صلاح الدين عووضة يكتب : أموت!!

 

والموت أنواع..

أو تمني الموت من أجل شيءٍ – أو شخصٍ – ما..

فتموت – فعلياً – بسببه؛ فيكون جزاؤك الموت من جنس عملك… أو أمنيتك..

وذلك إن كنت صادقاً في أمنيتك هذه إلى حد الموت..

وقبل سنواتٍ خلت – بحلفا – جاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى نحو مطعم..

والمطعم كان مشهوراً بفوله المصلح..

وهو كان محباً للفول؛ هكذا عرفنا من بعض معارفه عند تحقق أمنيته..

والتي جسدها بمقولة (أموت في الفول(..

وفي ذلكم الصباح أتى من أقاصي أطراف المدينة بعد غيابٍ عنها يوماً..

كان مشغولاً بعملٍ له هناك..

وقصد مطعم الفول هذا – بجوار حلواني الخيرات – وهو يكاد يموت جوعاً..

وطلب (طلبين) من الذي يموت فيه… الفول..

ثم طلب أكثر… فأكثر… فأكثر… فمات (فولاً)؛ مات مساء اليوم ذاته بالمشفى..

وفي بلدنا – قديماً – كان هنالك رجلٌ مغرمٌ بالجمال..

جمال البنات تحديداً؛ وكانت به لوثة لم تحل بينه وبين حب جمالهن..

وعندما يبصر فتاةً جميلة يضرب صدره بيده..

ثم يصيح صيحته المعروفة (أموت ركن أنا)؛ وقبضته على مكان قلبه..

فكان أن كف قلبه هذا عن الخفقان… والهيام..

فقد وُجد ضحى يوم ميتاً – مكرفساً – عند (ركن) غرفته الوحيدة المتهالكة..

وتحققت له أمنيته؛ أن يموت ركناً..

وصديقٌ مصري كان مفتوناً بزميلة اسكندرانية لدرجة الوله المجنون..

وكلما يرآها يصرخ (أموت في العيون الزرءا(..

أي العيون الزرقا… أو الزرقاء… ويشبِّه عينيها هاتين بمحيطٍ أزرق غامض..

فمات غرقاً – ذات رحلة – في الموج الأزرق..

وربما كان يردد لحظتذاك مع نزار وحليم:

الموج الأزرق في عينيك… يجرجرني نحو الأعمق..

وربما ردد أيضاً من يعرف قصة حبه هذه من أهله مقطعاً آخر من الأغنية:

يا ولدي قد مات شهيداً… من مات فداءً للمحبوب..

ولاعبٌ عاصميٌّ كان قد اشتهر بحبين في جوفه؛ حب الكرة… وحب الباسطة..

وأحب الباسطة هذه إلى أن ارتبطت باسمه..

وحين يحذره طبيب ناديه من شره الباسطة هذه يقول (لكن أنا بموت فيها(..

ومات – عملياً – فيها… أو بها… أو منها..

مات – مأسوفاً عليه – وهو في عزِّ شبابه العمري؛ وقمة عطائه الكروي..

ورفيق فلسفة – وفكر – كان مأخوذاً بالمادية الجدلية..

ومُعظمنا كنا كذلك؛ إلا أنه تمادى – في حبه لها هذا – حتى اتخذها خليلة..

فكانت هي المحبوبة… والمعشوقة… والمريودة..

وكان يعبر عن عشقه لها هذا بعبارة (حبي هو المادية… وبموت فيها(..

وقبيل رحلةٍ ما وعد بإحضار الثلج..

فداعبه أحدنا قائلاً – وهو يعلم رده الفلسفي سلفاً – (يا أخي قل بمشيئة الله(.

فرد غاضباً: شاء أو لم يشأ سأحضره..

فشاءت – مشيئةُ – السماء أن تُحضر هي روحه؛ فجر يوم الرحلة ذاته..

فاحذر مما تتمناه – حباً – إلى حد الموت..

إلى حد أن تقول (بموت فيه)… أو تدندن مع المغني (البريدك موت(..

فقد تموت – فعلاً – به… أو منه..

أو فيه !!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى