خلية داعش.. الخرطوم تتحسّس مكامن الخطر

تقرير: محجوب عثمان
يبدو أن العملية الإرهابية التي قامت بها الخلية المرتبطة بتنظيم داعش في الخرطوم، والتي أودت بحياة (5) من ضباط وضباط صف جهاز المخابرات الوطني ومواطن، قد أيقظت الجهات المسؤولة وجعلتها تتحسّس الخط القابع بين جدران المدينة الآمنة، فقد أكد خبراء أن وجود الجماعات الإرهابية في السودان ظل في تنامٍ مُضطردٍ عقب سقوط نظام الإنقاذ المحسوب على التنظيم الإسلامي العالمي من واقع أن الفترة التي أعقبت سقوط النظام شهدت سيولة أمنية سهلت دخول تلك الجماعات من الدول المُجاورة، فضلاً عن دخول أسلحة ومتفجرات، مستشهدين بضبط كميات من الأسلحة في فترات متفاوتة في طريقها للخرطوم، وأشاروا إلى أنه من المؤكد أن شحنات أسلحة وصلت بالفعل بعد أن فلتت من تحت رقابة السلطات.
وقد حذّر خبراء أمنيون وعسكريون من خطورة الفراغ الأمني بالبلاد، لجهة أنه يشجع دولاً لإدارة عمليات استخباراتية في السودان، وطالبوا بتشريع قانون يحرم تأجير المنازل للأجانب بدون إبراز أوراق ثبوتية ومعاقبة من يتعامل من المُواطنين بغير تلك الاشتراطات بعقوبات تصل لمُصادرة العقار.
وظُهر الثلاثاء روّع الشعب السوداني أجمع بعملية اطلاق نار في حي جبرة بوسط الخرطوم، راح ضحيتها ضابطان من جهاز المخابرات الوطني بالإضافة لثلاثة ضباط صف، فضلاً عن مواطن بعد أن نفذت قوة من جهاز المخابرات مُداهمة لشقة تستغلها خلية إرهابية، غالبيتهم من جنسيات أجنبية، غير أن افراد الخلية فتحوا النيران تجاه القوة العسكرية وولى بعضهم هاربين ليتم القبض عليهم بصورة متلاحقة خلال يوم الثلاثاء وأمس الأول الأربعاء وتصل حصيلة المقبوض عليهم إلى 14 إرهابياً، بينهم الزعيم “مصري الجنسية” الذي تم القبض عليه في بورتسودان.
ويرى الخبير الأمني اللواء شرطة “م” عابدين الطاهر أن وجود الخلايا الارهابية في السودان ليس جديداً، ويشير الى حوادث مختلفة في ازمان مختلفة تم تنفيذها في السودان، بدءاً من عملية الخليفي باعتبارها اول نشاط عدائي يخرج الى العلن وتُزهق فيه ارواح بعدة مواقع بدءًا من قسم الشرطة ومروراً بالمصلين في مسجد أنصار السنة ثم بمنطقة الرياض عند ملاحقتهم، وقال لـ(الصيحة) منذ ذلك الزمان اتضح أن أعداد من يعتنقون هذا الفكر ليس بالقليل ومنتشرون في عدد من ولايات السودان، مبيناً انه اعدّ تقارير كافية توضح خطورة انتشار وعنف سلوكهم هؤلاء، بل وحتى تواصلهم مع المراكز الخارجية في بعض الدول ومصادر تمويلهم والتنبيه لضرورة معالجة أمرهم والحد من انتشارهم، وقال “تقبع كل هذه التقارير في مؤسساتنا الامنية والشرطية”، واشار إلى ان نشاط هذه المجموعات ظل يتمدد ويزداد في ظل تماهٍ وعدم اهتمام من السلطات حينها، ما شجّع ذلك على ازدياد اعدادهم وتطوير أساليبهم لدرجة أن أوجدوا لتنظيماتهم مواقعَ لتصنيع المتفجرات ووسائل القتل، وقال “كان نتاج عدم الاهتمام بأمرهم وكبح جماحهم المزيد من الحوادث وإزهاق الارواح كل عام وحين”، مستشهداً بحادثة الجرافة وحادثة اغتيال الدبلوماسي الأمريكي وحوادث اخرى ظلت تحدث من ذات الجماعة وبذات الدوافع، وظلت السلطات تتعامل مع الأمر بأساليب لينة وهينة لا تتناسب وخطورة تلك الأنشطة وتلك التجمعات ذات الصلات الدولية والمتمددة، قاطعاً بأن ذلك النشاط كان أحد أسباب دمغ السودان بأنه دولة رعاة الإرهاب وحاضنيه.
حسم
ويرى اللواء عابدين انه من الضرورة وضع خطة تستند على كل المعلومات المتوفرة في اضابير الاجهزة الامنية للتعامل مع هذا الخطر المستمر واجتثاث هذه المجموعات، والتعامل معهم بالحيطة والحذر والقوة المناسبة عند مُداهمة أوكارهم منعاً للمزيد من الخسائر، وتحوطاً لارتكابهم أحداثا اضافية داخل البلاد او التخطيط لحوادث اخرى خارج البلاد تكون وبالًا على الدولة، وقال “يقيني أن هذا الحادث لن يكون الأخير، ويقيني ان هنالك المزيد من التجمعات والأوكار داخل البلاد، بل هنالك العديد من الاجانب المتطرفين وأصحاب التخصصات في مجال الأعمال الإرهابية وتصنيع المتفجرات يقبعون هنا وهناك يعدون الخطط لهجمات إرهابية”، ولذا يجب على اجهزتنا الأمنية ان تزيد من اهتمامها بتلك المجموعات واصحاب الفكر الهدام والمتطرف بالرجوع الى كل تلك الملفات التي تحوي كافة المعلومات عنهم داخل البلاد وخارجها وزعاماتهم ومصادر تمويلهم وصلاتهم العابرة للدول، مع ضرورة التّعامُل مع بقية اجهزة المخابرات الصديقة وتبادل المعلومات لتكون المكافحة لهذا الفكر أكثر إيجابيةً وذات نتائج أفضل.
خطوات استباقية
وأَكّدَ اللواء عابدين في حديثه لـ(الصيحة) أهمية اتخاذ الحذر والحيطة واتخاذ الخطوات الاستباقية لسد نوافذ تمددهم وانتشارهم داخل دُور العلم والمساجد ودُور العبادة وداخل الأحياء، ولا بد أيضاً أن يشارك كل أفراد المجتمع بالتبليغ عن أي مظاهر لنمو هذا الفكر داخل أحيائهم أو تردد الأجانب واتخاذهم أوكارا بتلك الأحياء لممارسة أنشطتهم المتطرفة.
ضرورة التعاون
وأكد أحد ضباط الشرطة مُفضِّلاً عدم ذكر اسمه لـ(الصيحة) ان القانون بالفعل يشترط الاحتفاظ بصورة من الوثائق الثبوتية للاجانب لدى أصحاب العقارات حال تأجير شقق او منازل لهم او حتى إقامتهم في الفنادق والشقق المفروشة، لافتاً الى أن تشديد القانون في هذا الجانب ربما لا يكون فاعلًا من حيث إثبات أن المستأجر يتبع لخلية إرهابية من واقع انهم اصبحوا لا يلتزمون بالشكل المعهود للخلايا التي تظهر سيماهم في اطلاق لحاهم او الالتزام بزي محدد، مُشيرًا إلى أن الخلية التي تمت مداهمتها مؤخرًا لم تكن تختلف عن اي اسرة تسكن في عقار، ولفت الى ان الأهم في الوقت الحالي تطوير التعاون بين اجهزة الشرطة والمخابرات في الدول المجاورة او المحتمل ان تكون لديها خلايا داخل السودان خاصة ليبيا ومصر، لافتاً إلى وجود العديد من قيادات تنظيم الإخوان المسلمين المصريين في السودان كانوا قد دخلوا إليه عقب إسقاط الشعب المصري نظام محمد مرسي الإخواني في مصر، فضلاً عن الانتصارات التي تحققت ضد داعش في ليبيا.
خطة إستراتيجية
ومن جانب أمني إستراتيجي وضع الخبير الأمني والإستراتيجي اللواء مهندس ركن أمين اسماعيل مجذوب روشتة تمنع وقوع مثل تلك الجرائم الارهابية حال توفرها، وقال في حديث لـ(الصيحة) اهم الخطوات التي يجب اتباعها لمكافحة الارهاب تبدأ بالتنسيق مع دول الجوار لمعرفة الارهابيين وهوياتهم ومتابعتهم عبر الاتفاقيىات الأمنية لمعرفة سجلاتهم الأمنية حال دخولهم السودان ومن ثم تأمين الحدود المفتوحة بالقوات المشتركة أو عبر الدوريات أو حتى بالطائرات الدرون لمنع التسلل من دول الجوار التي تعاني من أزمات أمنية وسياسية، ولفت لأهمية تسجيل الأجانب عند دخولهم البلاد ومعرفة سبب دخولهم السودان وطبيعة العمل التي يجب أن تكون واضحة عند ميناء الوصول سواء كان بري أو جوي أو بحري إضافة إلى تجديد الاقامة مع مراقبة الأجانب في عملهم وسكنهم ثم تفعيل لائحىة السكن والشقق المفروشة وأن لا يتم تأجير أي شقة مفروشة إلا بمعرفة الجهة المختصة بالشقق المفروشة في وزارة الداخلية وجهاز المخابرات، وقال “الايجار يتم بعقد وبمعرفة شعبة الشقق المفروشة في الشرطة أو الجهاز”، وشدد على أهمية معرفة الاتفاقيات التي تمنع عمل الجماعات الارهابية في مختلف دول العالم ما يتطلب ان تكون هناك قاعدة بيانات تحدث وتجدد على مدار اليوم.
وأشار د. أمين إلى أهمية مراجعة الجوازات السودانية التي منحت لأجانب خلال الفترة الماضية وان يتم سحبها ثم تدريب وتفعيل القوات المخصصة لمكافحة الارهاب سواء في الشرطة أو المخابرات أو الفرقة التاسعة المحمولة جوا والتنسيق بينها ووضع إستراتيجية قومية تعمل على مكافحة الارهاب والجماعات الارهابية في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى