.

إلغاء

اول توجيه لرئيس الوزراء يتعلق بالخدمة المدنية وما طالها من تغييرات سريعة أعقبت قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي والذي قضى بوقف إجراءات الإعفاء والتعيينات واخضاع ما تم للتقييم اعتبره مراقبون بمثابة اعلان مبطن لعودة الامور الى ما قبل الخامس والعشرين, وأن شكل صياغة التوجيه جاء يحمل قدراً كبيراً من الوقار الذي يحفظ الحد الأدنى للتعاون بين الشريكين لإدارة الفترة الانتقالية وفق الاعلان الموقع بينهما وان تعود الامور الى ما كانت عليه وكأن شيئاً لم يكن.
وقال سفير مخضرم فضل حجب اسمه, إن السفراء الذين شملهم الايقاف عقب اجراءات 25 لم يتوقفوا وظلوا يعملون لصالح عودة الحكم المدني الديمقراطى،  خاصة السفراء المتواجدين بالخارج، ونسب المصدر قدراً كبيرا مما حدث من استعادة الامور لهم بما قدموه من شرح في الدول الأجنبية التي كانوا فيها، واشار الى انهم لعبوا دورا كبيرا في اعادة رئيس الوزراء وما زالوا يواصلون  توضيح ما جرى للعالم والدول والمنظمات المساندة للديمقراطية, ونفى المصدر ان يكون السفراء الذين اعادتهم المحكمة الادارية قد عادوا الى عملهم, واشار الى ان الوكيل المكلف ليست لديه القوة القانونية لاعادتهم, فضلاً عن وجود تفسيرات قانونية كثيرة تشير الى ان القرار لم يكن نهائياً, بجانب إن الإعلان السياسي منح حق مراجعة قرارات لجنة التمكين عبر لجنة الاستئناف وهذا يتطلب إخضاع المُعادين للخدمة للمراجعة, وذكر ان عدم عودة فلول النظام البائد أكد عليها حتى الطرف العسكري, أضف إلى ذلك أن القوانين التي مُنحت في السابق رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الحق في الفصل والتعيين ما زالت موجودة.

إبعاد الانتماء

اعتبر الأستاذ الإعلامى عمار عوض, التوجيه الصادر من رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك الخاص بوقف التعيينات والإعفاءات وتقييم ما تم عقب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر جاء في وقته ومكانه, واتفق على أهمية مراجعة كل التعيينات والإعفاءات التي تمت في الخدمة المدنية, وان تكون مصلحة الوطن وتجويد الأداء المرجعية الأساسية للمراجعة والمشاورات, ويرى ان السودان يحتاج لاقامة مفوضية للخدمة المدنية لتقوم بهذه المهمة ومراجعة كل ما يتعلق بالأداء في الخدمة المدنية من أجل التطوير وعدالة التوزيع للفرص على أقاليم السودان, وان لا يكون الانتماء السياسي سببا في نيل او فقدان الوظيفة كما كان يحدث في السابق وان تكون الافضلية للاداء والخبرات وليس الانتماء, وفيما يلي الاعلام اشار عمار في حديثه لـ(الصيحة) الى ان هنالك خبرات مشهود لها بالكفاءة, لافتا الى ان من يتولى المؤسسات الاعلامية خلال الفترة القادمة يجب ان يكون مؤمناً بأهمية استقرار البلد ومصالح السودان, خاصة وان البلاد مقبلة على فترة حساسة تتعلق بالاستحقاق الانتخابي عقب انتهاء الفترة الانتقالية وانتقال الحكم لقيادة مُنتخبة.

قرار حكيم

الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير, وصف القرار الذي اتخذه الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء بوقف التعيين والإعفاء ومراجعة ما تم بالقرار الحكيم, ويرى ان كل الامور في دولاب الدولة يجب ان تُدار وفق الضوابط, ويرى في حديثه لـ(الصيحة) ان المراجعات لما تم من تعيين وإعفاء في الخدمة المدنية ينبغي أن تتم عبر لجنة متخصصة للنظر في الوظائف وإجراء التصحيح اللازم لها, وان يتم طرح وظائف عبر المفوضية لملء الفراغات إن وجدت, وشدد على أهمية أن تكون لجنة المراجعة مُحايدة ونزيهة في عملها حتى تخرج التقييم الذي يصحح المسار في الخدمة المدنية.

قرار خجول

رغم إشادة كثيرين بالقرار الذي أصدره حمدوك، الا أن آخرين يصفونه بالخجول والمتأخر جداً وقال الاستاذ آدم جريجير المحامي في حديث لـ(الصيحة) ان القرار كان ينبغي ان يصدره رئيس الوزراء فور رجوعه لمنصبه, لافتا ان اجراءات البرهان مثلت انقلابا نتج عنه اصدار اكثر من 400 قرار فصل بمُوجبها عدد من الموظفين ومديري بنوك, وقال ان القرار كان ينبغي أن يكون بإعادتهم مباشرة لعملهم وليس تشكيل لجنة للدراسة, واشار آدم الى أن معظم من اعادتهم قرارات البرهان فصلتهم لجنة إزالة التمكين نتيجة لعدم نيلهم للوظيفة بالطرق الصحيحة والاجتهاد بأن تكون الوظيفة وفق الكفاءة وليس الانتماء كما كان يحدث إبان العهد البائد.

حق وباطل

كثيرون يرون ان قرار حمدوك يأتي في موضع “حق أريد به باطل”, مبينين أن حمدوك أراد بالقرار ان يستعطف الشارع العام, خاصة في ظل الهجوم المستمر ضده, في وقت لن يغير فيه قراره شيئاً على أرض الواقع من واقع أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وبمجرد عودته لرئاسة مجلس السيادة أصدر مرسوماً جمهورياً في 12 نوفمبر ألغى بموجبه وجود الجيش في السلطة وحصّن القرارات التي اتّخذها بعقد صلاحية مراجعتها للمجلس التشريعي الانتقالي, ما يعني أن قرار حمدوك سيصطدم بذلك المرسوم الجمهوري, ولفتوا الى أن حمدوك يعلم ذلك جيداً, لذا فقد جاء قراره مطلقاً بأن تراجع التعيينات من غير أن يحدد سقف زمني أو جهة محددة للمراجعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى