استقرار أسعار الصرف.. التحرير يُوقف نزيف الجنيه

 

الخرطوم: جمعة عبد الله

أدّت خطوة الحكومة خلال الاشهر الماضية بتوحيد سعر الصرف الرسمي مع الموازي، لإحداث نوع من الاستقرار على اسعار العملات الاجنبية، وباتت الأسعار شبه ثابتة في حدود “450” جنيهاً للدولار، وهو ما لم يكن يحدث سابقاً، حيث تتغير الاسعار يومياً، وقد تصل نسبة التغيير شهرا واحدا نحو 40% وفي العام تتجاوز نسبة الزيادة 100%.

وبشكل عام، قبل قرار تحرير اسعار الصرف، كانت أسعار الصرف في السودان “غير واقعية” حتى في الظروف العادية، لكونها تعتمد على عدة مؤشرات لا علاقة لها بالاقتصاد، وهو ما يجعلها ترتفع وتنخفض ثم تعاود الارتفاع مجدداً، كما تعتبر المضاربات ونشاطات الوسطاء أحد أسباب ارتفاع أسعار الصرف، وفي المقابل تُشكِّل التدابير الحكومية ولو كانت صورية من دون تنفيذ، سبباً لانخفاضها، كما تتسع الفجوة بين السعرين الرسمي والمُوازي لما يقارب 400%، وهو ما يجعل تحديد سعر واقعي أمراً بعيداً من المعطيات.

استقرار ومخاوف

يقول المحلل الاقتصادي، قاسم الصديق، إن السبب في هذه الثبات يرجع بصورة أساسية إلى قرار توحيد سعر الصرف، مما قضى على السوق الموازي، وكذلك تزايد التحويلات عبر المنافذ الرسمية نظراً لتلاشي الفروقات، بيد انه اشار لوجود مخاوف تتعلق بكيفية الحفاظ على قيمة الاموال خاصة المودعة بالقطاع المصرفي.

واوضح الصديق لـ”الصيحة” ان القطاع المصرفي يعاني من اشكالات انخفاض قيمة العملة السودانية رغم ثباتها الأخير وهي حالة قليلة الحدوث في الدول الأكثر استقراراً من الناحية الاقتصادية كسبب مهم في تآكل رؤوس أموال البنوك التي تتسم بالضعف الشديد وهو من الأسباب المانعة لانضمام المصارف السودانية لمنظومة المصارف الحكومية، منوهاً إلى أن البنك المركزي ينظم ويضمن أموال المودعين دون تدخل وزارة المالية في الأمر كجهة متوقع ان تقوم بهذا الدور، واشار إلى ان اي تراجع من البنك المركزي في عدم تقديم ضمانات للوظائف البنكية من شأنه هدم النظام المصرفي, إذ لا يُعقل تحت تهديد ضياع الودائع دون توفير ضمانات من البنك المركزي ان يؤدي ذلك لهروب رؤوس اموال المودعين والاحتفاظ بها في خزائن منزلية او تحويلها لعملة صعبة وفتح حسابات بها في بنوك الخليج الأقرب جغرافياً والأسهل تعقيداً من التعامل مع بنوك خارج المنطقة العربية.

وزاد ان هناك مهددات اخرى تشمل عدم توفير ضمانات او رهونات تكفي قيمة القروض التي تتحصل عليها  البنوك التجارية، او ان قيمة العقارات والرهونات الاخرى تنخفض قيمتها السوقية وان كان ذلك غير حادث على أيامنا هذه وان كان ممكن الحدوث، واكد ان الاستدانة من النظام المصرفي عادة ما تؤدي لإضعاف قيمة العملة المحلية وبذلك تنخفض القيمة الحقيقية لاموال المودعين، كما ان نسبة الفائدة التي يتقضاها أصحاب الودائع بين 10 -12% لا تكفي عادة للحفاظ على قيمة الودائع المهددة بالتضخم.

وخلال السنوات الاخيرة تسببت سياسات حكومية في إحداث اختلالات مؤثرة على أسعار الصرف، بعكس ما كان يحدث قبل ذلك حيث كانت تجارة الدولار وتسعيره في السوق الموازي تتم بشكل مقارب للسوق الرسمي للحكومة ممثلة في بنك السودان المركزي، وكان الفارق بين السعرين قليلًا، ولكن مع استمرار وتفاقم مشكلات الوضع الاقتصادي بات من الصعوبة الحصول على تلك العملة عبر المنافذ الرسمية للحكومة، التي عانت بدورها من ندرة في العملات الاجنبية التي يتصدرها الدولار مع عجز بائن في الميزان التجاري، جعل مهمة المعالجة أكثر تعقيداً ولم تنجح إلا بالتحرير الكامل وهو ما ظهر أثره في الاستقرار الحالي.

انفلات ومعالجة

وخلال الفترة من “اغسطس 2019 – سبتمبر 2020”, شهدت معدلات قياسية لانخفاض الجنيه بنسبة زيادة 380%، وكان النصف الاول من عمر الحكومة الانتقالية قد شهد استقرارا نسبياً ثم زيادات طفيفة ولم تتجاوز نسبة الزيادة 10% في اغسطس “67 جنيهاً” وحتى يناير 2020 التي وصلت فيها اسعار الدولار إلى 88 جنيهاً، اما الفترة الثانية من فبراير 2020 وحتى نهاية العام فقد شهدت انفلاتا قياسيا لأسعار الصرف وفي مقدمتها الدولار حيث كان في بادئ الامر فبراير “107” جنيهات وظل في تصاعد متواصل حتى بلغ 260 جنيها مطلع الشهر الجاري، فيما تناقصت قيمة الجنيه امام الدولار بشكل حاد بعد ذلك، قبل ان يتصاعد في مطلع العام الحالي لمستوى مقارب إلى 400 جنيه للدولار، فلم تجد الحكومة بُدًا من التحرير الكامل لوقف النزيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى