منى أبو زيد تكتب.. عند حاجز الكرامة..!   

التغيير الحقيقي في هذا البلد سوف يبقى سلسلة انتقالات من سواعد الطُغاة إلى أكف المُستبدين إن لم تتغيّر أنت، وتغييرك لا يعني أن تهدم جبلاً أو تحفر بئراً، فقط جرِّب أن تفرد مساحة مقدرة لكلمة “لا” في رقعة ردود أفعالك”.. الكاتبة..!

اللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحفيين كشفت يوم أمس الأول عن تعرض الزميل الصحفي “علي الدالي” للاعتداء من قِبَل أفراد يُرَجَّح أنهم من هيئة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش. كان ذلك إثر حادث مروري وقع في الشارع العام وتدخل فيه الزميل “علي الدالي” بالحسنى، لكن تدخله قُوبل بالضرب المبرح الذي أفقده الوعي، ونُقِل بعد ذلك إلى مستشفي الزيتونة..!

هذا ما كان من أمر الخبر، أما التعليق عليه فأستَهلُّه بالشجب والتنديد والمطالبة بتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين أياً كانوا وكيفما كانوا. ثم أذكركم ونفسي بأن العابرين من حواجز الكرامة هم الذين يحددون سلوك المعتدين بخضوعهم أو رفضهم لشيوع طبائع الاستبداد فيهم..!

أقوى أسباب اندلاع الثورة المصرية كان طغيان منسوبي جهاز الأمن واستبداد منسوبي أجهزة الشرطة من العساكر والأمناء والمخبرين، وتراكُم معدلات الإذعان في مواقف المواطنين. كما وأن ارتفاع معدلات هذا النوع من الجرائم في بلادنا هو الذي عجّل باندلاع الثورة على حكومة الإنقاذ. تلك الثورة التي أكدت – من جديد – على أن شيوع الاستبداد وتفاقم الإذعان هو الوجه الآخر للرفض والانعتاق والتحرر. ولو تأملت في سير المتجاوزين في تلك الأجهزة ستجد أن العلاقة بين حجم الرُّتَب ومقدار العنف تكون دوماً عكسية..!

قبل الثورة كانت علاقة الأمن بالصحافة في بلادنا مثل علاقة رجل الشارع بقانون النظام العام، “تدَخُّل” و”تَداخل” على مستوى النص، و”تأزُّم” و”تجاوز” على ساحات التّطبيق، وهي حلقة في سلسلة أخطاء منهجية وإشكالية “سستم” لا يكفي لحلها – فقط – أن يتغير القانون المنظم لمهنة لا يتحكم وحده بالفصل في نزاعاتها وشؤونها. لا بد أن يشمل التغيير عقلية سلطة الدولة في مواجهة سلطة الصحافة – هذا إن أرادت إصلاحاً – باعتبار أن الصحافة الحرة هي الواجهة الحقيقية لحال الحريات في أي بلد ديمقراطي..!

أما علاقة منسوبي أجهزة الأمن بالمواطن السوداني في بلادنا فقد كانت محفوفةً بأخطار الوقوف على حاجز الحرية، والخوف من إراقة الدماء أو الاكتفاء بالقلق من إراقة الكرامة. ذات الصحف التي كانت تحمل إلينا التصريحات الواثقة لرجالات الإنقاذ عن كساد بضاعة الحالمين بزوالها، ظلت تنقل أيضاً أخبار ومتابعات لمحاكمات في جرائم نظاميين اُرتكبت بحق مواطنين. فكيف تسمح حكومة انتقالية – جاءت بعد ثورة – بأن تعود مظاهر ذات الظلم الذي ثار المواطن عليه. كيف تسمح بعودة مظاهر ذات المذهب القمعي الذي أثبت فشله، والدليل وجودها نفسه..!

إن الثورة في وجهها الرسمي هي عملية إحلال وإبدال سياسي، وفي باطن أمرها هي حادثة انفجار لعبوة الفقر الاقتصادي والقهر السلطوي الناسفة للصبر والاحتمال. فكيف – بربكم – ننتهي إلى هذه الحال التي لا تليق بثورة عظيمة..!

لا بد أن يُشفى كل صاحب سلطة في حكومة سودان ما بعد الثورة من بارانويا المكابرة في مواجهة الأخطاء الفادحة قبل أن يَهلَك “وهذا ليس شأننا”، أو أن يُهلِك، وهذا – بطبيعة الحال – “أكبر همّنا” ومبلغ علمنا..!

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى