Site icon صحيفة الصيحة

صحيفة بريطانية.. الخوف من العُنف الدموي في الخرطوم

ترجمة: إنصاف العوض

حذّرت صحيفة (ال انسايدرديجتال البريطانية) من اندلاع ثورة مُضادة حال استمرت قوى الحرية والتغيير في مطالبها الرامية لتشكيل حكومة مدنية دُون مُشاركة الجَيش، وقالت الصحيفة إنّ مُحاولات إحداث تَغييرات جذرية بمُعاقبة واستبعاد جُزءٍ كَبيرٍ من النخبة القديمة، ليست مُمكنة بالوسائل الديمقراطية، بل لأنّها ستؤدي إلى ثورةٍ مُضادةٍ تفضي إلى العنف والقمع، واصفةً قُوى الحرية والتّغيير بالمزيج غير المتجانس كونه يتكوّن من أطيافٍ سياسيةٍ ومدنيةٍ مُتنافرة، وقالت إنّ المتظاهرين ليسوا كُتلة مُتجانسة، وإنّ إحداث التغيير الجذري يأتي فقط عندما يتمكّن فَصيلٌ من فرض إرادته على البقية، وغالباً ما يكون ذلك من خلال العُنف، وأضَافَت أنّ الثورات العميقة ليست سلمية، وعادةً ما تؤدي إلى الديمقراطية وليس إلى أشكال جديدة من الاستبداد، وقالت إن المُحتجين يريدون إزالة النظام، وليس مُجرّد عدد قليل من الأشخاص في القمة، وتشكيل حكومة مدنية، كما يريدون الانتصاف من المظالم الاجتماعية والاقتصادية وهذا لن يتحقّق من خلال الديمقراطية التي يُنادون بها، وان عليهم التمييز بين التغيير الديمقراطي والتغيير الجذري، مشيراً إلى أنّ التغيير الديمقراطي يأتي من خلال الوسائل السلمية والديمقراطية وقبول الحلول الوسط، بينما يؤدي التغيير الجذري إلى العنف الدموي واندلاع الثورات المُضادة.
صراع الديمقراطية

ووفقاً للصحيفة، فإنّ التّظاهرات الجماهيريّة التي بدأت منذ أشهر في الجزائر والسودان، جَدّدت الآمال في التّحوُّل الديمقراطي في أعقاب ثورات الربيع العربي العام 2011م، وأبانت أنّ التغيير سيحدث بلا شك، كَمَا حَدَثَ في جميع البلدان الأُخرى التي شَهِدَت احتجاجات طويلة ليبقى السؤال ما إذا كان أيّ من البلدين سيشهد انتقالاً ديمقراطياً يكون أكثر انفتاحاً وسلمية أم لا؟
وإذا حَدَث هذا، فسيكون العديد من المُتظاهرين غير راضين تماماً، إذ  لا تُؤدي التّحوُّلات الديمقراطية إلى تَغييرٍ جذري سريع، غير أنّ الإصلاحات التي يتم وَضعها عَادةً مَا تَكُون بطيئةً وتتطلّب تسويات مُؤلمَــــة.
ويحدث التّغيير الجذري فقط عندما يتمكّن الفصيل من فرض إرادته على البقية وغالباً ما يكون ذلك من خلال العنف، كما أنّ الثورات العَميقة ليست سَلميّة، وعادة ما تؤدي إلى الديمقراطية وليس إلى أشكال جديدة من الاستبداد كَمَا يُمكن أن يحدث التّغيير من خلال الوسائل السَّلمية والديمقراطية، لكنه يتطلّب الكثير من الحُلُول الوسطى
ومن الصعب التعميم حول ما يُريده المُحتجون في الجزائر والسودان

أو في أيٍ من الانتفاضات العربية السابقة، لأنّ المُتظاهرين ليسوا كتلة مُتجانسة.

مَطالب مشروعة
وتَكمن قوة الانتفاضات العربية في أنّها كانت ولا تزال حركات شعبية حقيقية، ولكن هذا هو أيضاً ضعفها، لأنّه في مرحلة ما يجب أن تتحوّل الاحتجاجات في الشوارع إلى خُطة عمل تتطلّب القيادة والتنظيم.
ويتّضح من الشعارات أنّ المحتجين على الأقل يريدون إزالة القيادة القديمة – النظام، وليس مُجرّد عددٍ قليلٍ من الأشخاص في القمة – وتشكيل حكومة مدنية، كما يُريدون الانتصاف من المظالم الاجتماعية والاقتصادية، ومثل هذه المطالب مفهومة، ولكن لسُوء الحظ، من غير المُحتمل أن تتحقّق من خلال عملية سلمية اى بدون عنف وانتهاك لحقوق الإنسان تطال الكثيرين
مُقاومة النخبة
ولا بُد أن تؤدي الإصلاحات الجذرية والثورية إلى مُقاومة قوية بين أولئك الذين تُهدِّدهم التّغييرات أي ما يُعرف بالنخب القوية، لا سيما في الأجهزة العسكرية والأمنية، والتي عَادةً ما لا تستسلم دُونَ قتال وفي مصر، عندما هدّد انتصار الإسلاميين مَوقعها، سَيطرت النُّخبة العسكرية ببساطة على السلطة.
عندما حاول الإسلاميون التّشبُّث بالسُّلطة بعد انقلاب يوليو 2013، كانت النتيجة القمع الدموي وفرض النظام الأكثر عسكرةً في مصر،
وفي الجزائر في التسعينيات، أدى رفض الإسلاميين للتخلِّي عن انتصارهم في الانتخابات والاستسلام للجيش إلى عَقد من الصراع الوحشي، كما أنّ التّحوُّلات التي تتبع طريقاً ديمقراطياً، من خلال الحوار بين جَميع الأطراف ومِن ثُمّ الاحتكام إلى الانتخابات في نهاية المطاف مُمكنة – بالرغم من أنّ لها تكاليفها الخاصّة، لانها تفضي إلى تغيير محدود.

خيبة أمل
هُناك العَديد من الدِّراسات حول التّحوُّلات الديمقراطية السّلمية في أمريكا اللاتينية، ولكن المثال الأكثر إثارةً للاهتمام للمنطقة العربية هو تونس، البلد الذي يُعتبر عموماً أنّه الأقرب إلى الديمقراطية بعد عام 2011م.
لقد تجنّبت تونس العُنف والقمع والتدخُّل العسكري بعد أن شكّلت جميع الحكومات بعد عام 2011 من خلال الانتخابات والمُفاوضات،
ولكنها أيضاً البلد الذي لعب فيه الشباب دوراً حاسماً في الشارع  عامي 2010 و2011 وخاب أملهم تماماً بسبب التغيير المحدود، مما دفعهم لرفض المشاركة في الانتخابات التي لا يتوقّعون منها إحداث التّغييرات المطلوبة مِمّا أدى إلى تنامي ظُهُور الشباب الراديكالي الذي فَضّلَ الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وكانت عملية العدالة الانتقالية ومحاولة إلقاء الضوء على أخطاء النظام القديم وجاءت المُعالجات مَحدودة وقَصيرة الأجل، إذ تمّت إعادة تأهيل العديد من الأشخاص المُقرّبين من النظام القديم، والحفاظ على أموالهم وإعادة دُخُولهم العملية السياسية في نهاية المَطَاف.
درسٌ صعبٌ
ولا يعني ذلك أنّ تونس لم يكن بمقدورها تجنُّب ما حَدَثَ، إذ كان من المُمكن أن تستمر لجنة الحقيقة والكرامة في عملها لفترةٍ أطول وبمزيدٍ من الطاقة، مما يُوفِّر قدراً أكبر من الوضوح.
وكان قانون المصالحة الذي أعاد تأهيل الأعضاء الفاسدين في النظام القديم أقل تساهُلاً، لكن التطهير العميق لأولئك المُرتبطين بالنظام القديم كان يتطلّب إجراءات قوية لا تتوافق مع العَمليّة الديمقراطيّة، وزرع بُذُور الاستبداد الجديد.
وهذا هو الدرس الصّعب من نتائج انتفاضات 2011 لدول مثل الجزائر والسودان، إذ يُمكن أن يحدث التغيير من خلال الوسائل السلمية والديمقراطية، لكنه يتطلب الكثير من التسوية، وبالتالي سيكون غير مُكتملٍ، وغير مرضٍ لطموح الكثيرين الذين خرجوا إلى الشوارع،

كَمَا أنّ مُحاولات إحداث تغييراتٍ جذريةٍ أكثر بمُعاقبة واستبعاد جُزءٍ كبيرٍ من النخبة القديمة، ليست مُمكنة بالوسائل الديمقراطية، لأنّ مثل هذه الجُهُود تستدعي رد فعل قوِّي، أي ما يُعرف بالثورة المُضادة والتي  تؤدي إلى العُنف والقمع..!
ليبقى السُّؤال بالنسبة لأولئك الذين يسعون الى التغيير، ما إذا كانوا يُريدون التغيير الديمقراطي أم التغيير الجذري؟ لأنّ هناك فرقاً شاسعاً بينهما.

Exit mobile version