بُستان الحلنقي.. إسحق الحلنقي

(1)

كان من عادة السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنها أن تستقبل عدداً من فتيات قريش في منزلها للمؤانسة في مختلف المواضيع الخاصة منها والعامة وذات يوم أخذ عدداً منهن يتحدثن عن آبائهن وما جلبوه لهن من الهدايا أثناء رحلاتهم إلى عددٍ من مُدن الجزيرة العربية كانت كل منهن تتفاخر بما حمله لها والدها من الحرير واللآلئ بكافة أشكالها, ظلت سليلة البيت النبوي تنظر إليهن وهي تصغي إلى صوت الآذان وفي اللحظة التي وصل فيها المؤذن إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قالت لهن بصوت فيه الكثير من الحنان هذا أبي فصمتن لم تقدر واحدة منهن أن تتحدث عن شئ اسمه الهدايا، وهل بعد اسم المصطفى عليه الصلاة والسلام حديث يقال.

(2)

أثناء حوار أجرته الإذاعة السودانية مع الفنان محمد الأمين, وجه له مقدم البرنامج سؤالاً عن متى سيعمل على تقديم أغنيته الجديدة (اللارنجة) فأجاب أبو اللمين ضاحكاً بعد أن ينتهي موسم (منقة) الحلنقي في سوق إذاعتكم الموقرة، جاء ذلك أثناء قيام إذاعة السودان بتسجيل عدد من الأغاني المعبأة بالغزل في عيون الفواكه القادمة من جناين كسلا والباقير والباوقة (اللذيذ تفاحها). الجدير بالذكر أن محمد سلام كان قد تغنى في تلك الأيام بأغنية (إتعزز الليمون) كما تغنى التاج مكي بأغنية (العنبة)، أما البلابل فانهن اخترن لون المنقة التي أصبحت مثل السلام الجمهوري يبدأ بها الحفل ثم ينتهي على أنغامها. أعتقد أن الفنان محمد الأمين كان له الحق في أن يؤجل أغنيته (اللارنجة) إلى زمن آخر.

(3)

*كثيرون يصفون الفراشات الحنينة بأنها حمقاء لأنها ترمي بأجنحتها إلى النار تموت بين أحضانها عشقاً, ولكنهم يجهلون أن هذه الفراشات اختارت أن تموت احتراقاً خلاصاً من زمن أصبح ملكاً للصيادين يُحيطون بها من كل جانبٍ, يدوسون على أجنحتها الرقيقة دون أن تأخذهم رحمة بألوان لها, لم يسمع بها كل تاريخ الألوان, وكان قدامى اليونانيين يعتقدون أن الروح تفارق الجسد في شكل فراشة, وأنا أتخيل أن روح إنسان هذا العصر تفارق في شكل آهة تبحث لها عن اتكاءة نورية على الطرف الآخر من النهر.

(4)

*من المعروف أن شجرة السنديان هي أكثر الأشجار خُضرةً في العالم ولكن أوراقها الخضراء تحمل بين طياتها الملايين من الديدان الصغيرة لا تُرى بالعين المجردة، ذكّرني ذلك ببعض الناس, تراهم فتشعر أنك أمام وجه لقديس وهم في حقيقتهم وجه لقُبحٍ مُستتر تقديره للناظرين، هكذا هم تماماً مثل أشجار السنديان خُضرةً تكاد أن تضئ من الخارج وعتمة من الداخل تعجز عن إضاءتها ألف شمس وشمس.

(5)

تبين من دراسة أجرتها إحدى الهيئات الطبية أن العيون الناعسة التي تغنى بها عدد كبير من شعراء الرومانسية هي عيون مريضة تُعاني من اختلال في بعض الشرايين الدقيقة مما جعلها قابلة لنوع من التهدل الناعس, فيُخيّل للناظر إليها أنه يموت شوقاً بين مسافة بين النوم والصحيان, فإذا كانت هذه حقيقة فلا عزاء لشعراء العيون الناعسة.

(6)

ما ذهبت لمدينة كسلا إلا وحملتني الأنفاس إلى مجلسٍ تعوَّد أن يقصده الشاعر الراحل المقيم محمد عثمان كجراي ليتناول قَهوته الصّباحية وسط مجموعة من زملائه من أبناء قبيلة البني عامر، فيمد يداً طالما قاوم صاحبها بفكره وقلمه كل من حاول أن يمس شعرة من ضفائر توتيل, قال لي عنه شاعر البحر القديم مصطفى سند: ما أجمل تواضع العباقرة في عينيه المُرهقتين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى