محمد صالح الأمين بركةيكتب : طالبان ما بين الأمس واليوم  

 

أصبح اسم طالبان مُرادِفاً لمفردة الإرهاب التي عند ذكرها تقشعرُّ الأبدان وتحتارُ الألبابُ والأذهان .!!!

جاءت طالبان للحكم لأوَّلِ مَرَّةْ في العام 1996 م وما أشبه الليلة بالبارحة، حينها لجأ الرئيس محمد نجيب الله إلى مبنى الأُمم المتحدة بكابول وانتزعتهُ طالبان عنْوَة وعلقته على المشانق في ميدانٍ عام ومن معه جهاراً نهاراً وذلك في 27 سبتمبر 1996م .

وعرفنا وتعرفنا على تضاريس أفغانستان كسلسة جبال تورابورا وتعني بالعربية الغُبار الأسود واستلهمنا من اشتقاق الاسم حركات ثورية سودانية بدارفور مرادفة للجنجويد، وكذلك تعرّفنا على قندهار والرمزية أصبحت ذات دلالة تُطلق على أسواق اللحوم والمشويات في كافة أنحاء السُّودان .

وتكرر نفس المشهد وبصورة حضارية أُخرى مغايرة لِما حدث حينها حيثُ فَرَّ الرئيس محمد أشرف غَنِيِ بطائرته إلى أبوظبي وترك العملاء والعاملين مع القوات الأمريكية يستنجدون بالأجانب فراراً من بلدهم لتوفير ملاجئ آمنة لهم خشية الإمساك بهم من قبل قوات طالبان .

بعضهم نَفَدَ بجلدهِ أو معهُ أهلهُ وبعضهم سقط كالفراش من على ظهر الطائرات في سابقة ليس لها مثيل في التاريخ الحديث وَحَرِيٌّ بهم باطنُ كابول أولى لهم من المصير المحتوم الذي آلَوا إليهِ جرّاءَ فعلتهم تلك بذلكم الهروب من وطنهم جرّاء ما اقترفوه من ذنبٍ وَظُلْمٍ عظيم إبَّان فترة الاحتلال .

حضرت طالبان في الزمان والمكان وشاهدت المواطنين يتدافعون حول المطار ذلكم المنفذ الوحيد بغية الهروب والفرار، ولكن قواتها نأتْ بنفسها بعيداً عن هذا المعترك الذي قد يتسببُ بمعركة لاحقة مفتعلة تُكَلِّف معضلة قوية في بناء العلاقات الدولية لطالبان .

وجاء النداءُ من طالبان بلسانٍ مُبين اذهبوا يا أهل كابول فأنتم أيها الأحرار طُلقاء لا يمسكم سوء، اذهبوا أنتم آمنون غفر الله لنا ولكم .

طالبان جاءت بفقهٍ جديد يستوعب المتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية بتطور فِقْه الحُكم والإمارة كما يحلو لهم وذلك في إطار جَلْب المصالح ودرء المفاسد .

الناظر للمشهد من خلال الزَّيْ التقليدي للافغان (الجلاليب والعمائم وَاللَّحَىَ) ربما يسخرُ من القوم إيَّاهُم ولكن هؤلاءِ المقاتلون الأشاوس يتمتعون بذكاءٍ خارق وتجربة وخبرة عميقة وَعُوا من خلالها الدروس والعِبَرْ، حيثُ أداروا حواراً سِرِّيَّاً وموضوعياً مع الأمريكان عبر دولة قطر استمر الحوار لفتراتٍ طويلة وَخَلُصَ إلى انسحاب القوات الأمريكية دون إراقةُ دماء ودموع .!!!

فاتورة وجود القوات الأمريكية في أفغانستان كانت باهظة التكاليف في العدَّةْ والعتاد والجنود حيث بلغت نفقة وجود القوات الأمريكية هناك (750) مليار دولار والجنود القتلى بلغوا (2400) قتيل أمريكي، والإنفاق على بناء الجيش الأفغاني بلغ (90) مليار دولار والناتج النهائي صفر كبير، ولذلك خروج القوات الأمريكية من أفغانستان يُعَدُّ مكسباً كبيراً للإدارة الأمريكية ونجاحا باهرا لحركة طالبان، لا يُقاسُ ذلك بحساب الرِّبح والخسارة فحسب – بل بخروج القوات الأمريكية من هذا المستنقع الآسِنْ بكرامة إنْ وِجِدَتْ.؟!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى