من هنا نبدأ

*صحيح أن الإصلاح يتوجّب في كل قطاعاتنا وفي كل مناحي حياتنا، وصحيح أيضاً أن المدخل للإصلاح سياسي، أن نستعيد رشد رؤيتنا وصحيح تصوّرنا، وأن تكون المواطنة هي عمدة تعامُلنا، وأن تكون المساواة ركن ركين في دولتنا، وأن تتمدّد الحرية في ربوع بلادنا، ففي ظلها لا فساد يعشعش بيننا، ولا استبداد يتحكّم في مفاصل دولتنا، ثم أن السلام هو الذي يستديم الاستقرار بيننا وهو الذي يحفظ علينا حقوقنا، ثم هو يوظّف مواردنا، بدلاً من أن تذهب هدراً في حروب أتت على أخضرنا ويابسنا.

*إن نحن أحسنّا رشد سياستنا ووظّفنا مواردنا، فإن هذا مما يوفّر حلاً اقتصادياً لمشاكلنا، ويفتح علينا أبواباً لشطب ديْنِنا، ولَطالَما استوفينا كل المطلوبات منا، وأصبحنا مؤهّلين بموجب اتفاقية (الهيبيك) لإسقاط مديونيّتنا، لكن وضع اسمنا في قائمة الدول الراعية للإرهاب هو الذي حال بيننا وبين الاستفادة من مزايا إسقاط الديْن استفادت منها دول غيرنا.

*هذا يقودنا مباشرة إلى سياستنا الخارجية، على عهد النظام السابق اضطربت سياستنا، وأُغلقت الأبواب علينا، ولم نعد مبدئِيين في علاقاتنا، ولا حتى مُقدّرين لمصالحنا، وإنما هي انتهازية سياسية حكَمتْنا، وربما بدا ذلك واضحاً، أن نظام الحكم السابق في أخريات عهده، لم تعُد هناك من جهة تتعامل معه، أو حتى تتعاوَن معه لفك ضائقته، وإيجاد مخارج من أزماته.

*بل ربما المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات العربية المتحدة، عندما جأر النظام السابق بشكواه، وأنه ما من دولة من حولنا تفئ علينا، بادرت تلك الدولة ونشرت على الملأ إحصائيات بأرقام ممهورة ومنشورة، أنها لم تقصّر في عون أهل السودان ودعمهم، وربما قبضت يدها وأمسكت عن دعمها، بعدما أيقنت أن دعمها لا يُوظّف في غرضه، ولا في الأهداف التي مُنِح لأجلها، ولا لحل أزمات أحاطت بنا.

*وربما كان هذا هو الذي عناه الفريق محمد حمدان نائب رئيس المجلس العسكري، حين قال إن الدعم السريع أفاء على المالية والبنك المركزي بمليار دولار و27 مليون دولار لتوظيفها في حل ضائقات الوقود والدقيق والدواء، وألمح إلى أن الأموال في الماضي لم تكُن تجد طريقها إلى الخزينة العامة.

*ومما يؤكّد خطل سياساتنا في الفترة السابقة وسوء تقديراتنا، أنه بمجرد انتهاء عهده وزوال حقبته بادرت المملكة العربية والأمارات بتقديم عون عاجل للسودان قدره 3 مليارات، منها 500 مليون دولار لتحقيق ثبات العملة ووقف تدهورها، على أن توظف 2 مليار ونصف المليار دولار في توفير الاحتياجات الأساسية.

*إذا كانت هذه واحدة من بشارات العهد الجديد، فإن هذا يوجب علينا أن نتوخى في سياستنا الخارجية حِكمة عُرِفنا بها ورُشداً زان خارجيّتنا، ومن ثم وجب سد الفراغ الحالي في وزارتنا، فمنذ أن تم إعفاء وكيل الوزارة، لم يعهد بتكليف لخلف يخلفه أو يؤدي مهامه، مع أن هذه وزارة مهمة وتمثل حلقة وصلنا مع بلدان العالم من حولنا ومع سفارات مُقيمة بيننا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى