Site icon صحيفة الصيحة

علي مهدي يكتب : عرسي وعرس الزين كتابٌ مفتوحٌ يستحق الاحتفاء إسراء بِنَا الفضاءات العالمية

علي مهدي

عرس الزين الفيلم والمسرحية من كرمكول، إلى الكويت، باريس، القاهرة، تونس ونيويورك، وما بينهما حصل الفيلم عرس الزين لمخرجه خالد الصديق, على سبع جوائز عالمية.

 

عدت يا سادتي للنظر بالتقدير والحب إلى تصاويري الأقدم، تحمل الحكايات، وتشير إلى شراكات أولى، أفضت إلى نتائج إيجابية وقتها بكل قياسات الموجب وغير ذلك فيها الإحداث، وقتها حملتني إلى منصات التتويج الإقليمية والعالمية، قبل عقدين من الزمان، تزيد ولا تنقص قليلاً.

و(باريس) التي أحب وأعشق ونتبادل ذاك وهذا، تقدمني تلك الأيام وفي أجمل أمسياتها، غير بعيد عن نهر (السين) الأخضر، مرتين في شهر واحد، الأولى على خشبة مسرح معهد العالم العربي، ومعهد المؤسسة الثقافية والفنية، والمكتبات والمتحف والقاعات الفسيحة فيه والمسرح والسينما، من خلفها الفكرة، والمبادرة، أن يصبح المعهد، جسرًا بينها الثقافة العربية والغرب الأدنى فيها أوروبا الكبرى.

في الأول من مارس أواخر العقد التاسع من القرن الماضي، وقفت يومها وقبلها في يناير مشخصاتياً لواحد من أهم شخوص سيدي الطيب صالح (دومة ود حامد). يوم نظم المعهد الأشهر  عربيًا فيها مدن الغرب، أياما وأسابيع وأشهر للحضارة والفنون والفكر السوداني القديم والمعاصر، ازدانت لياليها (باريس) بهجة على ما فيها من حُسن بواحدة من أهم البرامج الثقافية والفنية السودانية خارج الوطن، وفي عاصمة النور. ولم تتكرر تلك الأيام والأشهر بعدها، وكانت عندي أنها أفضل نموذج للشراكات المستنيرة بين الأجهزة الحكومية المسؤولة عن الشؤون الثقافية، وبين الدبلوماسية الرسمية والشعبية، خاصةً وأن المنظمين كانوا ممثلين لكل أطراف تلك الشراكة المستنيرة.

وازدانت (باريس) بأكبر لافتات الترويج عن (ممالك على ضفاف النيل) برامج وعروضاً ومعارض، في كل مساحات معهد العالم العربي، المتحف الكبير وقد ضم بعض القطع الأثرية التي تزين فترينات المتاحف العالمية باتفاق ذكي، جمعت مع ما خصّصته ادارة المتاحف السودانية، تضمن البرنامج الأغنيات والموسيقى السودانية التراثية والحديثة، والرقصات الشعبية المتنوعة والمتعددة، وغيرها من فنون الأداء.

وكانت مسرحية (دومة ود حامد) لسيدي (الطيب صالح)  حاضرة من إنتاج المسرح الوطني – مسرح البقعة, وإعداد وإخراج الأستاذ الدكتور سعد يوسف عبيد، وضم الفريق التمثيلي وقتها رواد حركتنا المسرحية، وبينهم من كانوا شباباً وقتها.

ثلاثة عقود الآن تمضي وأكثر، بين ليلة العرض تلك، واستعادة الذكرى التي تنفع ومعهد العالم العربي يؤكد في كل الأوقات اهتمامًا بجهودنا الإبداعية.

ثم عدنا لها (باريس) مرة أخرى في إطار ذات البرنامج السوداني الفريد، لنقدم الفرجة الأولى.

فرجة التأسيس للتكوين (سلمان الزغراد سيد سنار)، له الرحمة والمغفرة والقبول, والحبيب عثمان جمال الدين، جمعتنا الاهتمامات بفنون الأداء، والبحث والنظر بتقدير للتراث الشعبي. وطالت تلك الأيام جلستنا في بيت مهدي، احكي ويكتب، ويعيد السؤال، وانتظر الإجابة مني ومنه، ونقطع المشاوير إلى (الحلفايا)، نجلس كثيراً للراحل العالم الجليل عون الشريف قاسم، نعود وأحمل نسختي من كتاب الطبقات لمحمد نور ضيف الله، ونراجع ما كتبنا ثم أجلس مع الفريق التمثيلي الأول لمسرح البقعة في مسرح الفنون الشعبية أم درمان صباحاً مرة، وأخريات في المساء، وتخرج الفرجة المؤسسة ويقف الشيخ العارف سلمان الزغراد على بوابات الدخول لمعهد العالم العربي في (باريس)، غير بعيد من المقاهي الأشهر على الشارع  الفسيح، إذا نظرت ثم نظرت، تلمح أضواء برج (ايفيل) بين الرقراق للعمارات الشواهق. والشارع الفسيح يضئ احتفالاً بالعرض التمثيلي السُّوداني الأول في تاريخ فنون الأداء الوطنية في بدايات تأسيسها لعلاقتها الدولية. وهو يبدأ من ساحة المعهد الكبيرة، ويمسك بالجمهور بين يديه، قبل أن يُسمح له بالدخول لقاعة المسرح الوسيع، تسبقه الرايات تُرفرف خضراء, صفراء, حمراء. ومكتبة (الشرق) في مقابل جامعة (باريس), ثمانية كانوا طلابها في الأدوار العليا، يسمعوا رنين الأجراس، والنوبات ترز وترز معها مياه نهر (السين) القديمة فيرددون التهليل بصدق ومحبة، الله الله.

ذاك كان عرضي المسرحي الأول، بعد أن خرجت من جلباب (محمود ود الداية).

ذاك كان الاحتفال الأول بي في مدخل مدن العالم الكبرى، والتي ما توقفت جولاتي فيها بعد، أعودها وأذهب عنها، مشخصاتياً، مكونا، محاضرا, مدربا، مستمعا، مشتركاً، كل  أشكال الحضور كنت فيها لسنوات. ثم أخذتنا الأحلام بعدها بعيداً، من بلد إلى آخر، نقدم الفرجة, الأحداث، ونبني في حوارات الحضور الممكنة، وتكون (باريس) أقرب لي في المدن الأوروبية.

وفي ذاك الشهر مارس, ينظم معهد العالم العربي وقسم السينما فيه احتفالاً بتوقيع سيدي الطيب صالح, على نسخة جديدة من ترجمة أحدث لرواية (عرس الزين). في الصباح حدثتني مسؤولة قسم السينما وهي تؤكد سعادتها لموافقتي لحضور الاحتفاء في المساء. وإنها أبلغت سيد الاحتفال الطيب صالح بأنني موجود في (باريس)، وإنه فرح كثيراً، خاصّةً وأنّهم سيعرضون فيلم (عرس الزين) للمخرج الكويتي العالمي خالد الصديق عليه الرحمة.

وانتظرنا المساء كلنا حضور واستعداد للقاء أديبنا الإنسان، ومشينا المسافة بين فندقنا في ميدان (الباستيل) السجن القديم، لَم يَتبقَ غير منارة طويلة، وفضاء للسوق الأسبوعي، ومقاهٍ ومحلات الأطعمة العربية. مشينا حتى عبرنا الجسر، ودخلنا الشارع وجلسنا في المقهى في انتظار سيدي الطيب صالح، في الموعد تماماً طل علينا بدر وقمر منير، الابتسامة تسبق الكلام القليل، والسلام قوي، والضحكة القصيرة تمرح بيننا، فنطير ما بين (كرمكول) والبقعة المباركة وبورتسودان، ونعود للناس، حكينا وسمع، وقال وانبسطنا حد الشبع، وزغردوا الأحباب في سرهم، لكنها نعمة وود الريس وأحمد إسماعيل والطاهر الرواسي كانوا الأكثر انتظارًا للكلمات الطيبات الملهمات، ووقفنا على صوت محجوب النمر، نمشي نحو قاعة السينما، والناس كل في مقعده، وقف في المدخل، وتأمل الإعلانات، ووقف ووقع على أكثر من نسخة من كتاب رواية (عرس الزين) النسخة الجديدة بالفرنسية.

ودخلنا القاعة يمسك يدي، قال للجمهور الكبير الحاضر، اليوم يتحدث إليكم (الزين)، فهو حاضر بيننا، جاء من السودان، وهو هنا إلى جواري والفيلم أمامكم، وأنا سعيدٌ جدًا أن أشهد الفيلم في حضوره، وتحوّلت الأنظار نحوي وكأني المُحتفى به، وصار عرسي عرس الزين في باريس.

وسبحان الذي سهل لعبده من الفرص الأقل إلى الفضاءات الوسيعة.

سنعود نحتفي عامنا القادم إن شاء الله بسيدي الطيب صالح في مكتبة (الكونغرس الأمريكي) (بواشنطن) نعيد الأوراق وقبلها الأفكار، ونقدم بعض المشاهد، ونعرض بعض المقاطع من فيلم (عرس الزين), رحمة واسعة لسيدي الطيب صالح وللمخرج الكويتي العالمي خالد الصديق وللأحباب المشخصاتية في الفيلم.

ولنا عودة لكرمكول ثانيةً أو باريس.

Exit mobile version