عبدالله مسار يكتب : حكومة الأمر الواقع

طالعتنا الأسافير بأخبار أن مُحاولة انقلابية وقعت في السودان ليلة وصباح ٢٠٢١/٩/٢١، وإن الجيش والدعم السريع والمخابرات قد تصدّت لذلك وقبضت الضباط القائمين عليها وهم ثلاثة وعشرين من رتبة اللواء حتى الملازم ومعهم عساكر وصف ضابط ويجرى التحري لمعرفة من معهم من المدنيين والأحزاب، وهذا كله عمل الجانب العسكري، ولم يحدد الجانب العسكري أي جهة سياسية متورطة حتى الآن.

ولكن في الجانب الآخر، المكون المدني قد كثرت منه التصريحات وكثرت التهم دُون روية ولا تبصُّرٍ، بل أحد القيادات طالب الجماهير للخروج لحماية الثورة، وكان الخروج صفراً! وعلق على صفحته أكثر من ستة آلاف معلق ليس بينها واحد أيّده وحث المواطنين على الخروج، وكان ذلك استفتاءً على ضحالة رصيد هؤلاء الحكام الانتقاليين الذين يشتمون في المكون العسكري وفي المؤسسات العسكرية ليل نهار وصباح ومساء، وهم يعيشون تحت كنف بندقية البرهان وحميدتي  وينعمون بظل شجرة العسكر الوارفة، ومع رصيدهم الصفري من الجماهير يُهدِّدون ويتوعّدون دون تثبت ولا دليل وقبل ان يصرح أصحاب الجلد والرأس.

ملأوا الأسافير ومسكوا القنوات الفضائية والإذاعات حديثاً حتى ظن المواطنون أنهم لبسوا الكاكي.

والادهى  والامر أن مناشدتهم لجماهير الثورة لم تجد شخصا واحدا يؤيدها ويخرج رافع رايتها، حتى المظاهرات التي خرجت في أم درمان وكوبري الفتيحاب كانت تهتف ضد حكومة حمدوك وتُطالب برحيلها. والحقيقة هذا الانقلاب كشف عورة هذه الحكومة وتركها في (السهلة) وأثبت عراها من الجماهير عملياً وفعلاً، ما هو الحافز الذي يجعل الجماهير تخرج لتحمي هذه الحكومة التي أوصلت البلاد الدرك الأسفل من العذاب؟ أورد الوطن موارد الهلاك، الشرق والشمال مغلقان والمدارس مقفولة،  والعاصمة وسخانة وبعوض وذباب وكهرباء قاطعة، والرغيفة بثلاثين جنيهاً من نصف جنيه، وجالون البنزين بألف وأربعمائة جنيه من مائة واثني عشر جنيهاً! وكيلو السكر بثلاثمائة وخمسين جنيهاً بدلاً من خمسة عشر جنيهاً، وهكذا، والدواء اغلبه معدوم والموجود بسعر خرافي. والشوارع كلها خربة، والفيضانات أغرقت اغلب القرى حول النيل، والناس في العراء، وليس هنالك مسؤول واقف على حالهم،  وأساتذة الجامعات والمعلمون في إضراب حتى المغتربين دخلوا في اعتصام مفتوح!

وانفرط عقد الأمن حتى صارت “تسعة طويلة” هي التي تحكم الخرطوم، سلب ونهب وسطو نهاراً جهاراً. وهنالك حارات في وسط الخرطوم لا تستطيع السير فيها نهاراً، وهذا في الخرطوم. أما الاقاليم والولايات،  هناك الموت عديل، مرض وعوز وفاقة وتردي خدمات وإهمال.

كل هذه الحالة “ويجي مسؤول او مسؤولون يقولون للناس اخرجوا لحماية ثورتكم.

وقرأ الشعب في دفتر حكومة د. حمدوك وحاضنتها،  لم يجد لها إنجازاً يجعله يقف معها وهي انطبق عليها قول المرحوم الشريف زين العابدين الهندي في الديمقراطية الثالثة، حيث قال (هذه الحكومة بديمقراطيتها لو شالها كلب مافي شخص يقول له جر) كذلك الحال الآن.

وأكثر غرابة إنهم يتحدثون عن إصلاح المؤسسة العسكرية وهم عايشين تحت كنف العساكر، وفي ظل شجرة البرهان وحميدتي ولولاهم زمان كان (صفرجت)، ما هو الإصلاح الذي تتحدثون عنه يا هؤلاء هل تعنون تصفية المؤسسة العسكرية من السودانيين الوطنيين الى مزدوجي الجنسية أم تودون ان يكون في القوات النظامية المثليون والنوع الذين يطالبون بقانون لهم الآن؟!

إن انقلاب سبتمبر هذا اكد ما هو مؤكد أن الحكومة وحاضنتها الصفرية ليس هنالك سند لهم وسط الشعب السوداني وما محتاجين لحركة مقاومة من فلول ولا كيزان ولا دولة عميقة، ولانهم تخلى عنهم صناع الثورة وسداتها وسدنتها لأنها لم تقدم للشعب شيئاً حتى  يتشبث بها ويدافع عنها.

أيها السادة، الوسائط والاسافير ليست الجماهير ولا تخلق الجماهير على الأرض لا في الفيسبوك والواتسابات، الجماهير لا تأكل كلاماً وامانٍ، عاوزة (امسك لي واقطع ليك).

الجماهير حاكمها واقف على حيله ليل نهار معهم في الأفراح والأتراح، ومعهم في الحلو والمر قاعد معهم في الأرض على برش أو بساطة، موجود معهم في الأسواق والحقول والمصانع والترب ولكن حاكم من البيت للمكتب وبالعكس، دا الجماهير لا تعرفه ولا تعيره إنتباهة.

أيها الحكام المدنيون، مشاكل السودان الآن وصلت حدّ الجنون، غلاء وانعدام سلع وتردي خدمات، ووسخ وعفن وبعوض وذباب، وانحدار شديد في البيئة،  وانفراط شديد في الأمن، وكراهية شديدة منكم لدين الله،  وتوقف كامل للصناعة، وفشل كامل للموسم الزراعي،  وفساد وإفساد أخلاقي، وضياع وتفكك أسري، وبيع ذمم، وضياع عقول، هل تتوقعون ان يقف معكم احد  وانتم أصلاً قلة وشباب الثورة تائه بين من في طريقه إلى الهجرة غير الشرعية أو عاطل جالس في ظل حيطة أو يكابس في المواصلات “ما عارف ذاهب لي شنو وجاي لي شنو”.

الموظف والعامل، أحيل للصالح العام بسبب لونه السياسي دون مراعاة لظروف أسرته، مرتبات ضعيفة وبعد هذا أحيل صاحبها المعاش لأنه كوز، وبعضهم لا جنب الكوز، وهكذا صار السودان البلد الغني جداً  أهله أفقر الشعوب، حرائر السودان صرن يتوسلن اللقمة، بعد هذا يأتي احدهم ويقول اخرجوا لتحموا ثورتكم؟.

السودان كله مضطربٌ، شرقه وشماله ووسطه محل المرتجى والأمل (دخري السودان) اضطرب.

الميناء حلقوم السودان مغلقٌ والطرق الرئيسية مقفولة،  ما في حد قادر يحل مشكلة، عجزت الحكومة، وعجز معها أحزابها مافي هم غير كيزان دولة عميقة فلول،  حكومة عمرها ثلاث سنوات تتحدث عن سنعبر وننتصر انها مأساة.

لقد عجزتم وفشلتم وليس لديكم جديدٌ تقدمونه.. اذهبوا بنا الى انتخابات عامة، خلوا الشعب يفوض من يريد،  رجِّعوا الأمانة الى اصحابها، لا حل غير الذهاب الى انتخابات الآن، بغير ذلك لن نجد وطناً اسمه السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى