احمد موسي قريعي يكتب : الإسلام السياسي يوميات البارود والدم (3)

الجبهة الإسلامية القومية (1)

 

لقد شهدت عبارة “تسقط بس” التي تصدرت المشهد السياسي السوداني منذ بداية ثورة 19 ديسمبر 2018 المجيدة، على عملية الهبوط الأخير “لإخوان السودان”. بعد رحلة صعود استمرت ثلاثين سنة عجافا.

الحركة الإسلامية “الترابية” هي إحدى حركات الإسلام السياسي الراديكالي في السودان، التي تتبنى فكرة أن الإسلام هو “الحل” لجميع مشاكل الناس الدنيوية، وبالطبع هدفها الحقيقي المستتر من هذا الطرح الاحتيالي هو الوصول إلى السلطة والحكم كما فعلت في يونيو من عام 1989م.

هذه الحركة كان تكوينها انتهازياً منذ الوهلة الأولى، فهي قد رضعت من “التنظيم الأم” في مصر، “الفهلوة والحداقة”، والشطارة، واللصوصية، والتخفي والتدثُّر بثوب الدين.

فبدأت كجماعة مؤمنة هدفها التحرر من التديُّن الإسلامي التقليدي في السودان، ثم انتهت إلى جماعة هدفها الأساسي الإتجار بالدين والسياسة معاً.

 

تأسيس أول هيئة إخوانية كيزانية في السودان

 

بدأ أصل هذه الحكاية المشئومة في أبريل 1936 عن طريق الشيخ “عبد الله حمد” (تاجر بأم درمان والأبيض)، حيث أعجب بالإخوان المسلمين وجريدتهم أثناء تواجده في القاهرة، فزار مكتب الإرشاد العام، وجلس مع حسن البنا، وأبدى استعداده لنشر مجلة “الإخوان” الأسبوعية بين السودانيين، فرحب المكتب باستعداده، واعتمده مندوبًا للإخوان بأم درمان، غير أن دعوة ذلك التاجر لم تكن بشكل انتمائي كلي للحركة في مصر.

لكن بدأت الدعوة في شكلها الحقيقي عام 1943م، حيث يقول صادق عبد الله عبد الماجد: “تعرّفنا على البنا في 1943، حيث دُعينا في مدينة حلوان لحضور محاضرة للإمام الشهيد حسن البنا، وتحدّث الرجل حديثاً طيباً، ملك على الناس القلوب، ونحن في تلك السن وتحت تأثير ذلك التيار الذي انطلق من ذلك الشيخ، وقفت أسأل الرجل وأحدثه عن أهلنا المحرومين في السودان عن مثل ما سمعنا منه وما رأينا فيه، وفي حماس الشباب، وقتذاك ناشدت الرجل بأن يمتد بقلبه إلى السودان، وأسرها الرجل في نفسه، بعد أن أطلقت نفسه شرارة التحرك ومد الجسور لهذه الدعوة مع السودان”.

في الفترة ما بين عام (1944 و1945م) أرسل “حسن البنا”، وفداً من إخوان مصر، لاستطلاع الأمر في السودان ونشر الدعوة فيه، وكان من بين هذا الوفد “جمال الدين السنهوري” الطالب السوداني في كلية الحقوق – جامعة القاهرة، ثمّ تمّ لاحقاً خلال نفس الفترة اتصال بين “البنا” و”علي طالب الله” ودارت بينهما مكاتبات، كوّن على أثرها “طالب الله” أول أسرة للإخوان في السودان برئاسة إبراهيم المفتي، وبدوي مصطفى كنائب له، وعلي طالب الله سكرتيراً، وعضوية محمد إسماعيل الأزهري – عم إسماعيل الأزهري – وآخرين، حسب ما ذكر الكاتب الإسلامي “حسن مكي”. فكانت أسرة الندامة التي حولت حياة السودانيين الآمنة الهادئة البسيطة إلى حياة تعيسة يشوبها الإحباط والتشاؤم.

ثم جاءت مرحلة تبادل الزيارات الإخوانية، ففي أكتوبر عام 1946م أرسل البنا إلى السودان وفداً عالي المُستوى برئاسة السكرتير العام للإخوان المسلمين عبد الحكيم عابدين، حيث تكونت أول هيئة فعالة للإخوان المسلمين برئاسة “عوض عمر” إمام مسجد أم درمان الكبير، وعبد الفتاح جلي ومحمد عبد الراضي زقالي – الذي أصبح مسؤولاً عن توزيع الجرائد والمنشورات القادمة من مصر، وأخذت هذه الجماعة تجتمع كل مساء جمعة كجمعية دينية، فكانت دورة اجتماعاتهم تمثل تحرُّكًا عمليًّا غير مسبوق في سبيل انتقال دعوة الإخوان إلى السودان، إلا أنّ غياب الفكر التنظيمي السليم أدّى إلى ضياع مجهودات كثيرة في سبيل انتشار الجماعة في السودان.

ثم صارت السودان ملجأً لإخوان مصر (مثلما هي الآن) بعد أن تم حل الجماعة عام 1948، حيث هاجر عددٌ كبيرٌ من الإخوان المصريين إلى السودان، فأسهم ذلك في تركيز الجُهُود لبناء حركة إخوانية شاملة لكل قطاعات المجتمع السوداني، حيث تم تكوين “الحزب الاشتراكي الإسلامي” بقيادة بابكر كرار، وميرغني النصري، كأول تنظيم إخواني مستقل عن إخوان مصر.

 

يتبع،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى