محمد صالح الأمين بركة يكتب: سياحة معرفية على مقدمة ابن خلدون في التجربة السودانية

 

لقد استدار الزمان دورته، وكذلك تغيَّرَ المكان والزمان والخصائص السكانية تبدلت (الهَوِيَّةْ).  ولكن تظل الشعوب تحتفظ بالسلوك، وهو جزء منهُ متوارث بالفطرة السوِّيَّة، وجزء منهُ مُكتسب من خلال الصفاة البشرية، كالمعتقد والعادات والتقاليد، التي يربط بينهما وبين الماضي السحيق خيطٌ وثيق، وقد يُشيرُ لبعض الجوانب الخفية،  لتلك المجتمعات البشرية .

توقف بن خلدون كثيراً عند صفات الشعوب وخصائصها  من بَدْوٍ وَحَضَر وَأوْجَدَ مقابلة ما بين القبيلة كحاضنة، بحيثُ أنها تُشَكِّلُ رابط اجتماعي مقدس، يتفوَّقْ أحياناً على رباط الدولة، التي تُمَثل الحاضنة السياسية، التي تُنَظِّم علاقات المجتمع، وتحافظُ على مصالحهِ، مع اختلاف نظام الحُكم ونمط الدولة .

وأيضاً أشار ابن خلدون إلى الطغيان والاستبداد السياسي، في ظل حُكم مُطلق، الذي يُفضي الى فسادٍ مطلق، سواء تعددت مناهج الحكم والإدارة ومصادر القرار الاسمية، بالرغم من تجيير بعض المؤسسات لخدمة الحاكم، بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة .

حذر ابن خلدون من الجمع بين الأُختينِ بما قد سَلَفْ وَخَلَفْ، (الإمارة والتجارة) .

بالرغمِ من منافعهما الجمَّة، وذكر مَضَرَّة الاشتغال والجمع فيما بينهما، عاجلاً كان أم آجلاً، وَيُستثنى منهما المؤسسات والمرافقُ الإستراتيجية، التي تُقَدَّرْ بقدرها، في وقتنا الراهن للضرورة الحتمية .

وأبان أنَّ للحاكم أمْرَيْنِ جَليلينِ، لا يستغنى عنهما أبداً ولا بديل لهما (السيف والقلم) .

وقال: السيف يُثَبِّتْ أركان الدولة وسيادتها، ويحدد نشأتها وتطورها واختصاصاتها ومؤسساتها، وهو مصدر للقوة والهيبة (الدستور والقانون) .

أما القلمُ: فهو لسان الحاكم ومصدر القرار وَأداة التواصل بين البلدان والأمصار (المؤسسات).

ويقول: الشعوب جُبِلتْ على حُبِّ العدلِ وَكُرْهِ الظلمِ والجورِ والطغيان .

ويستطردُ قائلاً: إذا زال العدلُ انهارت العمارة، وزادت البطالة، وتوقف الإنتاج وافتقرَ النَّاسُ، واستمرَّ التساقط، حتى زوال الملك أيْ (السلطان). وقد لا يحتاجُ ذلك للأسباب، لأنَّ السلطان سُلطة حصريَّة للهِ رَبّ العالمين في النَّزْعِ والإيتاء .

ويقول: العدلُ إذا دامَ عَمَّرْ والظلم إذا دامَ دَمَّرْ .

ويقول: السلطان والأُمراء إذا زاحموا الناس في معاشهم وحياتهم أفقروهم ودمَّروهم، وَاستخلفوهم – من بعد خَلَفْ .

وإذا ذهبت هيبة القضاء، تفشىَّ الظلمُ والبغضاء، والمحسوبية بلا استثناء .

التأريخ ليس قوالب جامدة لأحداثٍ وقعت فيما مضى – بل يتفاعل الماضي مع الحاضر ليرسُمَ ملامح المستقبل الآتي رُغْمَ ما يكتنف المشهد من غُموض وانعدامٍ للرؤى والرؤية .

ولنا عودة إنْ شاء الله.

 

مصمم صيحة: صلاح شعيب ومسار عند محمد لطيف بديك ليهم مصححات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى