مَضَى على انقطاعه 16 يوماً.. هل من أملٍ للعودة؟..الإنترنت.. الغِيَاب المُر!!

خبير هندسي: خسائر كبيرة تكبّدها الاقتصاد السُّوداني بلغت 549 ملايين دولار خلال 12 يوماً

حماية المُستهلك: هنالك  شركتان خاصّتان “ماك نت وفلانكو” لم يتم قطع الخدمة عنهما

مُواطنون يُعلنون عن نيّتهم تحريك بلاغات جنائية ضد شركات الاتّصالات

اقتصادي: 5% هي نسبة المُساهمة المباشرة للقطاع من الناتج المحلي الإجمالي

حماية المستهلك: توقّعنا أن تستغل الشركات بلاغات الجمعية لرفع الحرج عنها وعن السُّلطة التي أمرتها بقطع الإنترنت 

باحث نفسي: الوضع النفسي للسودانيين صعبٌ جداً ويحتاج لتدخُّلات

قانوني: قطع الخدمة جريمة ويجب حماية حقوق المواطنين التي سُلبت

تحقيق: انتصار فضل الله

يقف مرتضى الأمين 28 عاماً.. حائراً بالقرب من مقر بنك المال المتحد, بدا عليه التعب واضحاً وهو يجوب المناطق المركزية والمؤسسات الكبرى في جنوب الخرطوم، لم تهدأ خطاه لحظة كلما سمع بتوفر خدمة إنترنت في مكان ما يهرع إلى هناك لالتقاط الشبكة حتى يتمكّن من التواصل مع أشقائه والاطمئنان على صحة والدته التي تُخضع لإجراء عملية زراعة كُلى في مستشفى بأمريكا.

منع قطع الإنترنت مرتضى من الاستمتاع بأبسط الحقوق لإنسانيته التي تكفلها القوانين, وحرمه من متابعة صفحته على الفيسبوك والتواصل مع الآخرين, فعلا صوته منادياً بضرورة التراجع عن القرار الذي وصفه بالمُجحف ويتنافى مع حقوق الإنسان.

****

16 يوماً مضت على قطع خدمة الإنترنت عن المستهلكين في السودان من قبل جهاز تنظيم الاتصالات “الهيئة القومية للاتصالات سابقاً” وذلك منذ الاثنين 25 أكتوبر الماضي عقب الإجراءات التي اتّخذها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للجيش عقب الإجراءات التي اتخذها بحل مجلسي السيادة والوزراء في سابقة هي الأولى من نوعها.. وشغلت القضية ومَا زالت تشغل أوساط المجتمع.

وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها حرمان الشعب من الخدمة, فقد حدث السيناريو عقب عملية فض اعتصام القيادة العامة قبل عامين, لكنه لم يستمر بهذا الشكل, رغم أنه كان قد تسبّب في خسائر ومُعاناة كبيرة للمستهلكين وقتها.

رحلة البحث عن شبكة

اتخذ سيناريو قطع الإنترنت حالياً, أبعاداً درامية تظل حاضرة في المشهد، يبدو ذلك من خلال الحراك المتزايد للمستهلكين من مكان إلى آخر في سبيل البحث عن “واي فاي” أو شبكة أرضية تمكنهم من القيام بالمهام الضرورية المُرتبطة بتوفر الخدمة، في الوقت نفسه امتدّ أثر القطع, فطال القطاعات السياسية والاجتماعية ويبقى الأثر النفسي حاضراً.

وقال مواطنون استطلعتهم “الصيحة”, تحوّلت البلاد لقرية كبيرة يُصارع سكانها من أجل التمتُّع بالحقوق، وأعلنوا عن نيّتهم اتّخاذ خطوات جادة وفتح بلاغات جنائية وتأديبية ضد شركات الاتصالات والمُطالبة بالتعويضات اللازمة.

واتّهم المُواطنون, جهاز الاتصالات بالإسهام في تفاقم الأزمات السياسية والنفسية والاجتماعية بالبلاد، مؤكدين الدور العظيم للإنترنت في التواصل الاجتماعي ومحاربة الشائعات ومعرفة الأخبار الصحيحة والمدعمة بالصور والفيديوهات في ظل الأزمة الراهنة.

خسائر جسيمة مُشتركة!

فرضيات كثيرة أوجدها الوضع, كان لا بد من البحث عن إجابات لها تتعلّق بحجم الخسائر التي تتكبّدها شركات الاتصالات والمشتركون جراء قطع الإنترنت، في هذا الجانب كشف الخبير في هندسة الاتصالات د. هشام عوض عبد المجيد عن خسائر جسيمة تكبّدها الاقتصاد السوداني بلغ حجمها 549 مليون دولار خلال الـ12 يوماً الماضية.

وقال عبد المجيد لـ”الصيحة “، تقف على قياس خسائر قطع الإنترنت شركة “نت بلوكس” العالمية ومقرها في لندن وهي تعتمد على آليات محددة وتقارير يصدرها الاتحاد العالمي للاتصالات والبنك الدولي من خلال قياس حجم الإنتاج, مؤكداً أن الأضرار في طريقها للزيادة.

انعدام مداخيل المعلومات

ويرى الخبير الهندسي، أنّ السودان يفتقد في هذه المرحلة وجود مدخل للمعلومات, حيث لا توجد وسيلة متاحة غير “التلفزيون” الذي لا يوفر المعلومات بدقة مثل “الإنترنت”، وأردف “إذا كان القصد من قطع الخدمة عدم معرفة الناس للحقائق فهذا فهم خاطئ وأتاح الفُرص للتضليل وإطلاق الشائعات”، مُعتبراً صدور القرار ظلماً وهو مثل عقود الإذعان قد يحرم المشتركين من نيل حقوقهم.

وانتقد موقف جهاز الاتصالات ووقوفه في صف الشركات والتساهُل معهم وهي تعتبر جهات أتاوات تتبع للدولة وغير مهتمة لأمر المشتركين, وهذا يتضح في رداءة الخدمات المقدمة، مطالباً بضرورة تحسين الخدمة وفرض غرامات وعقوبات على الشركات التي تعتدي على حق الآخرين.

مُساهمة مُباشرة

أفاد الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم “الصيحة ” بأن قطاع الاتصالات من القطاعات الاقتصادية الفعّالة والاستراتيجية في البلاد, إذ تصل نسبة مساهمته المباشرة الى حوالي 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وتصل الى 7 بالمائة بإضافة الخدمات المرتبطة به مثل بيع الرصيد والتحويلات المالية التي يعمل بها ويستفيد منها قطاع كبير من الشعب السوداني.

وقال عبد المنعم، إنّ حجم أعمال القطاع يبلغ في المتوسط 2 مليار دولار سنوياً يدفع منها حوالي 100 مليون دولار رسوم وضرائب للدولة, ويبلغ حجم الأعمال اليومي حوالي 6 ملايين دولار, منها 3 ملايين لخدمة الإنترنت والذي ترتبط به وتتأثر له القطاعات الاقتصادية مثل خدمات البنوك والتطبيقات البنكية والمعاملات المالية المتعلقة بالصادر والواردات والمعاملات التجارية, الأمر الذي تترتّب عليه آثار اقتصادية سالبة على مناخ الاستثمار.

غيابٌ مع سبق الإصرار والترصُّد

انعكس قطع الخدمة على الأوضاع النفسية والسياسية والاجتماعية بالبلاد، وقطعت الخبير السياسي نوال السيد الريح بوجود أثر كبير تركه انقطاع النت على الساحة السياسية التي تشهد تضارباً في المعلومات، وأجبر السِّياسيين على عدم الظهور كما أسهم في إحجام واضح وغياب للمعلومة وإخفاء الحقائق من على المشهد.

فيما قال الباحث النفسي د. محمد إبراهيم: أصابت الشعب السوداني حالة نفسية حادة وبات الوضع صعبا جدا بسبب الأوضاع بالبلاد والتي زاد من حدّتها انقطاع الإنترنت الذي يعتبر وسيلة لقضاء الوقت والتعبير عن الغُبن, ويُخرج الكثيرين من حالة السكون إلى الرفاهية والتعبير عن المشاعر والأحاسيس, كما أنه حَدّ من التواصل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات, مُشيراً إلى أنّ الوضع يتطلب تدخلات عاجلة.

تحرُّكات جماعية لنيل الحقوق

ودفع قانونيون والجمعية السودانية لحمية المستهلك ببلاغات جنائية ضد 4 شركات اتصالات, ووصفوا ما حدث بأنه يمثل انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان.
ودعا الحقوقي والقانوني عبد العظيم حسن, جميع المُشتركين في شركات الاتصالات بتحريك دعاوى، ودعا قبيلة الصحفيين على وجه الخُصوص بأن يتّخذوا خطوات جادة في هذا الجانب والمطالبة بتعويضات.

وشدد على ضرورة حماية حقوق المواطنين التي سُلبت, مؤكداً أن توفير خدمة الإنترنت حق قانوني ودستوري وانقطاعه بهذه الصورة جريمة يُعاقب عليها القانون, وعاب على الشركات استجابتها لأية جهة تأمرها بقطع النت نظراً لأنها متعاقدة مع المواطن, وقال كان يجب أن ترفض ذلك وأن لا تتماهى مع هذه الجهات مهما كلّفها الأمر.

الردع وبالقانون

واتّفق الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك د. ياسر ميرغني مع حديث المحامي عبد العظيم, مؤكداً أن الشركات ارتكبت جريمة شنعاء في حق المواطنين, مما استوجب ردعها من خلال البلاغات التي دوّنتها الجمعية ضد أربع شركات, وأضاف أنه كان يتوقع أن تستغل الشركات بلاغات الجمعية لرفع الحرج عنها وعن السلطة التي أمرتها بقطع الإنترنت.

وتأسف أن يأتي قطع الإنترنت في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الذكاء الاصطناعي ويتحدث عن الرجل الآلي الذي يقدم الخدمة في زمن كورونا، وفي وقت يتحدث فيه العالم عن التعليم عن بُعد والتعليم عبر الوسائط.

وقال ميرغني لـ”الصيحة” توجد 6 شركات تقدم الخدمة في السودان “سوداني ـ زين ـ أم تي أن ـ كنار” بالإضافة إلى شركتين خاصتين “ماك نت وفلانكو” وهذه الشركتان لم يتم قطع الخدمة عنهما وهي موصّلة عبر الأقمار الاصطناعية وحصلت على الترخيص من هيئة الاتصالات، وقال هذا الأمر يؤكد وجود “خيار وفقوس”, بالتالي أصبح هناك مُستهلك درجة أولى وآخر درجة ثانية, وقطع بأن مثل هذه الغبائن والتفرقة بين المستهلكين مُدعاة لخطاب الكراهية.

أخيراً

بلا شك أن الإنترنت أصبح حقاً من حقوق الإنسان, ويظل يلعب أدواراً كبيرة في الحياة مما تتطلب إعادته حتى لا تزداد الآثار المُترتبة عليه يوماً تلو الآخر.
ولمعرفة موعد عودته.. طرقت الصحيفة أبواب بعض الشركات, غير أنها لم تجد ردوداً..!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى