للفساد وجوهٌ كثيرةٌ..المُخطّطات السكنية.. بيع الوهَـــــم (2)

النقابة العامة لعمال الكهرباء والبترول والتعدين والسدود تخدع منسوبيها

كيف تم تسليم الملاك شهادة البحث دُون التسليم على أرض الواقع؟

الشركات العقارية تستخدم التخطيط العمراني لتنفيذ فسادها

المُتضرِّرون: النقابة خذلتنا ومنحتنا عُقوداً غير صحيحة وفتحنا بلاغاً في مواجهتها

محكمة الفساد ردّت على مظلمتنا بعد تدخُّل نافذين.. (أنسوا البلاغ)

عرض: منى النور

المُماطلة والتسويف ظلّت سمة من سمات مُعظم الشركات العاملة في مجال تشييد المُخطّطات السكنية بولاية الخرطوم، خاصةً التي تعمل على تسويق تلك المُخطّطات في بلاد المهجر لعملاء ليست لديهم الخلفية الكافية لواقع الحال، بل تنحصر كل أمنياتهم في امتلاك بيت الأحلام ليكون لهم خير مسكن عقب نهاية رحلة الاغتراب التي تمتد عند الكثيرين لعُقُودٍ، وفي الجانب الآخر نجد أصحاب تلك الشركات يسعون لحصد الملايين غير مبالين بما يفعله المُلاك لتوفير تلك المبالغ.

في الحلقة السابقة، فتحنا ملف المُخطّطات السكنية بالحي الدبلوماسي، واليوم نذهب لوجهٍ آخر من أوجه الفساد، والذي في تقديرنا يُعد الأقسى من نوعه كونه جاء من النقابة العامّة لعُمّال الكهرباء والبترول والتعدين والسدود في حق منسوبيها فكان ظلمها كظلم ذوي القربى…

البحث عن المجهول

في العام 2013، روّجت النقابة العامة لعمال الكهرباء والبترول والتعدين والسدود بعددٍ من الصحف بإعلان طرحت فيه مُخَطّطاً للبيع لمنسوبيها موقعه شمال الخرطوم بمنطقة “حطّاب”، أطلقت عليه اسم مُخَطّط المدائن، يبعد كيلو متر واحد من الطريق الدائري، يضم حوالي (6) آلاف قطعة تبدأ رسومها من (30) ألف جنيه درجة أولى و(25) ألفاً درجة ثانية و(20) ألفاً درجة ثالثة، على أن يتم استلام المخطط بعد عامين مكتمل الخدمات (مياه, كهرباء وطرق)، وجد الإعلان القبول عند منتسبي النقابة فتدافعوا لاقتناء تلك الأرض، فصرفوا الغالي والنفيس في سبيل الحصول على تلك الأرض، ولكن بعد مُرور عامين وهي الفترة المُقرّرة لتسليم المُخَطّط، كَانت هناك مُماطلة واضحةٌ من النقابة في إجراءات التسليم ومعرفة موقع المُخطّط، الأمر الذي جعل الشك يتسلّل لنفوس المُتضرِّرين، لتبدأ رحلة التقصي والبحث عن المُخطّط المجهول الهوية.!

وعودٌ كاذبة

عدد من مُنتسبي تلك النقابة العريضة تحدّثوا لـ(الصيحة)، كاشفين عن الخداع والظلم والقهر الذي تعرّضوا له طوال ست سنوات.. وبحسب حديث نصر الدين عبد اللطيف من شركة التوليد المائي لـ(الصيحة)، فإنّ عدداً كبيراً من العاملين سَدّدُوا قيمة الأرض نقداً، والبعض الآخر تكفّلت مُؤسّساتهم بالسداد عنهم، على أن يتم خصمها منهم كسلفيات، لافتاً إلى أن النقابة قامت بالتقسيط فقط لمن يتبعون لها تنظيمياً، ويروي نصر الدين أنّهم استلموا عقودات الأراضي في العام 2014 بعد سحب القُرعة وظلوا في حالة ترقُّب وانتظار وسؤال دائمٍ عن مكان المُخطّط، حتى خرجت عليهم النقابة في 2016 بطرح جديد ورغبتها في تغيير أرقام المربعات، الأمر الذي رفضه مُعظم المُنتسبين لعدم توضيح النقابة الأسباب التي قادتها للتغيير، كذلك لعدم ثقتهم في النقابة، مُشيراً لتعرضهم سلسلة من المُماطلة والوعود الكاذبة، وقال نصر الدين: طوال هذه الفترة لم يتبادر إلى ذهنهم أنّ النقابة تعمل على خداعهم، لذلك ظلوا يتردّدون عليها جماعات وأفراداً مُستفسرين عن المُخطّط المجهول الهوية، فكان ردهم بصورةٍ مُتكرِّرة: (وجود بعض الأمور العالقة مع الأراضي وهناك مساعٍ لحلها)، مُؤكِّداً أنّ كل الوعود كانت نوعاً من التخدير لكسب الوقت، مُضيفاً بالقول: إنّ النقابة طلبت من العمال نسيان المُخَطّط كنوعٍ من التهديد، خَاصّةً بعد تنظيم العمال وقفـــــة احتجاجية العام الماضي.

خللٌ في العقود

 فيما قالت سمهرية محمد من شركة النقل، إنهم حتى اللحظة لا يعلمون موقع المُخطّط ولا مصير خدماته، وحتى الذين بحوزتهم شهادة البحث لم يتم تسليمهم على أرض الواقع، مُضيفةً بأنّ الخداع لم يتوقّف على ذلك، بل أنهم قاموا بتصوير قطعة أرض خالية بها صهريج مياه لإقناع الملاك بأنّ هذه الأرض هي المُخَطّط المنشود.

فيما يروي أحمد إبراهيم قائلاً: عقب تسديد قيمة الأرض وسحب القُرعة، طالبنا النقابة بالتسليم على أرض الواقع بعد انقضاء الفترة المُقرّرة، مُشيراً إلى أنّهم عقب تصاعُد المَطالب وتماطُل النقابة وحديثهم بوجود خللٍ في العقود ومطالبتهم تغيير المربعات، كل ذلك دفع المُتضرِّرين لتدوين بلاغٍ في محكمة الفساد، ولكن للأسف لم نخرج منها بجديدٍ، بل تم إبلاغنا في مكالمة هاتفية (نسيان البلاغ)، مؤكداً أنه بحسب حديث مصدر من داخل المحكمة، تدخّل شخصيات نافذة لعرقلة سير البلاغ، لافتاً لتعرضهم إلى مُضايقات من النقابة، وطالب المُتحدِّثون بضرورة تسليمهم المُخَطّط مُكتمل الخدمات وبذات الموقع أو التعويض بما يُعادل سعر الشراء في الوقت الراهن أي ما يقارب الـ (800) ألف جنيه.

تورُّط الأراضي

يبدو أنّ هناك ثمة اتفاقاً بين الجهات المُنفِّذة للمُخطّطات ومصلحة الأراضي، فكل الشركات العقارية تستخدم وزارة التخطيط العمراني واجهةً لتنفيذ فسادها، فكيف يمكن أن يتسلّم المالك شهادة بحث دُون معرفة موقع المُخَطّط؟

النقابة العامة لعُمّال الكهرباء والبترول والتعدين والسدود كانت تتحدّث، عن وجود إشكالات لم تفصح عنها بينها وشركة التيسير البائعة للمُخطّط ومصلحة الأراضي، علماً بأنّ كل المُستندات الرسمية والإيصالات المالية كانت باسم النقابة دُون ورود أي ذكرٍ لشركة التيسير في المُستندات التي بحوزتنا، كما أنّه تم استخراج شهادات البحث للمُلاك دُون التسليم على أرض الواقع.

محكمة الفساد

تَـــمّ الاتفاق بين شريحة المُتضرِّرين من النقابة لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى نقابة الكهرباء والبترول والتعدين والسدود والري بغرض توصيل صوتها بعد سنوات من الوعود، فقابلهم منسوبو النقابة بضيقٍ وغضبٍ وعدم احترام، ولكن كل ذلك لم يمنعهم من العمل على توصيل صوتهم، فقاموا بتوزيع مطالبهم مكتوبةً على جميع أعضاء النقابة، ولكن رئيس النقابة قام بالاعتداء بالضرب على إحدى المُحتجات وطردها! الأمر الذي أثار حفيظة المُتضرِّرين، فقرّروا الذهاب إلى شارع المطار، رافعين لافتات تروي معاناتهم، فوجدوا تفاعلاً غير مُتوقّعٍ مع الشارع.

وبحسب رواية عددٍ منهم، فإنّ ظهور رئيس النقابة وهو يمتطي سيارته أمامهم أثار حفيظة المُتضرِّرين، فتجمعوا حوله ودوت الهتافات تُندِّد بالفساد والمُفسدين، الأمر الذي لفت انتباه قُوّات الدعم السريع التي قامت بالقبض عليهم وتوجيه المُتضرِّرين بالذهاب إلى محكمة الفساد، مُدوِّنين بلاغاً في حقه، مُطالبين بحقوقهم الضائعة أو التعويض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى