عبد الله مسار يكتب : قناة الجزيرة والإعلام الوهم

قناة الجزيرة, هي فضائية مشاهدة يقع مكتبها الرئيسي في دولة قطر وعند عاصمتها الدوحة, وهي قناة فيها القناة الإخبارية ولديها قنوات أخرى متخصصة في مجالات اخرى, وما يهمنا هنا هي القناة الإخبارية التي تبث الأخبار على مدار الساعة مع تحليل تلك الأخبار عبر مراسليها وضيوف من أطراف النزاع أو محللين سمهم ما شئت, وهي لديها مكتب في الخرطوم يغطي اعمالها ويوجد به إعلاميون أكفاء ومن أبناء السودان, وهي قناة أنشأت لتغطي الفراغ العربي من هذه الخدمة الإعلامية, وتنافس وتضاهي  الإعلام العالمي وخاصة الغربي وتكون منارة لإعلام عربي مسؤول وحر ومنضبط وبلغة العرب,  وفعلاً بدأت قوية وجادة وأمّها عدد من الإعلاميين المرموقين, وكانت تغطي الأخبار بمهنية عالية, وتنقل صحيح الخبر وتحلله من متخصصين ذوي خبرة ونزاهة وصدق,  وكذلك من الأطراف بعدل ومساواة وتبيان للحقيقة,  وتصدح به وسط غيوم الإعلام العالمي وأكاذيبه والذي أغلب ما يصدر عنه أنه إعلام موجّه لخدمة أجندات دول الاستكبار والترسيخ في الأذهان عظمة هذه الدول وعظمة حضارتها وتفوق إنسانها وصلاح وديمقراطية  حكمها, بل تفوقها  على شعوب العالم الثاني والثالث  وتبث فيها غث حضارتها وثقافاتها,   بل ترسخ فيها دونية وخضوع لهذه الحضارة الزائفة وتبث إعلاماً يخيف هذه الدول ويجعلها حكومات وشعوباً تابعة  ومستلبة.

وكانت قناة الجزيرة اول عهدها صداحة بالحق والحقيقة وكسبت المشاهد العربي وفِي كل الدنيا, وكسبت المشاهد السوداني  وكان يعتبرها أكثر إعلام حر وديمقراطي رغم انها تقوم في دولة ملكية.

ولكن هذه القناة في السنوات الأخيرة, انتكست وصارت تخدم أجندات مختلفة, ودخلت في مهزلة الإعلام الموجّه الذي يخدم أجندات محددة, يُعادي هذا ويصالح ذاك, ويعمل على خدمة مصالح بعض الأنظمة وفق الإعلام الموجّه. وظهر ذلك في تغطية قناة الجزيرة لأخبار السودان بعد قيام الجيش بتصحيح مسار الثورة في السودان منذ نهايات أكتوبر 2021م وحتى الآن,  وكانت التغطية للأحداث في السودان وتحليلاتها والصور التي تُبث مُنحازة لطرف من أطراف الصراع,  حتى دبلج أحد محرِّريها صوراً قديمة دفع بها في تقرير إخباري لمظاهرات 21 اكتوبر,  وسارت بهذا الخبر الكاذب والتقرير الهرم المفضوح الركبان,  بل أعادت القناة للأذهان الإعلام المضلل الأصفر  الذي يسير على سيقان الوهم,  وقد يصدق الخبر ساكنو  سكان السودان  وممكن تتناقله وكالات الأنباء.

وأيضاً هذه القناة نتيجة لعدم مصداقيتها وعدم حيادها, حتى أسئلة مذيعيها للضيوف من طرف قوى الحرية والتغيير الميثاق ومؤيدي هذا التيار كانت تجريمية وإيحائية, بل الأسئلة أغلبها مبطنة لخدمة غرض محدد,  ولذلك أعتقد أنها فقدت مصداقيتها أمام كثير من مشاهديها بالسودان في فترة الأزمة الأخيرة, وشك كثير من المُشاهدين هل هذا توجُّه القناة أم توجُّه دولة قطر التي مشهود لمسؤوليها بالاتزان والحكمة  وبعلاقتهم المميزة مع السودان حتى في ظل دولة الإنقاذ, ذات التوجُّه الإسلامي.

ومن متابعتي لقناة الجزيرة لأحداث السودان في الفترة الأخيرة, ومن خلال معرفتي للإعلام كوزير سابق لوزارة الإعلام في السودان, لاحظت أن خط القناة التحريري خبرياً أم تحليلاً, لم يكن يخدم الحقيقة بقدر ما يخدم أجندات خاصة ومختلفة, مَا جعلني كمشاهد أترك متابعة القناة وانصرف لأخرى أكثر حياداً وصدقاً في نقل أخبار السودان, ولما كنت صديقاً لهذه القناة ولكثير من العاملين بها, وأيضاً صديقاً لكثير من قيادات الدولة القطرية وعلى حميمية معهم, حزنت جداً لتوجُّه القناة الذي ابتعد عن تغطية أخبار السودان بمهنية, وخشيت أن ينصرف كثير من مشاهديها من السُّودانيين في داخل وخارج السودان عنها وهي المحبّبة لكثير منهم حتى حين.

الإعلام لا يقل أهميةً من الجيوش, وهو سلاح ماضٍ وفتاكٍ وقاتلٍ لو استعمل استعمالاً موجهاً ومضللاً, بل هو سلاح بناء وهدم, لذلك يتطلّب التعامُل معه وبه, بقدرٍ كثير من المصداقية وكثير من دول العالم بما في ذلك الدول العظمى تمنع كثيرا من الإعلام غير الوطني أن يبث فيها, ومن تلك الدول أمريكا, المواطن الأمريكي تجده غائباً عن جزءٍ كبيرٍ من الأخبار عن خارج أمريكا  ومحصورا في الإعلام الداخلي.

نحن في السودان منفتحون على كل الإعلام في الدنيا وفِي ذلك منفعة وضرر,  ورغم حرية الإعلام ولكن للحرية حدود  يجب أن تراجع حال تجاوزها, لأن الدولة نفسها إذا تجاوز مواطنوها حدّاً معيناً تعلن حالة الطوارئ لضبط الأمر ثم ترفع ذلك حال عاد الأمر الى طبيعته.

إذن, أعتقد أن قناة الجزيرة في تغطيتها الأخيرة لأحداث السودان  باعت وروّجت لكثير من الوهم, مَا أفقدها كثيرا من احترامها وتقدير كثير من مشاهديها, بل غاب عن التحليل والظهور فيها كثير ممن كانوا ضيوفها وأصدقاءها. وأنا واحد من أصدقائها الذين قرّرت أن لا أظهر فيه حتى لا احرجها,  واقول لها عبر شاشتها إنكِ  منحازة ولا تنقلين الحقيقة.

عليه, أعتقد أن الخط التحريري والإخباري والتحليلي لأحداث السودان في الآونة الأخيرة بقناة الجزيرة يحتاج إلى إعادة نظر.

تحياتي،،

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى