أزمة الشرق.. حديث وزير الري صيحة أمام الأبواب المُوصّدة!

 

الخرطوم الطيب محمد خير

أطلق وزير الري د. ياسر عباس رئيس اللجنة الحكومية المكلفة بالحوار مع مُحتجي الشرق, بُشريات بحُدُوث انفراج في الموقف المتعصب, بقبول رئيس المجلس الأعلى لكيانات شرق السودان محمد الأمين ترك لبعض الحلول، وقال وزير الري إن الناظر محمد الأمين ترك، رحّب  باللجنة من خلال الاتصالات التي أجرتها معه, وكذا استند وزير الري في إطلاق بشرياته على الخطاب التصالحي الذي أظهره ترك في لقائه التنويري الأخير لتلفزيون السودان, الذي وصف الوزير بالروح الإيجابية التي فتحت آفاقاً أفضل لمُواصلة الحوار للتوصل الى حلول لمعالجة قضايا الشرق العادلة, مقترناً معه خطاب رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، الأخير الذي قال الوزير, إنه حمل رسائل إيجابية تضمّنت أسس مُخاطبة الجذور الاجتماعية والاقتصادية لشرق السودان.

وقبل أن تمضي البُشريات التي بعثها وزير الري الى غاياتها في التعاطي معها الذي لم يجد حَظّه من الاهتمام بسبب انشغال الحكومة بتصاعد الصراع داخل حاضنتها, حاول ترك العودة لتصدر المشهد بالتلويح بالانفصال بقوله حسب موقع “نبض السودان” الإلكتروني في حال تجاهلت الحكومة قضية الشرق وذهبت الى موانيء جديدة, فهو أمرٌ بمثابة عربون للانفصال. وهدد باللجوء الى دول إقليمية لتشغيل ميناء بورتسودان، في حال تجاهلت الحكومة حل قضية الشرق والاستعاضة عن ميناء بورتسودان بموانئ اخرى تابعة لدول مجاورة مع الإغلاق الكامل للشرق الذي يشمل جميع الطرق البرية وعدم استثناء أي مركبة بالإضافة إلى إغلاق الميناء بشكل كامل وإغلاق المطار. ويجئ حديث ترك رداً لإعلان الحكومة على لسان وزير التجارة والتموين السوداني علي جدو توجُّهها لتأمين احتياجات البلاد المستوردة عبر موانئ في مصر وليبيا وإريتريا بنظام العبور, مبيناً ان لجوء الحكومة لموانئ بديلة اقتضته التزامات الشركات المستوردة، التي وقعَّت عقوداً وصفقات مع بعض الدول.

ربما يكون وزير الري قد استعجل بإرسال رسالة إيجابية لتطمين الرأي العام بإمكانية نجاح لجنة الوساطة التي يترأسها, هذا ما يراه المحلل وأستاذ العلوم السياسة بجامعة بحري د. عمر عبد العزيز الذي قال لـ”الصيحة”, إن حديث وزير الري لا يخرج من فهمه في إطار حديث الخير والإيمان.

وأضاف د.عمر إلى أن ما يظهر في الإعلام يختلف تماماً عما يدور داخل المطبخ السياسي, وبالتالي رغم الاعتراف الذي ظلّ يتكرّر بأن للشرق قضية عادلة ويجب التعاطي معها يإيجابية منذ تصاعد الاحتجاج في الشرق والإغلاق، لكن لا يُقابل هذا الاعتراف اتفاق محدد بين أطراف الحكومة والحاضنة السياسية للتعامل مع مسار الشرق، وفي ظل غياب هذا الاتفاق لن يجدي ذهاب أي شخص للجلوس لوضع حلول حتى إن كان هذا الشخص هو حمدوك أو البرهان.

وأشار د .عمر الى قرار إلغاء اتفاق مسار الشرق أو فتحه ودعوة الأطراف للمشاركة في المؤتمر البديل قرار سياسي في المقام الأول تتخذه قوى الحرية والتغيير وليس الجهاز التنفيذي، لكن الآن قوى الحرية والتغيير مشغولة بنفسها, لأنّ الذي حدث من قوى الحرية والتغيير الميثاق الوطني زلزل الساحة بتطورات طَغت على أزمة الشرق وطغى على وجود ترك الذي كان خاطفاً للأضواء طوال الفترة الماضية منذ تفجُّر أزمة الشرق ما يقارب الشهرين ولم تعد القضية الأولى وأصبحت الساحة السياسية مشغولة بالصراع المتصاعد بين مكونات الحاضنة السياسية.

وأكد د. عمر انه لا توجد أي جهة تقدم رؤية لحل قضية الشرق في ظل هذا الصراع المتصاعد داخل قوى الحرية والتغيير وهي الجهة والوحيدة المنوط بها اتخاذ القرار الذي أشرت اليه وينبني عليه طي أزمة الشرق.

وقطع د. عمر أن تهديد ترك بتشغيل الموانئ يندرج تحت إثارة الانتباه إليه من بين ثنايا الأزمة المتصاعدة داخل الحرية والتغيير, فهو لا يستطيع تنفيذ تهديده هذا لأن هذا الأمر يحكمه قانون دولي مرتبط بالسيادة, وترك ليست له أي صفة سيادية ولا توجد دولة تخاطر بأن تتعامل مع جهة دنيا في هذا حتى إن كان يشغل منصب الوالي, لأن الموانئ مرتبطة بالشأن السيادي فلابد من الوصول للحكومة المركزية ممثلة في وزير النقل وبالتالي كل ما يقوله ترك بغرض إثارة المخاوف بوسائل مستحيلة الحدوث.

وأكد د. عمر ان لجوء الحكومة الى الاستعانة بموانئ في دول الجوار ليس ذا قيمة ولا يتعدى ان يكون وسيلة من وسائل الضغط على ترك, لكنها لن تكون بديلة لميناء بورتسودان بأي حال من الأحوال, لأن فيها موانئ تصدير المواشي والبترول وكل الاحتياجات التي تأتي من أعالي البحار لأنه بعد فترة سيكتشف ان رسوم الترحيل والجمارك كبيرة ومؤثرة على تكلفة الواردات من البضائع والسلع ووسائل الإنتاج التي ستشكل عبئاً جديداً في ارتفاع أسعار التكلفة لهذه الواردات أياً كانت.

وأكد د .عمر أن كل الأحاديث التي تتم عن التواصل مع محتجي شرق السودان لن تكون سوى أحاديث أمنيات, لأن المخرج يكون بتوسيع الحاضنة السياسية لشرق السودان ليصبح البجا جزءا منها وهم أميل للوفاق, لأن المشكلة ليست اتفاق مسار الشرق في جوبا, بل المشكلة في أن الحاضنة التي ترشح للمناصب وتسيطر عليها جهة معينة هي التي ذهبت إلى جوبا ووقعت الاتفاق وهنا تكمن المشكلة في إقصاء طرف يرى أنه أساسي في قضية الشرق.

وختم د. عمر: في ظل المشهد الماثل الآن نؤكد أنه ليس لرئيس الوزراء ولا قوى الحرية والتغيير رؤية لحل قضية الشرق, فقط كله حديث أمان لا يخاطب جذور المشكلة ولا ترك يستطيع تنفيذ تهديداته التي لوّح بها.

من جانبه, قال المحلل السياسي د. عبد اللطيف محمد سعيد “للصيحة”، إنّ ذهاب ترك في التصعيد بالتهديد نتيجة ان الدولة اظهرت ضعفا كبيرا في مقابل التعامل معه, وبالتالي ضعف الدولة فتح شهيته للتمدد ورفع سقف مطالبه مع رفض كافة أشكال الحلول التي طرحتها له الوساطات سواء الرسمية أو الحزبية أو نظراؤه من الإدارات الأهلية.

وأضاف عبد اللطيف أن قضية الشرق تمددت وأصبحت فيها أبعاد وتدخلات دولية وأممية رغم أن طريقة الاحتجاج تصنف في إطار الخروج عن الإجماع الوطني والتمرد على الدولة بالمنحى الذي سار عليه ترك بإغلاق الموانئ وخنق البلاد, وبالتالي كان كثير من الآراء تؤيد حسمه كخارج عن القانون. وأكد عبد اللطيف أن تلويح ترك باللجوء لتشغيل الموانئ تهديد لا يُمكن إنفاذه لاعتبارات تتعلّق بسيادة الدولة, ليس هناك من يُخاطر بالإقدام على التعاون معه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى