آمال عباس تكتب : وقفات مهمة وقود.. لا ينطفئ

 

يزورنا هذه الأيام وفد من أمانة الاتحاد الاشتراكي العربي في إطار التعاون ووحدة التحرك السياسي لتنظيمينا العملاقين حيال كل ما من شأنه أن يسعد الإنسان السوداني والمصري وكل ما من شأنه إثراء التجارب النضالية في العالم.

ولا يكون موضوع لوقفتنا هذه أكثر أهمية من الحديث عن المناضل المصري والمناضل السوداني بالشكل الجديد والمحتوى الجديد اللذين فرضهما منطق التاريخ ومنطق الثورتين التقدميتين المصرية 23  يوليو والسودانية 25 مايو.

في شخص الأخ عبد المجيد شديد أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي العربي والإخوة أعضاء الوفد أحيي جماهير الشعب المصري المناضل وأخص بالتحية جنود العبور أبناء الثورة الرائدة وأخص بالتحية جماهير العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين الذين دافعوا وما زالوا يدافعون عن منجزات الثورة الاشتراكية الأم في العالم العربي والذين آمنوا وتمسكوا بحتمية الحل الاشتراكي.. وبصيغة تحالف قوى الشعب العاملة إطاراً ووعاء للنضال الجبار الذي يخوضه الإنسان المصري ومن خلفه كل قوى التقدم من أجل إحداث التغيير والانعتاق من المذلة والهوان.

وإن كان للتاريخ أن يشهد من قديم الزمان ومنذ أن كانت الروابط الطبيعية.. لقاء قوى الخير في البلدين.. اللقاء الذي ترك ذاك التراث العطر من ذكريات الكفاح المشترك والتطلع المشترك..

فاليوم تتجاوز علاقتنا مع الشعب المصري ومع الثورة المصرية حدود التعبير العاطفي والميل الأخوي ومشاعر المودة العامرة.. وبدأت بفضل ثورة مايو التقدمية ترتاد آفاقاً جديدة وآفاقاً عملية وثورية.

وثورة 23 يوليو التي صمدت في وجه أعنف الهجمات كانت بداية ميلاد الإنسان المصري الجديد وكانت وما زالت فاتحة عهد لانتصار العديد من ثورات التحرر الوطني ذات العمق الاقتصادي والاجتماعي في كل أنحاء العالم الثالث.

وفي مصر رحبت الجماهير الشعبية بثورة يوليو وأكدت ترحيبها باستجابتها كل مرة تحدث فيها الزعيم الراحل الخالد جمال عبد  الناصر.. ومن بعد الزعيم أنور السادات عند لحظات المواجهات الكبرى للثورة.. مثلما حدث عند تأميم القناة والعدوان الثلاثي والحصار الاقتصادي.. وحرب يونيو.. وفي اليومين الخالدين 8-9 يونيو 1967م وفي 6 أكتوبر الانتصار الكبير.. وفي ورقة أكتوبر وفي مناقشات ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكي وكل هذا يؤكد عمق التغيير الاجتماعي الذي حدث بفعل ثورة يوليو.

ونحن في السودان نفهم الاشتراكية بعداً إنسانياً تموت فيه التعصبات الإقليمية والطائفية ويندحر إلى غير رجعة الفكر اليميني المتخلف وأفكار الاستغلال والاحتكار اللا مشروع لإنتاج الإنسان وعمله وفكره.. ونحن نفهم الاشتراكية.. أخلاقية ثورية تقوم على تقديس الإنسان كمبدأ وهدف.. ونحن نفهم الاشتراكية طريقاً نحو عالم أكثر سعادة واحتضاناً للإنسان.. ونحن نؤمن بأن الاشتراكية تجتاز كل التعريفات الأكاديمية وتكشف عن جوهر وجوده في جملة واحدة تتكون من كلمتين وحرف صغير “الخبز والحرية”..

ومن هنا نؤكد بأن لولا قيام ثورة مايو الاشتراكية في عام 1969م والتي جاءت الى جانب أنها انتصاراً للإرادة الخيرة والمتقدمة في أعماق الشعب السوداني جاءت رداً إيجابياً على الذين بدأوا يحسون الراحة بعد نكسة يونيو باعتبار أن صوت الثورات قد خبا وحركة الجماهير شلتها الهزيمة.

لولا هذا لما تعدت علاقتنا الحديث الطيب والمباركة لكل ما يحدث في شمال الوادي.. ونحن دائماً كنا نتطلع شمالاً.. ولا كان لنا مجال لتحويل العلائق الأزلية والأبوية الى برامج عطاء تثري تجارب العالم الثالث وتقدم النموذج الأمثل للعالم العربي في مجال لقاء الثوار الإيجابي، وفي مجال العمل العلمي والمتأني في طريق وحدة القوى التقدمية في العالم العربي من أجل اسعاد الإنسان وإقامة مجتمع الكفاية والعدل.

ولذلك جاء برنامج التكافل الاقتصادي ومنهاج العمل السياسي اللذين اتفق عليهما الرئيسان نميري والسادات قوامين شرعيين لمنطق العصر في مفهوم “الحرية والخبز” وللواقع لقومي والإقليمي والعالمي.. وجاءت لقاءاتنا المتعددة والمثمرة حرصاً على رعايتهما ليكونا سبيلنا لإحداث التقدم الذي يمكن الإنسان المصري والسوداني من السيطرة على الطبيعة ومن القدرة على إثراء الإنسانية مادياً وفكرياً وروحياً.. وبالتالي يتمكن من امتلاك مصيره امتلاكاً حراً وبناء وجماعياً.

ونحن في أمانتي التنظيم عندما نتابع النقاش ووضع البرامج والرعاية والاهتمام بتنفيذ منهاج العمل السياسي بين الاتحاد الاشتراكي العربي والاتحاد الاشتراكي السوداني.. نفعل هذا ورؤيتنا واضحة لتاريخنا ولعصرنا ولواقعنا ونعايش كل ذلك معايشة الثوريين الذين ينتمون أصلاً الى حركة التغيير لما هو أرقى وأوفر إنسانية في جميع المجالات.. وندرك أن هذا التغيير لا يمكن أن يكون في هذا العصر الواضح السمات إلا اذا ارتبط ارتباطاً عضوياً بالمبادئ الاشتراكية باعتبار أنها أرقى ما وصل اليه الفكر والعمل الإنساني حتى اليوم.. ويجب أن يكون ذلك دون جمود مذهبي أو تقوقع عقائدي منعزل.. فالنظريات مهما اكتملت تكون رمادية اللون والواقع أخضر ومعطاء دون توقف..

نقول هذا لأن منطق الربع الأخير من القرن العشرين أو بعبارة أخرى منطق ما بعد العبور في القاهرة وما بعد التحول العالمي الكبير حيال قضية الشعب الفلسطيني وما بعد الانتصارات التي تحققها ثورة مايو يوماً بعد يوم في مجال تغيير الحياة السودانية وفي مجال مجريات الأمور في العالم وحيال قضايا التحرر يلح الحاحاً عميقاً على ضرورة وحده الثورتين وبالتالي وحدة الثوار بمعنى وحدة كل أصحاب المصلحة والمؤمنين بأن طريق إنسان هذا القرن نحو غد أفضل هو السلام والحرية والاشتراكية.. وهذه الوحدة مطلوب رعايتها وتنظيمها في جميع الحالات ديمقراطياً على المستوى الداخلي والمستوى العالمي معاً.. ودون انفصال وأن هذه الوحدة نحن الذين نكسبها فعاليتها باستمرار اللقاء والتعاون على طريق الثورة وعلى طريق وحدة الثوار في العالم أجمع من أجل القضاء على الاستعمار والامبريالية والصهيونية والرجعية.. ومرة أخرى مرحبًاً بوفد أمانة التنظيم بالاتحاد الاشتراكي العربي.. ومزيداً من الانتصارات.

  • وجهة نظر:

ثورة المرأة اللا مبالية

من أحرج الفترات التي تمر بها الثورات الاجتماعية هي فترات الانتقال من الأشكال القديمة إلى الأشكال الجديدة وإذا كانت هذه الفترات صعبة في مجال تغيير علاقات الإنتاج وتغيير هياكل الحكم والهياكل الاقتصادية تكون أشد صعوبة في ميادين تغيير الإنسان ومفاهيمه وعاداته وتقاليده.

وإذا ألقينا نظرة عابرة نحن في المجتمع الشرقي نرى ضخامة التبعة وعظم المسؤولية.. لا سيما في مجال العمل النسائي ومحاولة إشراك المرأة في الحياة العامة بشتى الطرق وبمختلف الوسائل.

فمثلاً في السودان وضع المرأة في الأسرة تحكمه عوامل كثيرة على رأسها العامل الاقتصادي الذي يتمثل في اعتمادها الأوحد على الرجل.. وينتج عن ذلك مسائل كثيرة يضيق المجال عن ذكرها.. ولكنها في مجموعها قد تشكل عوائق لمسيرة التنمية وتخطي مرحلة التغيير بأقل قدر من الخسائر.

أورد بهذه المناسبة خاطرة طرأت بذهني وأنا أطالع سريعاً ديوان نزار قباني الذي أسماه “يوميات امرأة لا مبالية” حاول قي مقدمته أن يدفعنا دفعاً الى التعاطف مع صاحبة اليوميات كما ادعى لا أتصور أن لليوميات مؤلف غير الشاعر على الإطلاق ولذلك كانت معاملتي له باعتبار أنه دعوة مطلقة للتحرر.. أو لثورة نسائية تقودها الحمقاوات كما ورد على لسان الشاعر في الرسالة من المرأة الحمقاء.. والخاطرة تركزت أولاً فيما يدور في عالم الشرق العربي في دنيا المرأة وما يدور في العالم بصورة أوسع حيال عالم المرأة.. وما يدور في السودان بوجه خاص من تبلور واضح لقضية المرأة ومسار نضالها الى جانب الرجل من أجل حياة أفضل تشارك فيها المرأة كقوة منتجة ودافعة لعجلة التقدم وتقود حركتها بثورة مبالية وبعيدة عن الحماقة.

والشيء الذي أردت أن أقول فيه وجهة نظري هو الكيفية التي تناول بها نزار معالجة قضية المرأة.. وجاءت قصائد الديوان كلها حول مأساة المرأة في الشرق.. وعن حريتها المسلوبة التي لا تتعدى حرية “الحب” وحرية الذهاب للماخور كما يفعل أخوها ويقول نزار في مطلع الديوان:

ثوري أحبك أن تثوري

ثوري على شرق السبايا والتكايا والبخور

لا يذهب أحد فإن الشمس مقبرة النسور

ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير

والخوف من الدعوة للثورة المطلقة تأتي عندي أولاً من انتشار دواوين نزار وثانياً من إطار بقية القصائد والتي تدور كلها في محور البحث عن الحرية والانعتاق مما هو قديم بصرف النظر عن قيمته الأخلاقية أو الإنسانية.

وهذا بالطبع يخلق لنا المزيد من المتاعب والمشاكل ويجعلنا نصرف كل الوقت في محاولة معالجة أخطاء الفهم السطحي لمعنى تحرير المرأة وخروجها للمساهمة في الحياة ونحن بالتأكيد لا نريدها نسوراً جانحة حتى لا تكون مقبرة قضيتنا الشمس أو حتى القمر.. ولكن نريد لثورتنا التأني والحكمة.. هذه خاطرة عابرة لعلي أعاود مناقشة هذا الديوان مرة أخرى.

مقطع شعر:

من ديوان الجواد والسيف المكسور لجيلي عبد الرحمن من قصيدة “على ما يرام” إليكم هذا المقطع:

على ما يرام

فلون الحياة كلون الرطب

تسير مثقلة بالذهب

وسنطتنا غرقت في النهر

وعماتنا قد ولدن الحياة

كعادتهن على كل عام

على ما يرام

وترقص نخلتنا بالظلال

وتحمل أثمارها كالعيال

وأمي وكل نساء الجزيرة

يجدلن أبراشنا والسلال

وتطفو التماسيح فوق الرمال

تحلق في جنبات التلال

تخوف أختي بها لكي تنام

وترغب زينب ألا تنام

على ما يرام

مربع شعر:

قال الشاعر الهمباتي تعبيراً عن صموده:

زنزانة الترك مبنية قدر الزول

كل صبحاً جديد بابك علي مقفول

فتشوا الدفاتر وأسألوا المأمور

أنا مكان قربت حرمانة بت النور

من أمثالنا:

وجع ساعة ولا كل ساعة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى