نهب ـ اختطاف ـ قتل .. الانفلات الأمني بالخرطوم.. النزيف المُستمر!!

تقارير إعلامية: 339 جريمة اُرتكبت خلال شهرين بواسطة “9 طويلة”

خبير أمني: لم نعد نسمع بسرقة العربات كما كان في السابق لأن تواجدهم كان بفعل فاعل

قانوني: أجانب دخلاء على السودان وراء أكثر الجرائم ويجب ….

سياسي: لا بد من هيكلة القوات النظامية وإعادة صياغة قانون الأجهزة الأمنية كافة

الخرطوم: انتصار فضل الله

في شهر أغسطس الماضي وفي طريق عودتها من الجامعة وبالقرب من داخلية إبراهيم مالك في منطقة الصافية ببحري, اعترض طريق الطالبة مآب مدثر حمد ثلاثة شباب أعمارهم دون العشرين وأكثر من الـ”18″ عاماً.

وبسرعة خاطفة حاول الجناة أخذ تلفون المجني عليها من يدها بعد أن اعتدوا عليها ضرباً, وعندما قاومت قاموا باختطافها وإدخالها بالقوة داخل “الركشة” التي كانوا يقودونها، صراخ مآب طرق آذان المواطنين الذين تزامن تواجدهم في منطقة الصافية حيث تقيم، فطارد عدد من الذين يقودون السيارات, “الركشة”, غير أن الجناة تخلصوا من المجني عليها “برميها” في الشارع واحتفظوا بالموبايل والحقيبة وفروا هاربين..

لسوء حظ العصابة تعطّلت الركشة إثر انقلابها ثلاث مرات على بُعد أمتار من مكان سقوط الضحية, الأمر الذي مكّن المواطنين من القبض على اثنين من أفراد العصابة بينما هرب الثالث!!

أفاد عمر مدثر أزرق شقيق المجني عليها “الصيحة “، بأنّه تم تدوين بلاغ في قسم شرطة الصافية وتم إسعاف الضحية التي أصابتها حالة من الخوف، وقال إن المتهمين من أسر معروفة وكانوا متعاطين للمُخدّرات وقد جلست أسرهم وعُمد القبيلة مع أسرة المجني عليها, طالبين العفو وشطب البلاغ, غير أن أسرة المجني عليها تمسّكت بنيل العقوبة نسبةً لأن القضية عامة وعدم العقاب يعني الاستمرار في الجرم وتفشي الجريمة بشكل أوسع وأكبر!!!

 

ظاهرة منتشرة

مآب واحدة من آلاف المواطنين الذين تعرّضوا للنهب والاختطاف من قبل عصابات “النيقرز ” و”9 طويلة” وغيرهما من المسميات التي ظهرت خلال السنوات الاخيرة لزرع الرعب والخوف وزعزعة امن واستقرار المواطنين حتى داخل منازلهم.

تبقى الفرضية هل أصبح السودان مثل كثير من الدول الأفريقية التي يتم فيها السلب والنهب والضرب نهاراً جهاراً دون أي حماية امنية, وهل هذا السودان الذي يأمن فيه الجميع بأنفسهم وأموالهم دون المساس بأي أحد منهم؟ لقد كثر الحديث عن السلب والنهب واصبح ظاهرة في كثير من الشوارع وأمام كافة الناس في الأسواق ولا يتحرك أي شخص من المارة لإغاثة الملهوف في كثير من الأحيان واصبحوا يتفرّجون فقط!!!

حدث هذا المشهد في السوق المحلي بالخرطوم سوق الخضار في وضح النهار, حضر أربعة أشخاص واحد أمسك بالضحية وواحد وضع له السكين بالجنب والثالث والرابع أخذا ما في جيوبه من مال وجوال أمام الجميع وجرى الأربعة وهم يُلوِّحون بالسكاكين للناس!!! وتكرّرت هذه الأفعال بالاسواق وخاصة أسواق الخضار والسمك وميدان كركر ومحطة السكة حديد والشوارع الجانبية وقد تعرّض الكثيرون للطعن وفقدوا مُكتسباتهم!!!

الوضع خطيرٌ جداً!!!

تُقدّر تقارير إعلامية سابقة حجم الجرائم التي اُرتكبت في الشارع العام بأكثر من 339 جريمة خلال شهرين ماضيين.. وحذر متحدثون لـ”الصيحة” من خطورة الوضع ونادوا بضرورة ضبط الأمن. وأكدوا انتشار الظاهرة والتي تُعرف لحد ما بالسيولة الأمنية في الفترة الأخيرة، واصبح الجميع يتوخى الحذر في غدوه ورواحه, أما الذين يعودون عشاءً وما بعد العشاء إلى منازلهم فهم الأكثر خيفة وتوجساً، ووفقاً للروايات هناك العديد من الأهل والأصدقاء والزملاء الذين تعرضوا لعمليات السرقة واختطاف هواتفهم عبر ما يعرف بـ”9 طويلة” أو تحت تهديد السلاح الأبيض.

ونسبةً أنّ “9 طويلة” الأكثر شهرةً خلال الفترة الحالية, عرّفها الخبير الأمني عبد الدافع رحمة بأنها مصطلح مستقاة من احد انواع لعبة ورق “الكوتشينة” تُعرف في السودان باسم البوست التي يلعبها أربعة أشخاص يُقسمون إلى فريقين كل منهما لاعبان ومن يختار الرقم 9 يُشكِّل خطورة على خصمه أو يأخذ “سمبك” وهي آخر  مراتب الهزيمة بأن يخرج من اللعب بدون أي مكاسب, لذلك من يتعرّض لعملية “9 طويلة” يفقد هاتفه الجوال وأمواله ومُكتسباته!!!

تدميرٌ للمُجتمع

أرجع خبراء, تفشي الظاهرة الى الغلاء والحالة الاقتصادية، وهناك من يعزيها إلى انه عملٌ وراءه جهات تهدف لخلق نوع من عدم الاستقرار والفزع في قلوب المواطنين للوصول إلى نتائج بعينها تخدم مصالح تلكم الجهات على المستوى البعيد.

فيما كشف مصدر أمني عن اختفاء ما يسمى بـ”9 طويلة” عن الساحة بنسبة ضئيلة, وقال لم نعد نسمع بسرقة العربات كما كان في السابق, لأن تواجدهم كان بفعل فاعل، وتابع تضافر في تمادي الظاهرة أكثر من عامل، ولا يستبعد القصدية في بعض العوامل، وقال البعض الآخر أنشأته الظروف المتقلبة في السودان في الآونة الاخيرة متابعاً ربما تشير بعض الأحداث إلى تفاقمها.

ولم يستبعد ذات المصدر الضائقة المعيشية ولا استثناء التهريب والدخول غير الشرعي لعدد كبير من الدراجات البخارية، وأشار إلى أن بعض الذين ألقي القبض عليهم ليست لديهم حوجة مادية, حيث تشير العوامل مجتمعة إلى وجود خلل كبير جداً في المجتمع المسالم، مما يتطلب الانتباه لمثل هذه الظواهر الخطرة والمدمرة للأمن المجتمعي بالمزيد من الدراسات والانتباه للقائمين على أمر حفظ النظام وتوفير كافة المعينات التي تُؤهِّلهم للقيام بمهامهم بأفضل طريقةٍ.

عمليات قبض سابقة

يقول المستشار القانوني د. عبد العظيم بابكر لـ”الصيحة”: قامت الشرطة في فترة من الفترات بالقبض على مجموعة من المواتر ليس لديها أي مستندات أو معظمها مسروقة, والذين يستقلون تلك المواتر ليس لديهم اي مستندات ثبوتية, بل معظمهم يتبعون للعصابات, وقد ثبت أن الكثير من الأوراق الثبوتية التي يحملونها إما أنها مُزوّرة أو مسروقة أو اُستخرجت بطريقة غير صحيحة, مَا يتطلب قيام الجهات المختصة بتكوين أتيام لذلك وقفل مناطق كاملة تنتشر فيها الأسلحة والمخدرات والمسروقات وكل أنواع المخالفات وسوف يكتشف أن وراءها أجانب دخلاء على السودان!!!

وطالب بابكر بسن قانون رادع يسمح للأشخاص بحماية أنفسهم من مثل هؤلاء دون محاسبة طالما تعدّوا على المال والنفس والسماح لرجال الشرطة باتخاذ كافة أنواع الحماية للمواطنين دون مُحاسبتهم، وعلى القضاء تطبيق المادة 167 من القانون الجنائي لعام 1991 الخاص بالحرابة في هؤلاء المُجرمين.

وأوضح القانوني: يعتبر مرتكب جريمة الحرابة مَن يقتل العامة أو يقطع الطريق أو يرتكب جرماً على الجسم أو العرض أو المال بالسلب في البر أو البحر أو الجو مع تعثر الاستغاثة باستخدام السلاح أو التهديد, حيث يُعاقب بالإعدام أو الصلب أو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو الحبس لمدة سبع سنوات مع النفي حتى تعم الطمأنينة للمواطن.

جوانب اجتماعية واقتصادية

أرجع الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم, أسباب الانفلات الأمني لعدم التوزيع العادل في الدخول بين فئات المجتمع السوداني، مُشيراً إلى نسبة كبيرة من الفاقد التربوي بدون عمل, ولارتفاع حجم العطالة بالإضافة إلى مساهمة الإيرادات الضريبية التي وصلت نسبة 40% من الناتج المحلي, مَا جعل الكثيرين يلجأون إلى الجريمة.

فيما قال الخبير السياسي محمد سليمان الريح لـ”الصيحة” تعاني البلاد من السيولة الأمنية بصورة أشد وذلك لطبيعة المرحلة الانتقالية بعد عهد شمولي امتدّ طوال ثلاثة عقود, ما يرجع السبب الأساسي للسيولة الأمنية إلى الخلل الظاهر في هيكلة الأجهزة الأمنية, حيث عانت هذه الأجهزة بسبب التدخل السياسي والتمكيني لأعمال الأجهزة الأمنية, وأشار إلى أن فترة الإنقاذ شهدت تفككاً غير مُعلن للقوات النظامية بوجود أجسام وكيانات موازية للقوات المسلحة, منها الدفاع الشعبي وقوات المراحيل وقوات الحدود كل لها إداراتها الخاصّة وطريقة تعاملها دُون محاسبة ومساءلة في ظل غياب الشفافية, وكذلك الأجهزة الشرطية التي عانت منها الشرطة الشعبية وشرطة أمن المجتمع وغيرها لتمتد إلى الأجهزة الأمنية الرسمية والأمن الشعبي وأمن الطلاب وغيرها.

ارتباك واقع

وأكّد الخبير السياسي أنّ هذا الواقع أدّى إلى الارتباك الأمني وترك الحبل على الغارب وكل منها لها اليد الطولى لتفعل ما تحلو لها, فكل هذه الأجهزة لها السلطة المُطلقة أن تحجز وتحقق مع أي مواطن وتفعل ما تُريد من خلال هذا الخلل أباح أن يفعل معظم منتسبي هذه الأجهزة ما يحلو لهم, إضافةً إلى وجود جيوش الحركات المسلحة التي زادت الطين بله, حيث أوجد الوضع أكثر من 7 جيوش في المشهد السوداني كل منها تدار بإدارات متصارعة.

وأشار الريح إلى أنّ هذا الوضع الشاذ أوجد بيئة غير صحية وغير مستقرة أمنياً وببطاقات هوية عسكرية, جزء منها صحيحة وأخرى مُزوّرة يساعد في انتشار الجريمة وارتكاب الجرائم بسهولة, ثم عربات بدون لوحات بلا أي رابط, قائلاً: هذا الإرث الموروث الذي يشير إلى أن العربة التي لا تحمل لوحة تعني أنها تتبع للأجهزة الأمنية, وكذلك مئات الآلاف من المواتر التي يتم من خلالها ارتكاب الجرائم دُون تحقيق هذا الوضع الكارثي السبب الأساسي وراء الانفلات الأمني, مَا يتطلّب ضرورة هيكلة القوات النظامية وإعادة صياغة قانون الأجهزة الأمنية كافة ومُحاربة تجارة المُخدّرات من المنبع ورقابة الحدود, وأردف: هذا لا يتم إلا بالاستقرار السياسي ودمج الحَركات.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى