Site icon صحيفة الصيحة

المُواطنون في محنة مخابز بلا رغيف مدعوم.. مَن المسؤول؟! 

أزمة الخبز

 

الخرطوم- جمعة عبد الله

تزايدت المصاعب على المُواطنين في سبيل الحصول على رغيف الخبز المدعوم، تزامناً مع توقف أكثرية المخابز عن العمل واقتصار إنتاجها على الخُبز التجاري، وإزاء هذا الوضع واجه المُواطنين صُعُوبات بالغة في الحصول على رغيف الخبز وامتدّت الصفوف أمام المخابز، فيما أغلقت بعض المخابز أبوابها كلياً لنفاد حصتها من الدقيق، كما تسبّب الانقطاع المُتكرِّر للتيار الكهربائي في تعميق أزمة المخابز، وعانت معها مطاحن القمح من صعوبة العمل في ظل عدم تأمين إمداد الطاقة للمطاحن, خاصّةً وأنّ هنالك انقطاعاً للتيار الكهربائي.

أزمة قديمة مُتجدِّدة

طوال العامين الأخيرين, لم تغب أزمة الخبز عن الأذهان كلياً, فما أن تخبو حتى تظهر للسطح مجدداً وبصورة أوسع من سابقتها بالرغم من المجهودات التي تُبذل, واتّباع السُّلطات لإجراءات للسيطرة على سوق إمداد الدقيق في البلاد، إلا أن استمرار ظاهرة طوابير الخبز في الخرطوم ومدن أخرى ما زالت مستمرة وسط تأكيدات من اتّحاد المخابز بأنّ الكميات التي وصلت للمخابز من الدقيق أمس كافية وتغطي احتياجات المخابز من الدقيق، بيد أنه عزا الأزمة إلى مشكلات في توفر الغاز للمخابز وعدم وجود عمالة بالمخابز.

توقف الدقيق

أوضح عضو لجنة تسيير تجمع المخابز عصام عكاشة، أن الأزمة ترجع لتوقف حصص الدقيق المدعوم عن المخابز, وقال إنها متوقفة كلياً.

وقال عكاشة لـ”الصيحة”, إن المخابز العاملة مجبرة على الإنتاج التجاري لجهة عدم توفر دقيق مدعوم، مشيراً إلى أن الحديث عن وصول شحنات من الدقيق يسمعونه فقط ولم تصل المخابز أي كميات جديدة من الدقيق المدعوم.

سعت “الصيحة” للاستيثاق من توقف حصص الدقيق المدعوم، بيد أن مدير عام التجارة الداخلية بوزارة التجارة الفاتح عبد الله اعتذر عن الإفصاح عن أي معلومات حالياً.

تناقُص حصص

ومنذ الشهر الماضي, قلصت الحكومة دعم دقيق الخبز بنسبة 30%، من 535 جنيهاً لجوال الدقيق، إلى 800 جنيه، كما رفعت أسعار غاز المخابز بنسبة 700% من 1.8 جنيه إلى 8 جنيهات للتر الغاز.
وأكد رئيس اللجنة التسييرية لاتحاد المخابز، الباقر عبد الرحمن، تواصل ارتفاع كل مدخلات إنتاج الخبز، بما فيها الدقيق والغاز التي يتم دعمها.

وأوضح الباقر لـ”الصيحة” أن سعر جوال الدقيق ارتفع من 535 جنيهاً إلى 800 جنيه، فيما ارتفع سعر الغاز من 1.15 إلى 8 جنيهات للتر، مشيراً إلى أن هذه الأسعار تغيّرت رغم أنها مدعومة من الحكومة، ولفت إلى رفع أصحاب المخابز مطالبة للحكومة الولاية لزيادة السعر لتغطية التكلفة، بيد أنهم لم يتلقوا رداً.

غياب المعلومة

تقول الخبيرة الاقتصادية د. إيناس إبراهيم لـ”الصيحة” إن ما يحدث في مسألة الخبز نتيجة طبيعية لحالة البلاد التي تمر بظروف مُعقّدة, منها إغلاق الموانئ، بالإضافة إلى غياب معلومات الدقيقة عن حجم النقص سواء في الدقيق أو الغاز.

صُفُوفٌ بالمخابز

ووفق متابعات لـ”الصيحة” بعدة مناطق بالخرطوم, تشهد المخابز صفوفاً متفاوتة, فيما أغلقت بعض المخابز أبوابها بسبب عدم توفر الدقيق.
وقال صاحب مخبز بمحلية بحري, إن حصص الدقيق غير منتظمة، مشيراً إلى أنهم لم يتسلّموا حصتهم الأسبوع الماضي مما تسبّب في الأزمة بعودة الصفوف، مشيراً إلى تراجع حصة الدقيق للمخبز.

أما منطقة الخرطوم وسط, ما زالت تشهد صفوفاً طويلة أمام المخابز خاصة منطقة الشجرة واللاماب والعزوزاب وجنوباً حتى مناطق الكلاكلات، وشكا عدد من المواطنين بالمنطقة من استمرار أزمة الخبز، وأشاروا إلى أنهم يجدون صعوبة بالغة في الحصول عليه في ظل الوقوف لساعات في الصفوف أمام المخابز، مطالبين بضرورة إيجاد حلول جذرية لإنهاء الأزمة.

وتنتهج الحكومة سياسة دعم جزئي لصناعة الخبز، تشمل توزيع الدقيق على المخابز بسعر مدعوم، مقابل عمل المخابز بتعرفة الجنيهين، إلا أن الاعتراض من أصحاب المخابز، في كون بقية مدخلات إنتاج وصناعة الخبز “ليست مدعومة” وأسعارها في تزايد مستمر، مشيرين إلى أن كرتونة الخميرة وصل ثمنها إلى ما يقارب الـ “10” آلاف جنيه، وجركانة الزيت “8” آلاف جنيه، كما ارتفعت أجور العمالة، وتعرفة الكهرباء، عَلاوةً على تحرير أسعار الوقود، ومضاعفة أسعار غاز المخابز نحو ثلاثة أضعاف مع انعدامه في كثير من الأحيان، وحالياً تمر البلاد بأزمة غاز خانقة، وتشكل هذه المدخلات نسبة عالية من إجمالي التكلفة بحيث أصبح دعم الدقيق وحده “لا يكفي”، ولا يمثل شيئاً أمام تكلفة التشغيل الإنتاج.

أرقام

حتى خواتيم العام المنصرم كان عدد المخابز بولاية الخرطوم، “3.739” مخبزاً تتباين حصص الدقيق اليومية التي تحصل عليها بحسب حجم المخبز والكثافة السكانية بالموقع، ويتناقص عدد المخابز العاملة تدريجياً بسبب المشكلات أعلاه، ورغم عدم وجود إحصاء رسمي عن عدد المخابز العاملة حالياً، إلا أن التقديرات تقول إنّ نحو 50% منها خرجت عن العمل كلياً والبقية لا تعمل جميعها, حيث يتكرّر التوقُّف الجزئي، وبعض المخابز تعمل يومين في الأسبوع وبعضها لا يتجاوز فترة عمله ساعات قليلة في اليوم بسبب العجز عن مقابلة تكاليف التشغيل المستمر.

في جانب الدقيق, تحتاج البلاد لما لا يقل عن 600 طن من القمح في المخزون الاستراتيجي، وهو ما لا يتوفر حالياً, حيث لا تتجاوز السعة التخزينية 200 طن مما يجعل الاعتماد على الوارد مخاطرة غير مضمونة خاصة مع زيادة تكلفة الترحيل من الموانئ ونقص الوقود، وادى هذا الوضع الضبابي لوجود عجز دائم في الدقيق بالولايات ويصل النقص في بعض الأحيان إلى 50%.

وتشكو المخابز العديد من المُعيقات والمشاكل, ونفى صاحب مخبز بالخرطوم (3) احمد عبد المجيد لـ”الصيحة”، عن وجود شُح في الدقيق وان الحصص التي يطلبوها تأتي إليهم كاملةً, وأشار إلى مُعاناة المخابز من ضغط كبير في تغطية الطلب اليومي في إشارة منه لوجود طلب عالٍ من المُواطنين لشراء الخبز بكميات تفوق الطاقة الإنتاجية للمخابز, فضلاً عن ارتفاع تكاليف التشغيل المُتصاعدة، وقال: بالرغم من توفر حصص الدقيق التي تأتي للمخابز, إلا أن أرباح تكلفة التشغيل خَاصّةً المخابز الصغيرة ضعيفة.

نقص المخزون

وفي ذات السياق, أقرّ رئيس اللجنة الاقتصادية لحماية المستهلك والخبير الاقتصادي د. حسين جبريل القوني, بوادر أزمة في الدقيق أرجعها لعدم وجود مخزون استراتيجي كاف من سلعة القمح, وقال في حديث لـ”الصيحة” إنّ أزمة الدقيق واحدة من الأزمات لتي يعاني منها المستهلك, وإن الأسباب الحقيقيّة للأزمة ضائعة بين المواطن والمسؤولين، وشدّد على أهمية إبقاء الدعم على سلعة الدقيق لأنه سعلة استراتيجية وضرورية ويجب على الحكومة أن لا يرفع عنها الدعم, بل توفيرها لما لها من تأثيرات سالبة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي, مُنادياً بأهمية تشجيع زراعة القمح داخلياً حتى لا يذهب قرارنا للخارج, لافتاً الى ضرورة البحث عن بدائل وأدوار تقوم بها مراكز البحوث للتوصل إلى الأسباب الحقيقية التي أوصلت البلاد الى هذه المرحلة, واكد القوني أن الواقع الحالي يقول إن الوضع الاقتصادي غير مطمئن, واضاف أن (البلد الآن تأكل من سنامها) لعدم توفر الخدمات, ولفت بضرورة مُعالجة الوضع, خاصةً وأن ذلك سيؤدي إلى تراكم المشاكل وسيكون الوضع أكثر تعقيداً وعندها ستكون المشكلة أكبر, ونهيب بالحكومة أن تراعي مصلحة المواطن أولاً وأخيراً.

Exit mobile version