في قضية الشهيد محجوب التاج.. المحكمة ترفض طلباً بحماية وإخفاء هوية (5) من شهود الاتهام
الخرطوم- محمد موسى
رفضت المحكمة أمس طلباً بإخفاء وحجب هوية (5) من شهود الاتهام عند الإدلاء بشهادتهم في قضية الشهيد محجوب التاج. ويواجه (11) من منسوبي جهاز المخابرات العامة بينهم ضباط برتب متفاوتة, الاتهام على ذمة مقتل الشهيد محجوب التاج. في وقت وافقت فيه المحكمة الخاصة والمنعقدة بمباني محكمة مخالفات الأراضي الديم شرقي العاصمة الخرطوم برئاسة القاضي المشرف زهير بابكر عبد الرازق، طلب النيابة بإبعاد كاميرات تصوير التلفزة وغيرها عند مثول شهود الاتهام عن الحق العام محل الطلب أثناء مثولهم أمامها للإدلاء بشهادتهم في القضية.
منشور غير ملزم
وقالت المحكمة في حيثيات قرار رفضها الطلب, إن منشور رئيس القضاء غير ملزم للمحكمة فيما يتعلق بإخفاء هوية الشهود، إضافةً الى انه يتعيّن الإشارة الى الواجب الديني والاخلاقي وما تمليه قواعد المروءة التي توجب أداء شهادة الحق، في وقت أمرت بالتحقيق الفوري بواسطة النائب العام واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حول ما ذكره الاتهام في طلبه بحماية الشهود لتعرض شاهد الاتهام الأول القائد السابق لمعسكر طيبة التابع لهيئة عمليات جهاز الأمن عقيد معاش متوكل عبد الرحمن الملقب بالدرنكي، لفقدان وظيفته بسبب إدلائه بشهادته في القضية أمام التحريات والمحكمة، ونبهت المحكمة أنه اذا صح ذلك فإنه يشكل وصمة عار بحد قولها وجب التحقيق حولها، وأشارت المحكمة في قرارها إلى ان للاتهام الحق في تقديم طلبات أخرى تتعلق بحماية الشهود مع إمهاله فترة ثلاثة أسابيع لاتخاذه التدابير اللازمة لحماية شهوده بالتنسيق مع الجهات المُختصة تمهيداً لتقديم الشهادة أمامها.
تطور عالم الجريمة
وأشارت المحكمة في حيثيات قرارها بأنها وبعد تقديم الطلب لها أرادت التصدي والفصل فيه لتعلقه مُباشرةً بالنظام العام والسياسة الجنائية، مشددة على أن الأنظمة القانونية جاء اهتمامها بحماية الشهود بعد التطور الكبير الذي شهده عالم الجريمة وظهور التنظيمات الإجرامية الضخمة، بجانب ظهور نوعية جديدة من الجرائم مثل الجرائم ضد الإنسانية، ونبهت المحكمة على أن جميع النظم القانونية اتفقت على حماية الشهود والمبلغين, بل امتدت الحماية لتشمل أقرباءهم وفق ترتيب لمراحل الحماية بدءا من مرحلة التحري والتحقيقات, مروراً بمرحلة أداء الشهادة امام المحكمة, وانتهاءً بمرحلة ما بعد المحاكمة.
خلاف إخفاء هوية
وكشفت المحكمة في قرارها عن وجود خلاف واضح حول إخفاء هوية الشهود لحمايتهم, حيث انقسم الرأي حول ذلك لقسمين, الأول يقف الى جانب حماية الشهود وإخفاء هويتهم خاصةً في الجرائم الخطيرة مثل الجرائم ضد الإنسانية, وفي حالة التخوف على الشهود وحمايتهم من المخاطر التي قد يتعرّضون لها، بينما ذهب الرأي الآخر لمعارضة إخفاء معالم الشهود استناداً إلى أن حق الدفاع من الحقوق الجوهرية في كل محاكمة عادلة وأن احترام مبدأ المواجهة أمرٌ لا مناص منه مما يحقق مصلحة العدالة وعلنية الإجراءات ويجعل المحاكمة تجرى في كامل الشفافية ويحقق مصلحة المجتمع ويخلق جوّاً من الطمأنينة، وان كل الصعاب التي تُواجه الشهود يجب ألا تقوض حقوق الدفاع – لا سيما وان غياب المواجهة يجعل القضية غير عادلة.
معارضة المشرع السوداني
وأكدت المحكمة في حيثيات قرارها برفض طلب الاتهام بحماية (5) من شهوده الى ان المشرع السوداني أخذ موقفاً معارضاً في إخفاء هوية الشهود حيث نصت المادة (27) من قانون الإثبات السوداني لسنة 1983م الملغي على أن الشهادة هي البينة الشفوية لشخص عن إدراك مباشر لواقعة تثبت مسؤولية المدعي بها على آخر في مجلس القضاء ومواجهة الخصوم، ونبهت المحكمة إلى أنه وعلى الرغم من قانون الإثبات الحالي 1993م لم ينص على عبارة مواجهة الخصوم – إلا أن المبدأ أصبح مستقراً بما يحققه من غاية جوهرية.
أُسس جوهرية
وعللت المحكمة, رفضها طلب النيابة العامة وذلك لأن الخصومة هي مقارعة الحجة بالحجة وتقييد الادعاءات المتبادلة, ويساهمون بذلك لإنارة الطريق أمام القضاة ليعلنوا كلمة القانون أو الحق وكلمة العدل, مما تعرض عليهم من خصومات ليكون مبدأ المواجهة بين الخصوم من الأسس الجوهرية لاية محاكمة عادلة او منصفة ويجد مبدأ المواجهة سنداً له في نص المادة (33) من قانون الإثبات 93م والتي تجوز للمشهود ضده الطعن في شهادة الشاهد بسبب وجود تهمة ولاء او مصلحة او عداء، وفي المقابل يجوز للمحكمة في هذه الحالة ان ترد الشهادة بعد سماعها اذا لم تطمئن لصحتها، وشددت المحكمة على انه يفهم من خلال النص وجوب المواجهة لأنها السبيل الوحيد لتحقق الطعن في الشاهد بما يتعلّق بتهمة الولاء والعداء والمصلحة، وأضافت المحكمة بأنه لا يمكن أن يقدم مثل هذا الطعن إلا بمعرفة هوية الشاهد، إضافةً إلى أن نص المادة (57/أ) من قانون الإجراءات الجنائية السوداني 91م ينص على أن تؤخذ الشهادة في حضور ممثلي الادعاء والدفاع وبحضور المتهم – إلا اذا نص القانون على خلاف ذلك، وهو نص صريح على مبدأ المواجهة بحد قولها.
إخفاء هوية وعدم تصوير
وأوضحت المحكمة في حيثيات قرارها إلى أنه وبالرجوع لطلب الاتهام عن الحق العام النيابة العامة بحماية الشهود استناداً لنص المادة (156/أ) من قانون الإجراءات الجنائية ومنشور النائب العام (1/2021م) واستناده كذلك إلى أن منشور رئيس القضاء (4/2020م)، ونوهت المحكمة إلى أن منشور رئيس القضاء لا يتعلق بطلب النيابة, حيث وجهت المحكمة وكيل أعلى النيابة ممثل الاتهام في القضية بتحديد شكل الحماية المطلوبة تحديداً, الا انه دون في أواخر مذكرته واضافته بالقلم تطبيق اجراءات اخفاء هوية الشهود وعدم التصوير، وشددت المحكمة على انها تجد نص المادة الذي استند عليه الاتهام في طلبه لا يسعفه فيما ذهب إليه. وحول استناد النيابة في طلبها بحماية الشهود إلى منشور النائب العام, أفادت المحكمة بقولها إنها تجد المنشور مُوجّهاً للنيابات العامة والمتخصصة ويقتصر دوره على مرحلة التحري ولا يمكن الاستناد إليه في طلب يقدم للمحكمة – إلا لأغراض تبرير الإجراءات التي تمت في مرحلة التحري.
سلطة رئيس القضاء
وتسلسل قاضي المحكمة زهير بابكر، في قراره برفض طلب النيابة، موضحاً بأن استناد النيابة إلى منشور رئيس القضاء كذلك في طلبها لحماية الشهود, فإن المحكمة تجد أن المنشور يستند إلى نص المادة (46) من قانون السلطة القضائية لسنة 1986م وعلى نص المادة (12) من لائحة تنظيم العمل القضائي لسنة 1996م وحتى العام 2005م، والمادة (212) من قانون الإجراءات الجنائية والمبادئ الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة لمكافحة الفساد بما يتعلق بحماية الشهود والمجني عليهم، وشددت المحكمة على أن ذلك يعني أن المنشور يحتوي على شقين الإداري والقضائي معاً، ونبهت المحكمة إلى انه وبالرجوع لاصل المادة (46) من قانون السلطة القضائية مع مراعاة الدستور, يجوز لرئيس القضاء إصدار منشورات وتوجيهات ذات صفة إدارية للمحاكم والقضاة والعاملين بالسلطة القضائية، ونبّهت المحكمة على أنه ومن الواضح أن سلطة رئيس القضاء بإصدار المنشورات حسب المادتين أعلاه تقتصر فقط على المسائل الإدارية ويشمل اتخاذ التدابير الاحترازية وما يلزم لحماية الشهود والمبلغين وذويهم من أي تهديد أو انتقام محتمل قبل او بعد الادلاء بالشهادة – ولكن ذلك لا يشمل المسائل القانونية والقضائية مثل إخفاء هوية الشهود أثناء إدلائهم بالشهادة، المحكمة كذلك في حيثيات قرارها إلى أن نص المادة (212) من قانون الإجراءات الجنائية بأنّه يجوز لرئيس القضاء في المسائل القضائية أن يصدر من وقت لآخر قواعد, وأن يضع نماذج لتنفيذ أحكام القانون – مما يعني أن سلطة رئيس القضاء لا تمتد إلى التشريعات الرئيسية او الأساسية، كما أن سلطة إصدار القواعد لتنفيذ القانون الساري بالبلاد وليس إنشاء قواعد قانونية مخالفة للقانون أو إنشاء مبادئ قانونية جديدة، ونبّهت المحكمة إلى أنه ومن المعلوم فإنّ الاتفاقيات الدولية المصادقة عليها الدولة المعنية تصبح جزءاً من القانون الوطني ونصوصها ملزمة واجبة النفاذ – الا انه وبالرجوع لنص المادة (32) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003م والتي تحمل عنوان حماية الشهود والخبراء والضحايا أفادت بأن تتّخذ الدولة تدابيرها اللازمة وفقاً لنظامها القانوني بالداخل وحدود إمكانياتها لتوفير حماية فعالة للشهود او استخدام وسائل الاتصال الحديثة كالفيديو لأخذ إفادة الشهود أو غيرها، وشددت على أن الاتفاقية غير (آمرة) وجاءت على سبيل (الجواز), ما يعني ان ذلك يضع السلطة التقديرية للمحكمة والتي يجب عليها التسبيب لقرارها، ونبّهت المحكمة إلى أنها تجد في ظل الاتهام الصريح من قبل ممثل دفاع المتهمين من الأول وحتى الخامس لممثل النيابة بأنه عقد اتفاقات مع بعض المتهمين وطلبت النيابة وقتها باتخاذ اجراءات قانونية لازمة ضد ممثل الدفاع يجعل أمر كشف هوية الشهود أمراً ضرورياً.
كان ميتاً
في ذات السياق, مثل أمام المحكمة أمس شاهد الاتهام الرابع طبيب نقيب بجهاز المخابرات العامة محمد صلاح الدين، وأفاد بأنه يعمل طبيب نائب اختصاصي في جراحة الكُلى والمسالك البولية بمستشفى الأمل، موضحاً بأنه وفي يوم الحادثة 24/1/2019م كان طبيباً مناوباً بطوارئ مستشفى الأمل, وحضر المتهم الأول عند الساعة الحادية عشرة والثلث صباحاً وعرّفه بنفسه بانه ضابط ملازم أول أمن ولا يذكر ماذا كان يرتدي آنذاك، مبيناً بأن المتهم الأول وقتها أحضر إليهم شخصاً على نقالة يرتدي بنطالا وقميصا “ولاب كوت”, وأخبره بأنه وجده واقعاً على الأرض جوار جامعة الرازي وأتى به للمستشفى، مشيراً الى انه وقتها قاموا وفريق الأطباء بالطوارئ بفحص الشخص وكان مجهولاً ولا توجد بحوزته بطاقة، منوها الى انهم قاموا بإدخال الشخص لغرفة الإنعاش القلبي وبفحصه أولياً تبين أن أطرافه بها (ازرقاق) لعدم الأوكسجين، وعدم وجود نبض له، وان بؤبؤ عينه متسع وهي شهادة ودلالة للموت بحد تعبيره، مبيناً بأنهم ولتأكدهم أكثر أجروا للشخص فحصاً على جهاز رسم القلب – إلا أن خطوط القلب كانت مستقيمة مما يعني وفاته وعدم تحرك القلب أو نبضاته، موضحاً أنه ووقتها دون على الأورنيك الجنائي إعلان الوفاة عند الساعة (11:45) صباحاً ومن ثم إحالة الجثمان للمشرحة لمعرفة أسباب الوفاة، مشيراً إلى أنه وبمعاينته للجثمان ظاهرياً لا يوجد عليه آثار جروح قطعية لو نزيف – وإنما توجد كدمات متفرقة، موضحاً أنهم لا يتمكنون وقتها من تحديد سبب النقص الأوكسجيني للشخص لأنه كان ميتاً، وقال شاهد الاتهام الرابع للمحكمة إنه لا يعلم حسب المستندات والأوراق إذا كان مستشفى الأمل يتبع لجهاز الأمن أو لا – إلا أنه أكد لها تقديم المشفى خدمات طبية لمنسوبي الأمن وأي مواطنين آخرين بحد قوله، مؤكداً في ذات الوقت بأن المستشفى يزاول عمله في الحقل الطبي بموجب تصريح من وزارة الصحة ويستقبل أي حالات مرضية من المُواطنين، فيما حدّدت المحكمة جلسة الثامن من نوفمبر القادم موعداً لمواصلة سير إجراءات القضية.