Site icon صحيفة الصيحة

 أحمد موسي قريعي يكتب : الإسلام السياسي.. يوميات البارود والدم (11)

بقلم

 

جماعة أنصار السنة المحمدية – فرع السودان 

قد يتساءل البعض لماذا أحشر اسم جماعة أنصار المحمدية – فرع السودان ضمن قائمة تيارات الإسلام السياسي, مع أنّها جماعة لم تقتل ولم تسفك الدماء؟ الإجابة على هذا السؤال الطويل بسيطة جداً, وهي أنّ تيارات الإسلام السياسي عندي تنقسم إلى نوعين، نوع يربي الناس على الأفكار كأنصار السنة وهو النوع الأخطر, لأنّ مُعظم هذه الأفكار عبارة عن “أحزمة ناسفة” يتم ربطها وزراعتها في قلوب الأتباع وأدمغتهم قبل أن تكون قَابلةً للانفجار. ونوع آخر قد تمكّنت منه الأفكار فحوّلته إلى داعية يدعو الناس إلى عبادة الله تحت تهديد سلاح الإرهاب.

 

كما أنّ مُعظم الجماعات الإسلامية التي تتعاطى الإرهاب وحشر الدين في السياسة قد خرجت من كم عباءة وهابية “آل الشيخ” تلك الأم التي تغذي أبناءها التطرف والعنف في شكل وجبات سريعة يتم تغليفها أو لفّها بأفكار “ابن تيمة” وبعض شطحات “المتعصبين”.

 

إذن جماعة أنصار السنة السودانية، جماعة دعوية تحمل أفكاراً متطرفة أو قابلة للتطرف. قوام هذه الأفكار نظرية “الخنوع للحاكم” فالحاكم عند معظم الجماعات السلفية “نصف إله” لا يجوز الغمز أو اللمز بشأنه ناهيك عن معارضته أو الثورة عليه.

 

تصف أنصار السنة نفسها فتقول: إنّها جماعة سنية سلفية إصلاحية على منهج وعقيدة أهل السنة والجماعة في التلقي والاستدلال، والاعتقاد والاتباع، وفي مناهج السلوك والسير إلى الله جملةً وتفصيلاً من خلال الدعوة إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع والخرافات، وإحياء دعوة الإسلام بالقرآن والسنة واتباع سلف الأمة.

 

وبالتأكيد المُشكلة في هذا الكلام الطيب هي اتباع “السلف” الذي يصفونه بالصلاح، أنا لا يهمني إن كان صالحاً أو غير ذلك، وإنّما تهمني أفكاره التي لا تعدو أن تكون متخلفة ومتطرفة ورجعية ومتحجرة وغير صالحة لاستخدام عصرنا الحالي.

 

والسبب أنّ هذه الجماعات تصف نفسها بأنها الفرقة الناجية الوحيدة في العالم، أما بقية الخلق فهم “وقود النار”، وليت الأمر وقف عند هذا الحد الإقصائي السادي المتطرف، إنّما تدعو هذه الجماعات صراحةً إلى تنقية الدين من شوائب “الفكر العقلاني” الدخيل لأنه ليس على هدى وفهم السلف الصالح الذين “يحييون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد اندثارها”.

نشأة فرقة السودان الناجية

انطلق مصدر هذه الجماعة، أو ما يُعرف بالمصدر “الأم” من مسجد الهدارة بالقاهرة عام 1926م، على يد الشيخ “الناجي” من عذاب الله “محمد حامد الفقي”. ثُمّ امتدّ إلى السودان في عام 1917م، ويقال كان ذلك في عام 1936م على يد الشيخ “أحمد حسون”.

فرقة السودان الناجية والسياسة

لجماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان دورٌ بارزٌ وواضحٌ في العمل السياسي، فقد ساهمت منذ استقلال السودان في 1956م في الحياة السياسية، إذ عملت على دفع الأحزاب السياسية وحثها على تطبيق الدستور الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية، كما شاركت في جبهة الميثاق الإسلامي التي خاضت الانتخابات العامة في السودان عام 1964. مع “الإخوان” والطريقة “التجانية” رغم أنها “كافرة” في نظرهم!. كما أن لها نشاطاً ملموساً ومؤثراً ينخر “بالعنف والتطرُّف” في أذهان طلبة السودان في المدارس الثانوية والجامعات.

وتاريخياً, كان الزعيم الروحي لأنصار السنة الشيخ “محمد هاشم الهدية” كان ناشطاً في الحزب الاتحادي الديمقراطي وفي مؤتمر الخريجين، ولديه تطوُّرٌ في الفهم السياسي، ظَهَرَ لي ذلك عندما التقيته في العام 2003م لأخذ رأيه ورأي جماعته حول السماح بقيام الأحزاب السياسية في الإسلام. فكان رده مخالفاً لغريمه التقليدي الشيخ المرحوم “أبو زيد محمد حمزة” الذي قال لي حرفياً: “لا أحزاب في الإسلام – فقط حزب الله وحزب الشيطان”!.

بعد انقلاب نميري في 1969م، وحل الأحزاب والجماعات، طلّقت هذه الجماعة العمل السياسي “طلاقاً رجعياً” ونشطت في محاربة الصوفية وهدم قباب الأولياء والصالحين، ثم عادت إليه من “وسع” في عهد الإنقاذ فشاركت في “إهانة وظلم” أهل السودان عندما أدخلت نفسها في السُّلطة بدرجة وزير وتمثيل نسبي ضمن السُّلطات الولائية. ثم وسعت ماعونها السياسي بالمشاركة في حكومة القاعدة العريضة بعد انفصال جنوب السودان عام 2011م.

وهنا وقع الخصام بين صفوف الجماعة، فانقسموا إلى فرقة ناجية تتبع للسلطة، وفرقة ناجية تلعن الخلق والسُّلطة يمثل هذه الفئة الزعيم “المبدئي” أبو زيد محمد حمزة”، ويمثل الفرقة الأولى “المركز العام” الذي انغمس في عسل السلطة حتى غرق وانقطع خبره.

كان لهذه الجماعة ومازال أن تكون جزءاً من أي تغيير يأتي في السودان بعد الإنقاذ لو أنها تركت “التخلف السياسي والعته الفكري” واختارت “حزب الشعب” فهي ما زالت “جميلة” لم تتلطخ “بالدم” ومُغريات السلطة. لكن يلزمها للقيام بذلك:

1/ الوعي السياسي الصحيح: فبدل نظرية الخنوع للحاكم وربط مصائر الناس به، لها أن تكون في صف الجماهير، لأنها بحق مؤثرة لكن هذا التأثير يصب لغير صالح الشعب.

2/ تكوين حزب سياسي: يجب أن يكون لأنصار السنة حزبٌ سياسيٌّ يلبي تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة الاجتماعية، أُسوةً بإخوانهم في مصر الذين أسّسوا حزب “النور”.

3/ وضع برنامج مفصل لإدارة الدولة: لأن الدول لا تبنى بصحيح البخاري، وأفكار ابن تيمة، وكتب السياسة الشرعية، وفهم سلف الأمة الصالح، وتراث القرون الأولى.

Exit mobile version