بعد الحديث عن تعليق المُساعدات الدولية.. مشروع “ثمرات”.. سيناريوهات الاستمرار والتوقُّف

 

الخرطوم: جمعة عبد الله

يُواجه مشروع دعم الأسر السودانية “ثمرات”, مستقبلاً ضبابياً بين الاستمرار أو التوقف، على خلفية حل الحكومة السابقة، وموقف الشركاء الدوليين غير الواضح كلياً على الأقل حتى الآن, سواء بالتعامل بذات الكيفية مع الحكومة المُزمع تشكيلها أم إجراء تغييرات على البرامج الموقعة سابقاً، ومنها برنامج “ثمرات”.

من غير اليسير الحصول على إجابة قاطعة حالياً حول استمرار البرنامج، فمن ناحية نظرية لم تعلن اي دولة غير الولايات المتحدة الأمريكية تعليق أو إيقاف المساعدات المالية عن السودان، وقيمتها “700” مليون دولار، وحتى الموقف الامريكي اوضح ان تعليق هذه المساعدات سيكون بشكل مؤقت وليس نهائياً، مَا يعني إمكانية سدادها حين تشكيل الحكومة الجديدة.

أما في اروقة المؤسسات الرسمية فلم تخرج للعلن أي معلومة او تصريح من مسؤول حول مستقبل مشروع ثمرات، ورغم محاولة استنطاق مدير المشروع، معتصم احمد صالح، إلا انه اعتذر لـ”الصيحة” عن الحديث حالياً.

في المقابل, اشار عدد من المواطنين في حديثهم لـ(الصيحة) بتوقف رسائل مشروع ثمرات التي كانت تصلهم بداية كل شهر .

وأبان المواطن عثمان محمد بأن آخر رسالة وصلته من ثمرات للذهاب إلى مراكز الصرف كانت في مطلع أكتوبر في الثالث منه وترقب وصول رسالة في نفس التوقيت لشهر نوفمبر لكنها لم تصله, وتخوف عثمان من انقطاع دعم ثمرات, وزاد قائلاً: دعم ثمرات وظّفته في حاجة ملحة وكان بالنسبة لي بمثابة المُنقذ وأخشى أن يتوقف دعم الأمم  المتحدة الخاص بمشروع ثمرات نتيجة للأحداث الاخيرة التي شهدتها البلاد.

وفي جولة لـ(الصيحة) على بعض مراكز ثمرات التي تدفع الاموال للمواطنين, تبيّن لها بتوقف تدفق الأموال مؤقتاً إلى حين انجلاء الأزمة, وقال مواطنون استطلعتهم “الصيحة” انهم لم يجدوا إجابات حول مصير ثمرات. وقال موظف بالمشروع فضّل عدم ذكر اسمه إن العمل حالياً غير منساب بصورة طبيعية لعدم وصول الأموال للمراكز بسبب تعطل دولاب العمل مؤخراً, بينما أفادت أسرة أنها تلقّت تطمينات بانسياب المشروع حالما تستقر الأحوال السياسية.

عن ثمرات

ويقدم المشروع دعماً نقدياً بما يعادل “5” دولارات شهرية للأسر في السودان، إلا أن تقدم المشروع نفسه نحو التغطية للشاملة للمستحقين لم يكن بالشيء المأمول، وطوال الفترة الماضية, تعالت أصوات مواطنين أكملوا إجراءات تسجيلهم دون أن يصلهم مبلغ الدعم من ثمرات منذ إدراج أسمائهم في هذا البرنامج، وآخرون لم يصلهم دعم ثمرات سوى شهر أو اثنين لا أكثر.

مراحل متأخرة

وقبل القرارات الأخيرة، سبق وأن أعلن مدير برنامج دعم الأسر السودانية ثمرات، معتصم أحمد صالح، أن البرنامج سيغطي جميع الولايات خلال نوفمبر الحالي، وذلك بعد استكمال المرحلة الثانية من البرنامج، وأوضح معتصم حينها، أنّ المرحلة الثانية تشمل ولايات غرب كردفان، شمال كردفان، النيل الأزرق، شرق دارفور، جنوب كردفان ووسط دارفور بنهاية شهر أكتوبر الجاري على الترتيب، ومن ثمّ يبدأ برنامج ثمرات تدشين العمل مطلع نوفمبر الحالي بولايات المرحلة الثالثة، التي تشمل أربع ولايات هي نهر النيل، الجزيرة، القضارف والشمالية ليغطي البرنامج بذلك جميع ولايات السودان، بحلول منتصف نوفمبر الحالي.

نشر تقارير

المستشار الاقتصادي، الشاذلي عبد الله، قال إنّ برنامج ثمرات جاء كفكرة اقتصادية لمُعالجة إفرازات مشاكل رفع الدعم ولتحصين السُّكّان ومعاشهم, خاصةً أنّ رفع الدعم في البلدان النامية يزيد الفقراء فقراً ويزيد الأغنياء غنىً، وأوضح أن بسبب مشاكل في التطبيق ودعم السلع الأساسية التي ليست من أولويات صندوق النقد الدولي أو المؤسسات الدولية وإنما مسعاها لتحرير الاقتصاد من أيِّ قُيُود أو تدخل حكومي من ناحية مالية أو تقنية، وتابع: إذا كانت هناك مشاكل في دعم السلع الأساسية, إذن البديل حسب رؤية البنك الدولي هو بطاقة الدعم الذكي أو بما يُسمى ببطاقة الدعم المباشر للمُستهلكين، واستبعد أن تكون هناك أيّة مشكلة في برنامج دعم ثمرات, ولكن المشاكل دائماً تُواجه البنية المؤسسية لإدارة البرنامج نفسه بصورة مُحكمة مُسيطر عليها وغياب أرضية قوية, هذه هي المشاكل الرئيسية التي تواجه البرنامج، ويرى أن على متخذي القرار أن يشترطوا على صندوق النقد الدولي توفير تكاليف تأهيل بنية تحتية لتنفيذ البرنامج أو الاِستعانة بالمُنظمات القوية الموجودة داخل السودان, لأنّ هذه المنظمات لديها نظامٌ إداريٌّ, وكذلك لديها عملٌ مؤسسيٌّ وبرامج وتقنيات قوية تواجه مشاكل التقنية في البلاد, بجانب أن لديها اصطافاً مؤهلاً ويدرِّب العاملين على البرنامج، ورجّح الاستعانة بهم في ولاية أو اثنتين كمرحلة أولى حتى تشمل جميع الولايات، وواصل قوله: لا أعتقد استدامة هذا المشروع أو حتى نجاحه بنسبة ولو 50%، وتساءل عن أثر المشروع على المستهدفين؟ وقطع بأنّ هذا المشروع لم يحقق 10% من مُستهدفاته, بجانب كل هذا أن مؤشرات الأداء غير واضحة ورؤية استراتيجية المشروع غير واضحة, وبالتالي مخرجات المشروع نفسها لم تكن واضحةً بالنسبة لنا كمراقبين، وأضاف في توصيته له: على القائمين بالأمر بأن يعملوا على نشر تقارير أكثر شفافيةً ومسؤولية وفيها مُساءلة لما تم صرفه من هذا البرنامج.

مُعالجات

وبحسب محللين اقتصاديين, مشروع ثمرات جاء كفكرة اقتصادية لمُعالجة إفرازات رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية ولتحصين معاش السكان في جميع أنحاء البلاد، ويرى البعض أنّ هذا المشروع لوحده لن يسهم في تخفيف آثار الإصلاحات الاقتصاديّة، وفي واقع الأمر أن اتهام أي جهة بالعرقلة أو المُتاجرة بمال المشروع قبل تسليمه لمُستحقيه أمرٌ يتجنّب مُختصون الحديث حوله، وفي سعينا لوضع تساؤلات حول سير العمل في برنامج ثمرات وما التحديات التي تُواجه تنفيذه بالشكل المطلوب..؟ ولماذا لم يغطِ جميع الولايات السودانية..؟ هل هناك جهات تعرقل هذا المشروع..؟ ومدى استدامة هذا المشروع في السودان..؟.

مشاكل فنية

المحلل الاقتصادي، محمد النيل، يرى أنه وحتي بافتراض استمرار المشروع فهو يواجه عقبات لا حصر لها، كما أن فترته المقدرة بعامين لم يتبق منها الكثير، حيث شارف العام الأول على الانتهاء، ولا يزال المشروع في بداياته وهناك مشكلات في التحويلات المالية من البنوك ومشكلات تقنية، وولايات لم يبدأ بها التسجيل بعد.

ولفت النيل لـ”الصيحة” إلى أن المشاكل الفنية تلعب دوراً كبيراً في بطء البرنامج وشُح الكوادر وضعف استيعاب الأعداد الهائلة من المستحقين، وقال إن الجهات المسؤولة مثل لجان الخدمات اجتهدوا, لكن شُح الفنيين وتقنية المعلومات وضعف الشبكات أثّرت بشكل ملحوظ في مسار خدمة ثمرات.

عوائق جوهرية

بدوره, يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل سامي، بعيداً عن المشاكل الإدارية التي برزت إلى السطح أثناء تنفيذ المشروع, كان غياب المعلومات والتقنية اللازمة لتنفيذ البرنامج هي المعوق الرئيسي لتنفيذه بنجاح، وبحسب حديثه حتى الآن لم يستفد من المشروع إلا بعض العشرات من الآلاف من المسجلين فقط, وكان من الأفضل أن يتلقّى المسجلون كامل حقوقهم البالغة (5) دولارات للفرد في الشهر على أساسه الشهري حتى يستفيد المُستحق من القوة الشرائية التي يُتيحها التضخم من قوة شرائية لها خلال أي شهر بتجنيبه تآكلها في الشهر الذي يليه عند تلقِّيه قيمة الـ(5) دولارات بالجنيه السوداني (حتى تم قبول افتراض استقرار سعر الصرف غير الحقيقي)، وتابع قائلاً: لا أريد اتهام أي جهة بالعرقلة أو المُتاجرة بمال المشروع قبل تسليمه لمُستحقيه على نمط فاسدي النظام البائد وفق فلسفة مُستشاريهم في ذلك الزمان، لكن أرى أنّ العوائق الجوهرية متمثلة في ارتفاع تكلفة جمع المعلومات الدقيقة عند التمييز بين السودانيين وغير السودانيين، ولفت إلى أن البطء الشديد في التنفيذ من منظور المستحقين الذين يلهثون وراء كل قرش لتوفير الاحتياجات اليومية بأقل حرمان مُمكن، وأشار إلى ضعف البنية الأساسية التي لا تشمل كل السودانيين بكل الولايات، ونوّه إلى أن التضخُّم الجامح الذي يمر به الاقتصاد السوداني، وقال إنّ مدة هذا المشروع (مقدرة من ٦ أشهر إلى سنة تقريباً) أو على أساس شهري ستؤدي بالضرورة إلى استدامة رفع الأسعار السائد حالياً والذي سيستفيد منها أصحاب البرادو (كوصف بديل للأغنياء) بما يؤدي لتفاقم كارثة عدم المساواة في توزيع الدخل حول العالم اليوم بسبب فلسفة وسياسات المدرسة النيوليبرالية التي بدا حتى المواطن العادي يثور ضدها، وقال في تقديري ان هذا المشروع لوحده لن يسهم في تخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية بالمنهج النيوليبرالي الذي أفاد جون ويليامسون في ١٩٨٩ بأنّها لا تصلح لدول أفريقيا خاصة، وأكد أن المُستفيد النهائي من مشروع ثمرات في ظل ما يُعانيه الشعب من التضخم الحالي هم الأغنياء فقط حتى ولو لم يستفيدوا من المشروع, وذلك كما أثبتتها تجربة رفع الدعومات عن الوقود والكهرباء والخبز.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى