إجراءات البرهان.. قراءة في المشهد السِّياسي

تقرير: صلاح مختار

أكثر المُتشائمين من الوضع السياسي السابق لم يكن يتوقع إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر التي أعلن عنها رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عندما قام بحل الحكومة ووضع رئيسها قيد الإقامة الجبرية, فضلاً عن إعلان حالة الطوارئ وحل مجلس السيادة وتعطيل مواد من الوثيقة الدستورية، ورغم أن أقل المتفائلين كان يتوقع ذلك باعتباره أمراً طبيعياً في ظل انسداد الأفق السياسي ووصول البلاد إلى مرحلة اللا عودة التي باتت تهدد الأمن القومي للدولة, ولكن في المقابل وجدت الإجراءات ردود فعل متباينة كما هو متوقع, ويمثل الحال الذي وصل إليه في الشارع المنقسم إلى قسمين بين مؤيد ومعارض للقرارات.

ورغم اتفاق الجميع أو المكونين المدني والعسكري على قاعدة مدنية الدولة, إلا أن البعض أضرته تلك القرارات وهو ما دفع ببعض الأحزاب إعلان موقفها الرافض لتلك الإجراءات, في المقابل يصب القرار في اتجاه الداعمين للتحول الديمقراطي عبر تصحيح المسار, ويرى البعض في مشهد اعتصام القصر وما تبعه من مسيرات في (21) اكتوبر صورة للمشهد الداخلي الذي جعل التحول أمراً لا بد منه.

إجراءات التحول

قرارات البرهان الأولى شملت إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد, والتمسك الكامل والالتزام التام بما ورد في الوثيقة الدستورية مع تعليق العمل المواد 11 و12 و15 و16 و24-3 و71 و72 من الوثيقة الدستورية, مع الالتزام الكامل بها واتفاق السلام مع حل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه بالإضافة حل مجلس الوزراء, وإنهاء تكليف ولاة الولايات, وإعفاء وكلاء الوزارات, على أن يُكلّف مديرو العموم بتسيير دولاب العمل, وشمل القرار تجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مُراجعة أعمالها. المشهد الآن بعد إجراءات البرهان فيه اكثر من صورة يمكن أن تشير إلى الواقع السياسي, ولكن هنالك صورة واحدة يتحسّس الناس من خلفه أن يكون المخرج من الأزمة وهي المبادرات التي يقودها بعض القيادات الوطنية من شأنها نزع فتيل الأزمة وإعادة المشهد إلى وضعه الطبيعي.. إذن كيف نقرأ تلك المشاهد؟

نقطة اللا عودة

رغم أن الساحة تمر بربكة حقيقية, إلا أن هنالك خلاصات كما يراها القانوني بارود صندل بعدم استمرار الوضع ما قبل (25) أكتوبر الذي يمثل خطراً على البلد بالتالي المرحلة وصلت إلى نقطة اللا عودة, وكان من المتوقع كما قال لـ(الصيحة) مغادرة رئيس الوزراء لجهة أنه في خطابه أكد التزامه بالوثيقة الدستورية وهو ما يمنحه مساحة بتغيير الوزراء بوزراء مستقلين وكفاءات, وأكد أن المجلس السيادي لديه سلطة ان يقيل رئيس الوزراء ومن يملك سلطة التعيين يملك سلطة الإقالة حتى وإن كان غير منصوص عليه في القانون. وقال: كان يمكن لرئيس المجلس السيادي استخدام تلك السلطة بالعودة إلى اجتماع للقوى التي كانت يمكن أن تمثل الجانب الآخر من الطرفين وينادي في إطار توسعة الشراكة, غير أنه قال “يبدو ان العسكريين يميلون إلى الإجراءات الحاسمة في إرجاع الأمور إلى نصابها”.

اللبن المسكوب

ويرى صندل ان الواقع الآن أحسن حالاً, وعلى القوى السياسية أن لا تبكي على اللبن المسكوب, وما زال أمام المكون العسكري مساحة بإرجاع المسؤولية إلى شخصية مدنية والعودة إلى دورهم الرقابي والحوار بشأن تعيين شخصية مدنية تُحظى بقدر من القبول والاحترام يرى فيه الجميع الشخصية القومية القادرة على إدارة شأن الدولة, وحول ذلك لا بد من الحوار مع الآخرين والتوافق على شخصية مقبولة تتمتّع بقدر من الاستقلالية لإدارة الفترة الانتقالية, على أن يتمتع بالاستقالية في اختيار وزرائه. وأكد أن المكون العسكري كان له شرط واحد فقط بأن تكون الحكومة من التكنوقراط دون انتماءات سياسية وبالتالي أي محاولات للسيطرة على الحكومة من أي طرف تكون الحسابات غير دقيقة, لأن الذين خرجوا في المسيرات السابقة كان مطلبهم حكومة مدنية, بالتالي أي سيطرة من أي مكون لن يكون في صالح العملية السياسية, وأن المخرج واضحٌ في حكومة كفاءات مستقلة كما جاء في نص الوثيقة الدستورية, وأضاف “لا بد أن نلزم أنفسنا بها في استكمال هياكل السلطة المدنية, وإذا التزمنا بذلك في الحكم فإن أمورنا تمشي تمام”.

أخطاء الممارسة

المشهد السياسي أبرز ما فيه أن هنالك شبه اتفاق سواء كان من المكون العسكري او المدني في عدد من النقاط, أبرزها الدولة المدنية وضرورة العودة إلى الوثيقة في تشكيل الحكومة الذي نصّت على حكومة تكنوقراط حقيقية دون محاصصات.

ويقول الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السابق العميد الصوارمي خالد سعد لـ(الصيحة): ما يحدث الآن محاولة من الفريق أول البرهان بأن يصل بالسودان إلى وضع تصحيحي, مُعتقداً بأنّ المرحلة الماضية حدثت فيه أخطاء في الممارسة, ورأى أن الوضع في جملته يحتاج لتصحيح, باعتبار الوضع الراهن بالنسبة للدولة والمواطن فيه كثير من التعقيدات والمشاكل, وبالتالي كان لا بد من وضع نقطة فاصلة لتصحيح الوضع الخاطئ وإعادة الأمور إلى نصابها, ولفت إلى أن البرهان ونائبه حميدتي حذّرا من ذلك وأقرا مراراً بفشل الحكومة, وأن البرهان قبل عام لفت إلى ذلك في خطابه أمام قيادة المظلات, ولذلك الإجراءات التي اتخذها البرهان قد تأخّرت كثيراً,  وأكد أن الجيش لن يتدخل في اختيار الحكومة أو الوزراء وسيلتزم بمراقبة الحكومة والأمر مَكفولٌ لرئيس الحكومة المدني في اختيار حكومة كفاءات, مؤكداً أن الفترة المقبلة مدنية بحتة رغم ان البعض يرى عدم تدخل الجيش, إلا أن إبعاده نهائياً مستحيل وسيكون رقيباً على الحكومة حتى انتهاء الفترة الانتقالية ثم الانتخابات.

ظروف موضوعية

ما حدث من إجراءات في حكم المحللين, كان أمراً متوقعاً أكثر من رأي لفت إلى الخلاف الكبير بين مكونات الحكم في السودان, وأكثر من مناسبة حذر فيها أطراف الحكم في تلك الخلافات, ولذلك توقّع المحلل السياسي د. أبو بكر آدم استمرار المحتجين في ثورتهم, ولكن في المقابل لا يدفع الأمر إلى تراجع المكون العسكري من إجراءاته التي اتخذها في الخامس والعشرين من أكتوبر وذلك بالنظر إلى أن المحتجين يريدون حكومة مدنية, في نفس الوقت الذي يسعى فيه المكون العسكري من الوصول إلى اتفاق مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وإعادته إلى المشهد من جديد, وحتى يتحقّق ذلك فإنّ التنبؤ بالأوضاع كما يراه آدم صعب في ظل الاحتقان والتعبئة المضادة, بالتالي لا يُوجد لدى أي من الجانبين، سواء كان مدنياً أو عسكرياً، طريقة سهلة للخروج من الأزمة أو النزول منها. وقال لـ(الصيحة) إن الفريق أول البرهان يرى أن الخطوات التي اتخذها كانت ضرورية لمنع اندلاع حرب أهلية، بالنظر إلى حدوث انقسامات مُتزايدة بين الجماعات السياسية. ورغم ذلك فإن هنالك نقطة اتفاق بين الطرفين في محطة المدنية, ولكن يخشى البعض من سيطرة العسكريين على تلك المحطة, ولذلك من المُتوقّع أن تستمر المُطالبات بحكومة مدنية رغم أن سقف تلك المطالب كما يراه قد اختلف, فإن المكون العسكري قد يلجأ إلى خيارات بديلة حال فشلت المحاولات من إقناع حمدوك من العدول والموافقة على تشكيل الحكومة المدنية, ويرى آدم أن المبدأ بين البرهان وحمدوك واحد في تشكيل حكومة الكفاءات, ولكن هنالك ضغوط كبيرة تُمارس على حمدوك من أجل إعادة الصورة القديمة إلى المشهد السياسي وهو ما يرفضه البرهان, وأضاف أن تسليم السلطة للشعب السوداني الذي خرج يحتاج إلى أجواء جديدة من بناء الثقة والحُرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى